متى تنتهي دولة "قعدة العرب"؟
كتبت-رنا الجميعي:
من الطبيعي بأي دولة أن يكون لها حظًا من المشاكل والأزمات التي تقع بها، والتي يقوم على حلها مسئوليها المتخصصين، غير أن بمصر حينما تتأزم الأمور يقوم أعلى منصبين بالدولة بالاتصال بالأطراف المعنية، والقيام بحل الأزمة مباشرة، فيما يُسمي ذلك الأعراف بـ"قعدة العرب".
آخر تلك الأزمات كانت القضية التي وقع بها لاعب نادي المقاصة "أحمد الشيخ" بالتوقيع لناديين هما؛ الأهلي والزمالك، واللغط الحاصل حول اتصال رئيس الوزراء بوزير الرياضة لإنهاء المشكلة، حيث نفى مجلس الوزراء بعدها ذلك، غير أن المشترك في تلك الأزمة وغيرها، غلبة مُطالبة مواطنين أو مسئولين من الرئيس ورئيس الوزراء التدخل المُباشر، حيث أشار "سمير زاهر"، رئيس اتحاد الكرة السابق، في مداخلة تليفونية، أن الأزمة لن تحل سوى بتدخل رئيس الوزراء.
ظهور الرئيس ورئيس الوزراء حدث أكثر من مرة، كذلك كثرت المصادر التي تتحدث عند تدخلهما، لذا فبعض الأخبار أحيانًا مشكوك بصحة حدوثها، لكن من المؤكد أن الرئيس "عبدالفتاح السيسي" قد تدخل بشكل مباشر لحل أزمة حزب الوفد، في شهر يونيو الماضي، حيث اعترض عدد كبير من أعضائه على بقاء الدكتور "السيد بدوي"، رئيس الحزب، معترضين على سياساته، وأعلن ثمانية من قيادات الحزب وقتها جمع 600 توقيع لسحب الثقة من رئيس الحزب، ومع التقاء الرئيس بأعضاء الوفد أكد على ضرورة المصالحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات.
أبزر القضايا التي تدخل بها "السيسي" بنفسه كانت بعد تأجج الازمة بين الداخلية ونقابة المحامين، عقب اعتداء نائب مأمور قسم شرطة "فارسكور" بالضرب بالحذاء على محامي بالنقض، وهو ما نتج عنه إصابة المحامي إصابة بالغة أعلي العين اليسرى، استلزمت إجراء جراحة (8 غرز) لوقف النزيف.
بعدها قام الرئيس بالاعتذار موجهًا إياه لجموع المحامين عن التصرف الفردي لضابط الشرطة، قائلا:"أنا بقول للمحامين كلهم حقكم علي، وأنا أعتذر لكم ، وبقول لكل أجهزة الدولة من فضلكم ، لازم نخلي بالنا من كل حاجة ، رغم الظروف اللي احنا فيها.
يُمكن القول أن تلك كانت أزمات كبيرة، لكن تدخل المسئولين الكبار جاءا أحيانا في مسائل صغيرة، منها استدعاء "محلب" لسائق التاكسي، الذي دمر أثناء أحداث العنف التي شهدتها المطرية في ذكرى ثورة 25 يناير، حيث قابله ووعده بالمساعدة وتسليمه تاكسي بديل، كذلك زار "السيسي" ضحية التحرش بالتحرير، التي وقع أثناء الاحتفال بنتيجة الانتخابات الرئاسية بيونيو العام الماضي، حيث اطمئن على صحتها وودعها بمحاسبة مرتكبي الحادث.
يؤكد دكتور "عمار علي حسن"، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن التدخل المباشر هو دليل شلل بالأجهزة الإدارية للدولة، مضيفًا أن كثير من الشكاوى التي تتوجه للرئيس ورئيس الوزراء يُمكن لموظف صغير أو عضو بمجلس المحلي حلها، قاصدًا المشاكل الصغيرة التي يتدخلون بها، فوقتهم أثمن، ومهمتهم الأساسية تكمن في الإشراف على السياسات العليا والتدخل بالأزمات الكبرى.
يحلل دكتور "حسن" أن الظروف التي تقع تحتها تلك المشاكل مُختلفة، بعضها يلح الناس بتدخلهما فيها، وأحيانًا "الرئيس بيتدخل لما لأنه لا يجد أن المشكلة ممكن تحل من دونه"، وفي بعض الأحيان يرى الرئيس أو رئيس الوزراء، في رأي "حسن"، أن وجودهما بالمسائل الصغيرة هو دلالة على انشغالهما بالتفاصيل ومتابعة أدق الأمور.
ترى دكتور "سامية الساعاتي"، أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، أن الثقافة العامة والعُرف بمصر، يقتضى بالأفكار النابعة من البحث الدائم عن "الكبير"؛ سواء كان كبير "العيلة" أو كبير المؤسسة، على حد قولها، كما أن تأثير التدخل بشكل عام أحيانًا يكون سلبي " الناس هيحسوا إنه فيه قصور من الهيئات أو المؤسسات".
نهاية تدخل المناصب الكبرى، في رأي "حسن"، لن يكون سوى بإصلاح الجهاز الإداري للدولة، كذلك اجراء انتخابات محلية يتم من خلالها الإطاحة بكل الفاسدين، حسبما قال، "اللي استغلوا الجهاز المحلي في السيطرة على الدولة والتربح منها"، ورفع كفاءة جهازين القضاء والشرطة.
فيديو قد يعجبك: