لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

فريد الديب.. "الأفوكاتو" يترنح

07:19 م الأحد 10 مايو 2015

فريد الديب

كتبت-رنا الجميعي ودعاء الفولي:

تأخذه الشهرة فيغفل عن خساراته ببعض أشهر القضايا، لكن فرط الثقة لا يبرح نفسه، خاض مجادلات عدة، ربح بعضها وخسر أُخرى، لكنه تخطى وقع الخسارة داخله، حتى أعلن عزمه الدفاع عن الرئيس المخلوع. معتدًا بذاته، قاهرًا اللعنات الدائرة حوله، يتخذ من قاعة المحكمة مسرح لعرض إمكانياته المراوغة، أربع أعوام من الجولات بارز فيها، ارتفعت فيها نصيبه بكفة الميزان، لكن مع انقضاء العام الرابع على محاكمات مبارك، قضت المحكمة بحبسه ونجليه ثلاث سنوات مشددة، فترنحت كفته وتجرد بعض من الكيل.

محمود-الحفناوي

يلازمه سيجاره البُني الفاخر، ينظر من عَلِ لمن حوله كرجل يعلم جيدًا مدى شهرته، يتخذ المنصة كمن يستعد لإلقاء عرض مسرحي هو بطله، يرتدي زي المُحاماة الأسود على بنيته الممتلئة القصيرة، عيناه التي تشبه في ثباتها وجرؤتها عيني ذئب، هي ما تُجذبك إليه، يبدأ في العرض، الكُل منصت له، الهدوء في البداية ثم تسارع حدة الصوت، استخدام اليد كمعاون للقطته الممثلة، الأوراق رفيقة له في استعراض الأدلة، كمن تمكّن من حوذ الانتباه الكامل يُكمل مدته، دون أن يُقاطعه أحد، حتى تتساءل في لحظة ما؛ أليس من المفترض التصفيق له الآن؟، يُلقي بمزحة ما فيضحك وكيل النيابة على إثرها، تنتهي المرافعة، يُشعل السيجار بأنفة تليق بنهاية المشهد المسرحي، يستريح بعد عناء مرافعته، ينتظر القاضي لإصدار الحكم، لا قلق يعتريه، يُجيب عن أسئلة المتحلقين من حوله، ينادى أحدهم عليه بـ"يا ريس"، في مرافعة "القصور الرئاسية" 2013 بإخلاء سبيل مبارك ونجليه.


في 22 مارس 2011 أعلن المحامي "فريد الديب" أنه سيترافع عن الرئيس المخلوع "حسني مبارك"، لم يعتبرها البعض مفاجأة، فمن كان سيصلح لهذا الدور غير محامي المرافعات ذو الظهور الإعلامي المثير، وصف "مبارك" بإحدى الجلسات في 2012 أنه " طاهر اليد"، المخلوع الذي اتهم بالاستيلاء على مبلغ 125 مليون جنيه من ميزانية رئاسة الجمهورية، بالقضية المعروفة "قصور الرئاسة"، وفي 21 مايو 2014 تم الحكم بسجن مبارك ونجليه بثلاث سنوات سجن مشددة، إلا أن الاستئناف عليها حكم عليهم بالبراءة، بعدها تم النقض وهو ما أعاد المحاكمة من جديد لينتهي بحكم الثلاث أعوام مجددًا.

أشار "الديب" بإحدى اللقاءات التليفزيونية في 2011 أن مبارك لا يحتكم سوى على 7 مليون جنيه، وأنه يتحدى كائن من كان أن يثبت أن له "دولار واحد" بالخارج، لكنه تراجع عن ذلك القول بإحدى مرافعاته في 2014 وقال نصًا "مبارك عنده 11 مليار جنيه".

عمرو-عبدالله

صدحّ صوت القاضي في القاعة عاليا، "سكوت" يقول قبل النطق بالحكم، يهدأ الهرج، ينكمش الجالسون على أنفسهم، يتصاعد النبض في القلوب، فالذين آمنوا بـ"مبارك" خائفين رغم براءته من التهم السابقة –طبقا للمحكمة- أما الواقفين ضد الرئيس المخلوع فيتمنون نصرا، يتلون دعواتهم الصامتة، خوفا أن تنكسر الخواطر مرة أخرى، بينهم يجلس "الديب" مزهوا بنفسه، السيجار في جيب البدلة الفخمة، ينتظر صاحبه أن يشعله عقب النصر المرتقب، لا توسوس له نفسه بهزيمة أبدا، رغم أنه عايشها مرارا، حتى انقلب الحكم على المحامي الشهير، وأصبحت الهزيمة –أخيرا- ممكنة.

"حكمت المحكمة بمعاقبة المتهمين بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات في قضية قصور الرئاسة"، نطقها القاضي واثقا، زُلزلت الأرض أسفل مريدي مبارك، علا البكاء، وولدت الضحكات الخافتة للمدعين على مبارك ونجليه، "الديب" لم يُعلق، اهتزت مملكته، ضاقت عليه القاعة بما رحبت، عاد الهرج، رُفعت الجلسة، اختفى القاضي، وجلس المحامي العجوز ساهما، طأطأ رأسه حزنا، كوّر يديه على بعضهما، تماسك لئلا ينهار، ما أصعب اللحظات على نفس من وُصف بـ"ثعلب المحاكمات"، اللحظات تمر ثقيلة، صارت ضحكات المنتصرين أعلى، تصاعدت رويدا حتى طغت على صراخ عقل "الديب" الذي لم يستوعب ما حدث.

يُعرف عن "الديب" الربح في قضايا مبارك عدا الأخيرة، غير أن سيرته الذاتية مليئة بهزائم في قضايا ترافع بها؛ خسر حين كان محاميا عن نفسه عام 2011 بقضية اُتهم فيها بالحصول على 5 مليون جنيه من مؤسسة أخبار اليوم، وكان حقا عليه ردها للمؤسسة التي عمل بها مستشارا قانونيا، وكذلك قضية "عزام عزام" الجاسوس لصالح إسرائيل، الذي قبل "الديب" الدفاع عنه عام 1997، لكن أدلته لم تُقنع المحكمة، فُحكم عليه بـ15 عاما مع الشغل، ولم يختلف الحال مع رجل الأعمال "حسام أبو الفتوح" الذي اتهم بالحصول على قروض ضخمة وعدم سدادها، فُحكم عليه بـ10 سنوات ووجود سداد 400 مليون جنيه للبنوك.

لـ"الديب" في شأنه مريدين، كما هو الحال مع مبارك، يتتبعونه، يلتفون حوله، يطلبون وده كأنه "شيخ طريقة"، يصفقون له في القاعة إذ يقول –بجلسة 29 إبريل- إن قضية قصور الرئاسة ملفقة في عهد الإخوان المسلمين. حتى الجلسة الأخيرة يلتصق بعضهم به قبل النطق بالحكم لالتقاط صورة، غير أنه عقب الخسارة كان وحيدا، انفض عنه الجمع، انشغل كلٌ منهم بمصيبته، بينما تكتب ابنته فيما بعد على صفحتها "طظ في 25 يناير"، وينشر زوجها صورة برفقة "الديب"، إذ ذهبا برحلة علاج إلى فرنسا.


الهزيمة وقعها مر بالحلق، تُعرف الهزائم لا بأعدادها ولكن بوطئها على النفس، كذلك هي الفرحة، رغم بضع سنين عوقب بها مبارك، إلا أنه يُحتمل أن تحلو بنفس سيدة علمت معنى الفقد، ترى فيها انفراجة ما، روح صعدت لبارئها تتابع من عل ما يُمكن أن يكون جزء من العدل.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان