بالصور.. سَلم دماغك لـ ''عبدالدايم'' للحلاقة والثقافة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتب- دعاء الفولي ومحمد مهدي:
أين تُقرأ الروايات؟ أين يمكن أن تتلو الشِعر؟ في المنزل، المكتبة، الحديقة، وسائل المواصلات؟ هي أماكن اعتيادية للقراءة، غير أن العابر لبوابة صالون حلاقة ''محمد عبدالدايم'' بميدان الجامع بمصر الجديدة، لتهذيب لحيته أو رغبة في تصفيف شعره، سيجد قدرا من الكُتب لا بأس به، من الروايات والسير والشِعر، ينقل من يُدهشه الأمر ويستهويه إلى عالم الثقافة خلال وقت الانتظار المرغم عليه، حتى أن البعض قد يؤجل موعد ''الحلاقة'' لحين استكمال ما بين يديه من كلمات، وآخرون تعاملوا مع المكان كـ ''صالون ثقافة'' يستعيرون منه الكُتب من حين إلى آخر.
قبل عام كان ''عبد الدايم'' يعمل في محل حلاقة بمنطقة الكوربة، اقترح على صاحب العمل ذات يوم وضع كتب في الصالون بجانب المجلات، فكان الرد ''هو انا هفتحها مكتبة؟''، كظم الشاب الثلاثيني غيظه قائلا: ''دة مكان عام ودي هتبقى خدمة عامة''، لم يأبه له الآخر، فيما استقر بنفسه أنه سيحقق حلم الكتب إن آجلا أو عاجلا.
مزيج كتب يُعجب الناظرين، روايات، أدب رحلات، كتب سياسية، لكتاب مختلفين؛ أنيس منصور، أحمد خالد توفيق، طه حسين ومحمد حسنين هيكل؛ تزين كلماتهم منضدة في محل ''عبد الدايم'' الجديد الذي صار ملكه منذ عام ''معظم الزباين مبيهتموش بالكتب الموجودة، خمسة في المية بس اللي بيبصوا فيها''، لا ييأس الرجل الثلاثيني من مشروعه التثقيفي الصغير، فإذا خرج أحدهم من عنده بجملة التقطها على عجالة ''دة يكفيني، لأنه على الأقل ممكن يهتم بالقراءة بعد كدة''.
علاقات صاحب الصالون بزبائنه جيدة، وعندما يكون أحدهم مثقفا، فذلك ربحه الأكبر ''واحد منهم كنا بنتكلم عن الكتب وحكتله على الفكرة، فرحب جدًا وجابلي كتاب لأنيس منصور''، من ماله الخاص اشترى الكتب، لم يقرأها كلها لسوء الحظ، إلا أن ما قرأه ظل عالقا، على رأسها رواية يوتوبيا، لأحمد خالد توفيق، لم يهنأ بها كثيرا إذ استعارها شخص ولم يعيدها إلى الآن، ثم تأتي السيرة الذاتية للخليفة عمر بن الخطاب، وكتاب الدعاء المستجاب ''بعتبره باب رزق لازم يبقى موجود عندي في المحل''.
''الاستعارة بتبقى بدون مقابل، حتى لو زبون معرفوش مبقولوش لأ على الكتب بس باخد رقم تليفونه''، يذكر الحلاق عندما طلب منه أحدهم رواية 1984، لجورج أورويل، لأنه لم يجدها في السوق ''وافقت وبعد أيام كلمته قولتله لو خلصتها رجعها من فضلك''، رغم ذلك يبتهج الشاب بمشاغبات الزبائن طالما تتعلق بالكتب، خاصة أولئك الذين لا تستهويهم القراءة كثيرا.
بعد مرور نصف ساعة كان أحد الزبائن ينتظر دوره متأففا، بينما صاحب المحل منشغلا في الحلاقة، ينظر إلى المنضدة، يقلب بلا اهتمام بين أغلفة الكتب، حتى تقع عيناه على كتاب لأنيس منصور، يقرأ بملل، تمر نصف ساعة أخرى ثم ينتهي ''عبد الدايم'' مما يفعل، معتذرا للزبون على التأخير، وطالبا منه أن يجلس على الكرسي المخصص للحلاقة ''طب سيبني بس عشر دقايق هكمل الحتة دي'' قالها الزبون ممسكا بالكتاب؛ فانفرجت أسارير صاحب الصالون، جلس جانبه راضيا حتى انتهى مما يقرأ ثم بدأ عمله.
لا ينكر ''عبدالدايم'' اعتنائه بدقة اختيار الكتُب لأن قاطني المنطقة التي يعمل بها-مصر الجديدة- لديهم بحُكم التعليم الجيد احتكاك واسع بالثقافة ''لو نزلت تحت المستوى الفكري بتاعهم في الكتب هبقى ضيعت حلاوة الفكرة'' لكنه متيقن لو أن القدر ساقه للعمل في منطقة شعبية، لن يتخلى عن مشروعه، سيُكرر التجربة في المحل الجديد ''بالعكس هناك هأكسب ثواب أكتر على تثقيف الناس وإن كل واحد يقرأ ويأخد فكرة مكنش يعرفها''.
ثمانية إخوة، ترتيب ''عبد الدايم'' بينهم الخامس، لم تتح له الظروف استكمال تعليمه ''خرجت من خمسة ابتدائي''، هو فاقد الشيء يحاول إعطاءه. يضايقه انشغال الشباب بمواقع الانترنت أكثر من القراءة، يزعجه ''جهل المجتمع وعدم الاهتمام بالعلم وعدم ترتيب الأفكار''، لا يخجل من مهنته، فقد كَبُر دون أن يجد بديلا عنها ''عشان كدة متمسك أكتر بالكتب، عشان بحاول أبقى نضيف في شغلي ومكاني وأفكاري ''أجبرت على الشغل وأنا 7 سنين، بس دلوقتي بحاول أعوض اللي فاتني''، يقرأ قليلا في المحل لانشغاله بالعمل، وفي إجازته يتطلع إلى مكتبة صغيرة في منزله يشاركه فيها شقيقه الأصغر ''هو بيقرأ أكتر مني ودي حاجة بتسعدني''.
من الكتب المتراصة على منضدة صغيرة أمام أريكة يجلس عليها الزبائن انتظارا لدورهم، وجد الحلاق الُمهتم بالثقافة، أن أعينهم تُدهش عند رؤيتهم رواية ''1984'' لجورج أوريل، و''قلب الإخوان'' لـثروت الخرباوي، هما الكتابين الأكثر قراءة من قِبل الناس داخل محله، فيما يهتم هو بكُتب الدكتور مصطفى محمود ''بلدياتي احنا الاتنين من مواليد محافظة الغربية''، تربى على فكرة، فكان له بالغ الأثر في شخصيته ''بمشي على كلامه وحِكمه''.
الفكرة التي باتت محل اهتمام الجميع، ومصدر تعليقات دائم من الزبائن، لا تشغله عن عمله الذي يُحبه، يعرف أن إمكانياته جيدة في مهنته، يبحث عن كل ما هو جديد في صنعته على الإنترنت والمجلات المتخصصة في ''قَصات'' الشعر، ومن زملاء المهنة ''دا برده جزء من الثقافة في الحاجة اللي بعملها، لأني مش واقف مكاني''.
كلمات الثناء التي يلقاها الحلاق بسبب كتبه تجعل رغبته في استكمال المكتبة متقدة ''لو إمكانياتي تسمح بأكتر من الكتب دي كنت جبت''، أخذ عهد على نفسه أنه بمجرد إتاحة الفرصة سيضع بالصالون أكثر من حامل صغير فوقه كتابين أو ثلاث، ضامنا بذلك مساحة أكبر لها وسط محلة الصغير.
فيديو قد يعجبك: