سكان المريوطية: "بنتشقلب" بسبب انقطاع المياه
كتبت – يسرا سلامة:
في مطبخ صغير بشقة تحملها وصديقتها، تتكوم أطباق متسخة بداخل الحوض الخاص بـ"نورا مرتجي"، أكوام من الغسيل المتسخ كذلك لدى الجار "محمود عبد السلام"، بينما تتسخ بعض أدوات الأثاث لدى "هالة" الساكنة أيضا بذات العقار، في حين يقبع بلال العامل بأحد محطات الكهرباء أسفل العمارة دون كوب ماء، يتسامر مع "محمد" حارس العقار عن أزمة اشتدت في المنطقة ولم تبد لها أية حلول.
هؤلاء تجمعهم الجيرة في عقار، وكذلك تشتد عليهم أزمة انقطاع المياه منذ ثلاثة أشهر، توصلهم بقرابة من 45 إلى 50 عمارة متجاورة في طريق سقارة في منطقة المريوطية، هنا لا يحلمون بأكثر من كوب ماء نظيف، يعشون في منطقة عرفت بأنها سياحية، تجمع فنادق وعمارات فخمة، لكن هذا لم يشفع لهم في تقديم خدمة كوب ماء لهم جميعا.
"نورا" و"فايزة".. النظافة في مكان العمل
انقطاع منذ شهر رمضان، تأتي المياه ساعة واحدة وإن تحسنت الأحوال تصبح ساعة ونصف، من الخامسة فجرا إلى السادسة ونصف صباحا، تقول "نورا" وتعمل في أحد المبادرات لتنمية الحياة البدوية إن الحياة استحالت في المنزل دون ماء، النظافة الشخصية أصبحت حلم، والاستحمام أصبح له طرق ملتوية مثل الاستحمام في العمل، وغسيل الملابس أمرا شاقا على الفتاة، تقول "الميه حاجة أساسية للحياة، هنشرب ازاي ونضف نفسنا ونصلي إزاي؟ مش فاهمة بيعملوا فينا كدة ليه؟".
سرسوب بسيط من الماء يتقطع ليلا، تضطر معه الفتاة "فايزة أحمد" –التي تملك شركة انتاج فني- الاستيقاظ له خصيصا، "حياتنا بتتشقلب بسبب الميه، مش عارفة اغسل الهدوم ولا اسناني ولا القطط اللي دايما بتحتاج ميه"، تلجأ الفتاة لملء الزجاجات في تلك الساعة المبكرة، لا تصلح كما تقول تلك المياه للشرب، فقط لقضاء عدد محدود من الاحتياجات، طوال فترة الانقطاع لأكثر من ثلاثة أشهر لم يتكرر من قبل "الصيف اللي فات كانت بتقطع لكن مش بالشكل ده، وفيه ناس هنا مواتيرها باظت بسبب الأزمة".
تضطر الفتاتان إلى الذهاب إلى العمل للاستحمام، وغسيل الملابس لدى الأصدقاء، خزان جديد لم يعد حلا ممكنا، تقول "نورا" "لو عندنا أطفال أو أسرة هنعمل إيه؟ مش عارفين ناكل أو نشرب وكل أكلنا دليفري بسبب الميه المقطوعة"، يبدو للفتاة العشرينية أن المريوطية في منطقة الهرم "حتة ونسيوها المسؤولين"، على الرغم إنها ليست منطقة عشوائية بسبب قلة الخدمة المقدمة لهم، تذكر أن أزمة مماثلة حدثت في منطقة التجمع الخامس وتم حلها وتصعيدها في الإعلام سريعا.
"محمود".. الصحراء أفضل من المنزل
الأزمات ذاتها نتيجة انقطاع المياه كانت معاناة الشاب "محمود عبد السلام"، لم يعرف مهندس البترول أيضا تلك الأزمة من قبل طوال اقامته لبضع سنوات مع أسرته في هذا المنزل، ستة أفراد من الأسرة تعاني من الانقطاع، يقول ساخرا إن البقاء في بريمة البترول في الصحراء أفضل من البقاء في المنزل، كان لدى الأسرة كلبا اعارته مؤقتا لصديق لحين عودة المياه، الاموال الآن تذهب كأولوية إلى زجاجات المياه.
يحكي "محمد عبد السلام" شقيق محمود عن حل المنزل لتفادي تلك الأزمة، شقيقة صغيرة تستيقظ كل يوم في موعد عودة المياه، لملء ما استطاعت قدرتها وسرعة المياه، لا تكفي كذلك للأسرة الكبيرة، أكوام من الغسيل تتجمع لدى غرفة "محمد"، سؤال واحد يطرحه في وجه أي مسؤل "إحنا عايزين نعرف إيه السبب، الميه كمان بتيجي مش نضيفة، وكنا راضين، لكن دلوقتي مش يتجي خالص".
شكوى بالأيميل لـ"مجدي"
منذ منتصف الثمانينات، ويسكن مجدي شرف الدين بذات المنزل، يتذكر الطبيب المنطقة بسقارة وهى خالية من الخدمات وهى غير معمرة، تحمل الحياة حتى دبت الروح فيها، يقول إن أزمة مثل تلك التي لم تر فيها الأسرة المياه لمدة ثلاثة أشهر أو يزيد لم تتكرر، حدث أن انقطعت المياه لمدة شهر في الصيف الماضي، ذهب على إثرها لشركة المياه، ويأتي أحد الموظفين وحفر بالأرض قائلا له "الميه في المواسير ادامي"، لم يحمل الرجل أي تفسير وكذلك أي حل للساكن الباحث عن المياه.
شكوى عن طريق الإيميل بعثها أيضا الرجل الخمسيني إلى محافظ الجيزة زكريا العادلي، لك لا حياة لمن تأذوا من انقطاع المياه، قدوم المياه ساعة في الفجر لا يحمل إلا الاستغراب للرجل وزوجته الطبيبة هالة زكريا، يفسران إن هذا يعني أن شخصا يقطع المياه "حسب المزاج"، لماذا لا نحصل على حقنا الطبيعي؟.
خدمة منقطعة لكن فاتورة مياه لا تزال تأتي للمنزل، سخرية ممزوجة بالغضب "شركة (بجحة) تقطع الميه ولازم ندفع الفلوس"، ما يقارب من120 جنيها لشهري يوليو وأغسطس هى قيمة آخر فاتورة حصل عليها الساكن، الحياة الصعبة تذكر تفاصيلها أكثر الزوجة، التي تذهب إلى عملها في القصر العيني بعدد من الجراكن الفارغة، تلجأ الأسرة المكونة من الزوجين وأحد الأبناء إلى النادي للاستحمام، تراود الطبيب دموعا تأثرا على الحال بعد كبر سنهما وعد استطاعتهما حمل تلك المشقة.
يعرف السكان بالعمارة أن أزمة المياه متعددة في مصر، لكن في أماكن بها كامل خدمات الصرف يتعجبون من انقطاعها، وكذلك من تحديد ساعة محددة تصل إليها المياه، يقول مجدي "ده معناه إن الناس بتتحكم في الميه وقطعها، عايزين نعرف ليه؟ وليه سمعنا تصريحات من رئيس الشركة القابضة للمياه أن المشكلة هتتحل أول أغسسطس وما اتحلتش إلا الآن؟".
آثار نفسية سيئة تتعرض لها الأسرة الصغيرة، وكذلك تلف في عدد من الأجهزة، السخان لدى أسرة "مجدي"، الاستحمام بماء بارد كل صباح أمرا شاقا كما يقول الطبيب، يتابع "الشارع المجاور لينا وهو شارع اللبيني مفهوش أزمة، الأزمة عندنا إحنا بس، هل لازم نعمل وقفات ونقطع الطرق عشان الحكومة تسمعنا وترجع لنا الميه؟!"، تستكمل هالة طرف الحوار "فيه حالة تجاهل من المسؤولين لأزمة انقطاع المياه في منطقة سقارة بالهرم، ولا بيحصل أي تنبيه في الراديو أو التلفزيون زي ما بيحصل في مناطق تانية".
مياه مقطوعة وقلة أمن
الأزمة في المنزل كانت لها وجها آخر لدى "بلال عوض"، العامل في أحد محطات الكهرباء في المنطقة، يقضي ما يفوق الثماني ساعات، يحمل فيهم زجاجة مياه من المنزل لا تكفيه، يقول إن الازمة تطال المنازل ولكن عمله متأثرا بعدم وجود مياه، شكاوى لم تصل إلى مرادها من العامل لحل الازمة، صنبور وحوض تغطيه الاتربة، يتابع أن أزمات أكبر مرت على المنطقة مثل أوقات اشتباكات الثورة، وهجوم على الفندق المجاور "سياج" في وقت الخلل الأمني، لم تنقطع المياه أبدا في تلك الفترة، صعوبة في النظافة والوضوء تواجه الرجل الأربعيني.
يكاد حارس العقار محمد عبد العظيم أن ينام بجانب ماتور المياه، لم تعد مهمته تقتصر على حراسة العقار فحسب، ولكن في فترة مناوبته من السادسة مساءا إلى السادسة صباحا تأتي ساعة "الخير"، التي تهب فيها المياه في المواسير، يقول على إثرها بعمل الماتور العمومي، الذي يتم وقفه لعدم تلفه في فترة انقطاع المياه، وقتها يتنوع دوره بين تنبيه السكان إن أمكن، أو ملء مياه له ولزميله يحيى الحارس الآخر.
يهزأ الرجل من حالة أن المنطقة تبدو "منحوسة"؛ لان شوارع مجاورة تصل بها المياه لكن العمارات على ترعة سقارة من 6 أ غلى ما يقارب من 50 عمارة لم تدب فيهم المياه، تصعب مع حارس العقار أيضا ترك العمارة والذهاب لملء مياه له أو لأحد الساكنين، يقول إن المنطقة غير آمنة ولا يجب أن يترك العمارة وحدها "حوادث السرقة هنا بتحصل كل يوم، ومينفعش أسيب مكاني في حراسة البيت، حتى لو بسبب الميه".
رئيس القابضة للمياه: الحل خلال أسبوعين
من جهته، يقول المهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي إن الشركة تعمل على حل الازمة وعودة المياه للسكان في خلال أسبوعين، مضيفا أن الأزمة أخذت وقتا بسبب تحميل المنطقة على شبكة مياه جديدة في منطقة زايد بأكتوبر، وأن العمل التجريبي للمحطة يبدأ بعد أسبوعين، وعمل المحطة يبدأ في منصف الشهر القادم.
وتابع رسلان، في تصريحه لـ"مصراوي"، أن أزمة المياه بالمنطقة أيضا تابعة للجهاز التنفيذي التابع لوزارة الإسكان، والتي تعمل أيضا على حل الأزمة، مشير الى أن الشركة القابضة تعمل على أقصى جهد للتغلب على مشكلة انقطاع المياه، مشيرا إلى ان المياه تصل لتلك المنازل بنظام المناوبة قائلا إن حصة المياه لا تكفي الجميع، فيتم قطعها على بعض المنازل وإيصالها للبعض الآخر بالمناوبة لتكفي حاجة الجميع، بحسب قوله.
وكان رسلان صرح في يوليه الماضي أن الأزمة ستحل خلال أيام، مضيفا أن مشكلة تكرار انقطاع المياه في بعض مناطق محافظة الجيزة نتيجة ضعف كمية المياه المنتجة بالمحافظة، وأن المياه أقل من احتياجاتها نتيجة توقف أو تباطؤ تنفيذ بعض مشروعات محطات المياه، وأيضا بسبب حملة البناء العشوائي التي انتشرت بالمحافظة خلال السنوات الماضية.
إقرأ أيضا:
محافظ الجيزة : وضع حلول عاجلة لمشكلة انقطاع المياه في الصيف
فيديو قد يعجبك: