مشروع آية.. صور من "ريحة الحبايب"
كتبت-دعاء الفولي:
نظرة سريعة تخطفها الفتاة ذات الست وعشرين عاما، على الأشياء التي تحمل رائحة الجد الراحل منذ أعوام؛ ساعة اليد، زجاجة العطر، مناديل قماشية ملونة، ثلاث سبح، مفتاح صدئ، قفل، مقص مُغلق على نفسه ونظارات شمسية. تنساب دمعة من عيني آية السيد، تذكر أيام الجمعة التي قضتها بمنزله. عقب موته عشش الفقد في ضلوعها، حتى أنها احتفظت بأشياء كان يستخدمها في غرفتها. يحكي الناس عن أحباءهم الراحلين قليلا، وتتكلم هي عنهم كثيرا، تحبهم على طريقتها؛ فتبدأ مشروعا يقوم على تصوير متعلقات يتركها الذين ماتوا خلفهم، لتبقى ذكراهم نابضة في قلوب الأحياء.
"لما الناس بتموت حاجاتهم بتموت معاهم.. فليه منخليهمش عايشين ونتكلم عنهم؟"، مرارا ترددت تلك الجملة في ذهن خريجة كلية الصيدلة بجامعة عين شمس، كل مرة تمر بجانب متعلقات الجد كانت تذكرها "ومكنتش أعرف ممكن إزاي أحكي عن الفكرة دي"، ولأنها تهوى التصوير فكانت الكاميرا هي الحل، إذ استهلت مشروعها منذ حوالي 3 أسابيع.
ملاءة بيضاء وكاميرا هما أدوات آية. بدأت بمتعلقات جدها محمد سماحة الذي تُوفي إثر إصابته بفيروس سي، عن عمر يناهز الثانية والسبعين، قامت بترتيب الأشياء بشكل منتظم ثم التقطت الصورة، قبل أن تأتيها فكرة كتابة تعليق تحتها يعبر عن علاقتها بالشخص المتوفى "كان بيشتري لي عسلية وشيكي بن كل جمعة"، هكذا كان تعليقها الأول على الصورة، لآية من الإخوة ثلاثة "بس انا كنت أقرب واحدة فيهم لجدو.. كان بيتصل يسأل عليا علطول.. كان حلو أوي".
بخجل أقنعت الفتاة صاحبة المشروع والدتها لتخرج متعلقات الجدة، كان الأمر شاقا على الوالدة رغم أنها توفيت منذ أكثر من عشرة أعوام، بتؤدة رصت الأشياء لتحصل على صورة جديدة؛ معجون أسنان، جريدة قديمة مُصفرة، حقيبة يد صغيرة، خطابات وزجاجات عطر مختلفة الأنواع، ظلت الفتاة والأم تتحدثان عن العجوز الراحلة، لتستطيع كتابة تعليق على الصورة "لحد ما حكت لي إنها كانت بتعرف إن جدتي صحيت من النوم الصبح من صوت غوايش إيديها".
كانت آية تعود من مدرستها صغيرة؛ فتجد "سامية عبد الحميد" ابنة عمتها، في منزلهم، تتهلل أساريرها باللقاء، طالبة منها سرد قصة "كانت بتحكيلي سنو وايت رغم إنها تعبانة وبتنام وهي بتحكي"، لا تذكر صاحبة المشروع تفاصيل كثيرة عنها سوى مشابك الشعر وأدوات المكياج. رحلت "سامية" أثناء الولادة بسبب انفجار في الرحم، لتطلب آية من عمتها عقب أكثر من 10 سنوات أن تخرج لها متعلقات الابنة "وعمتي تفهمت جدا"، كما ساعدتها على إقناع أسرة الأب أن تصور متعلقات الجد الثاني، التي كتبت أنه كان ذو ملامح جادة وعينان مبتسمتان.
لازال مشروع خريجة الصيدلة وليدا، إنجاز الأربع صور الأولى منه لم يستغرق سوى يومين، لم يكن هدف صاحبة الفكرة أن تتحدث عن المقربين منها فقط، بل وتفتح الباب للآخرين أن يفعلوا ذلك "المشروع مفتوح عشان الناس تبعتلي"، وأن تكسر حاجز كتمان الكلام الطيب عن الموتى خوفا من استعادة الحزن "الناس بدأت ترد فعلا وتبعتلي صور من نفس المساحة"، بينما توافدت عليها ردود الأفعال المرحبة بما تفعل، والمتفاعلة "فيه ناس قالولي إنهم عيطول لما شافوا الصور"، على أن تُجمع تلك الصور في النهاية وتُعرض على الإنترنت "ولو فيه فرصة يتعمل لها معرض على الأرض يبقى عظيم".
فيديو قد يعجبك: