لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ما بين فؤاد المهندس والحزن "كلمتين وبس"

02:37 م الثلاثاء 23 يونيو 2015

فؤاد المهندس

كتب- إشراق أحمد:
كونه من أرباب الضحك، لا يعني أن الحزن بمنأى عنه، فالحزن قدر، واجب يدفعه القلب ليبقى على سليقته؛ رقيق لا تخلوه القوة في الشدائد، لكن تنأى عنه القسوة؛ وقد أدرك فؤاد المهندس ذلك الواجب في حياته، فتعامل معه بمنطقه الخاص؛ أغلق باب حزنه "على الأخر" أمام الجميع، فيما ترك له مساحة "وواربه" بأدواره على خشبة المسرح والشاشة الفضية.

بيقين صاحب الثروة العصامي في "هالة حبيبتي"، حين حزن لرحيل الصغير حدث نفسه "أدهم أحب أقول لك أمتثل وأثبت محلك.. أوعى حبك يوم يضلك ما أراد الله يكون"، فقبل أن تلهب الدموع وجنتيه، يحبسها بعينيه، تكتمها يده بمنديل تضعه على فمه، لتتمدد عروق عنقه، فلا تظهر إلا ملامح باكي، رحلت عنه عَبراته وتركت أسى، اقتحم الأبواب دون إنذار، وترك أثر شأن الضحكات الصافية حينما تخترق القلوب، غير أنه فضل أن يكون "فؤاد" يكتم الحزن، و"المهندس" للبسمة أينما ذكرت.

مرات قليلة ظهر بها "المهندس" حزين، على مسرح التمثيل وأيضًا الحياة، فرغم ملامحه وطباعه الجادة، غير أن الفكاهة التي غرسها بحياته الشخصية والفنية، جعلت حينما يبكي الضاحك يكون الانكسار كبير، يتفوق في ذلك فنان "الفودفيل"-الكوميديا الخفيفة- على نجوم التراجيديا فتُرى في "دراميته" حقيقة "فؤاد"، حين يحزن لانفصاله عن شخص عزيز، فتصدق مشاعره عند فراق الصغيرة "هالة"، ولو كانت للحبيبة والزوجة والصديقة ""شويكار" بعد الانفصال عنها، ما زاد عليها شيء بكلماته وهو يبكي على المسرح دون دموع قائلا "أيوه ياما حلمت بها وشوفتها بعين المحبة كل يوم عمالة تكبر ويا عمري حبة حبة.. وكنت أشوفني عجوز ومحني وهي شابة.. كانت الحب العظيم وكان بعادها عني آخر شيء يكون.. أها يا ويلي من الشجون.. بس ما دامت سعيدة كل شيء في الكون يهون".

بين الموظف البسيط أيوب جاد الحق، والأستاذ صابر، والثري أدهم بك أبو العز، كان لتلك الشخصيات نصيب من إضفاء البسمة على المتلقين لها في مشوار الفنان، وفي الوقت ذاته عكست جانبا من طابع "المهندس" في التعامل مع المواقف الحزينة، فكما استطاع التغلب على قانون السينما القاسي كما قال عنه طارق الشناوي-الناقد السينمائي- بتطويعه لقدراته بحرفية الأداء وصدقه خلاف بعض من لمع نجمه في المسرح وانطفأ بالسينما، كذلك تجاوز المحن بابتسامة بسيطة على محياه.

دق أبواب حياة "المهندس" الأسى والبث، والوجوم، والكآبة وكل درجات الحزن، الذي يظل في نظر الآخرين، مهما قربت مسافتهم أو بعدت هو حزن، لا يلقى سوى المواساة، لكنه عند صاحب المصاب ذاته، ربما لا يحتمل الشكوى المعلنة، بل العزلة، والبقاء في جو موحش، باعتبارها فرصة لمناجاة النفس، أو التواجد في حضرة من يحبه ولو تألم القلب، شأن الأستاذ "صابر" في "عشان خاطر عيونك"، وهو يدع "رزة" لمن تحب، رغم حبه هو لها، وأثر أن يبقى صديقًا قريب منها، مثلما كان مع شريكة حياته، التي لم تنقطع سعادتها في البقاء والسؤال الدائم عنه. ترك حبيبته للفن، فلم يجد بديل لها، وكذلك هي، وظلت سنده وحبه الأبدي حتى اللحظات الأخيرة رغم طلاقهما.

لازم المسرح فنان الكوميديا في ضحكاته، وشاء القدر أن يستهل مشواره بأسى عميق في النفس، على خشبة مسرح الجامعة، حلمه بدأ في التحقق، بمشاركة أستاذه "المجنون به" مسرحية يخرجها له، يتولى فيها كطالب ورئيس فريق تمثيل كلية التجارة دور البطولة، 4 ساعات يقضيها "المهندس" من أجل ذلك اليوم الذي تعرض فيه "رواية كل يوم"، لكن في الوقت الذي يستعد ليضفي البهجة على وجه الحضور، دق الحزن باب تلميذ نجيب الريحاني، لم يصعد على المسرح، لم يؤدِ الدور، انطفأت ابتسامته بعد وفاة والدته، غير أنها لم تنقطع، وسرعان ما عاد لها.

بنظارته عسلية اللون، سميكة العدسات، ووجه سرعان ما يتجلى أي تغير على ملامحه وقف فنان الكوميديا الراقية على باب المسرح في انتظار الصغيرة "رنا عاطف" أو "هالة"، مَن ارتكب الفعل، الذي طالما سبب له الضيق والحزن، وحالة من الغضب؛ التأخير عن الميعاد المتفق عليه في أي شيء، وليس فقط المسرح الذي له قدسية لدى "المهندس"، فالحضور في وقت متأخر عنه، كفيل ببث الأسى في نفسه.
"بلاش عياط بقى اضحكي" يحيد "أدهم بيه" هالة كي لا تبكي فيما اغرورقت عيناه بالدموع، وكذلك كان الأستاذ يؤثر رسم الابتسامة على الوجوه ولو يدمي الحزن قلبه، فمواقف الفراق للابتعاد أو الوفاة بلا رجعة، أوجعت قلبه، فاشتد به الحزن لفراق معلمه نجيب الريحاني، لتمر سنوات طويلة ويفقد صديقه، وتوأم مشواره الفني عبد المنعم مدبولي، فتلتجم كلماته إلا من تلك التي تلخص علاقتهما معًا "كنت بصحبته شيء مختلف.. كان الناظر والأستاذ بالنسبة لي ولغيري من أبناء جيلي، وبفضل النصوص التي اختارها لي في برنامج ساعة لقلبك أصبحت خليط من الريحاني وفؤاد المهندس فعثرت على شخصيتي الفنية التي أبحث عنها".

لم يتغير "المهندس" حتى وفاته، رغم لحظات الأسى، لكنه ظل حكيما باسما، صارم القرارات، حازم المبادئ، مُضحك لمن حوله، حزين في بعض الأوقات، خاصة عندما يحين الموسم المسرحي في الصيف من كل عام، بينما ألزمه المرض منزله قرابة عشر أعوام، فيأن لكن لا تُرى دموعه، فقط بأعماله تظهر، تأثرًا لفراق أو لقاء، لتصبح حينها كلمات صالح سليم بالشموع السوداء خير لسان حال عند مشاهدته "متغيرتش يا عبد المعطي، وشك السمح، دمك الخفيف واللي في قلبك باين في عنيك"، وكذلك كان أستاذ المسرح، كأنما لم يكن بينه والحزن سوى "كلمتين وبس".

 تابع باقي موضوعات الملف:

"عمو فؤاد".. 7 حالات لـ"ملك الانبساط" (ملف خاص)

undefined

 فؤاد المهندس.. الله الوطن المسرح  (بروفايل)

 undefined

 فؤاد المهندس.. سفاح الكوميديا "بروفايل"

undefined

''فؤاد المهندس'' حكيمًا.. فتش عن التربية و''الريحاني''

undefined

الغناء في مدرسة "فؤاد المهندس".. شيء لا يصدقه عقل

undefined

فؤاد المهندس.. ''قلبه الغاوي قارة واحدة''

undefined

فؤاد المهندس.. للإبداع أكثر من إطار 

undefined

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان