إعلان

حكاية "منة" بنت مطروح.. "كواليس المدينة وسنينها"

03:42 م الثلاثاء 22 سبتمبر 2015

جامعة القاهرة

كتبت-رنا الجميعي:

خمسة أعوام عاشتها "منة محسن" بالمدينة، ذاقت منها ويلاتها، كما أحست بحلوها المر، تعرف جيدًا كيف أن تلك السنون ستظل عالقة بذاكرتها، تسردها في جلسة فضفضة، أو تمر بذهنها غالبًا بأيام الاكتئاب، فتعلق بها مُسّربة إحساس بحزن بعدها عن الأهل، ثم إيمانها أن "كله مقدّر عند الله".
 
تسرد "منة" كيف أنها حصلت على المجموع الذي مكنّها من دخول إحدى كليات القمة بجامعة القاهرة،
 ثمان ساعات تستغرقها "منة" للوصول لبيتها بإحدى المدن التابعة لمحافظة "مرسى مطروح"، لذا كان من الأفضل لها السكن بالمدينة الجامعية، لكن التنسيق العالي –الخاص بالمدينة- أعاقها، فحتّم على الفتاة، التي تطرق أبواب القاهرة للمرة الأولى، العيش أولى أيامها بسكن طالبات ببولاق الدكرور، خاصة أنه قد ضاع عليها الأسبوع الدراسي الأول.

"أوضة وصالة"
 ولأن كل منطقة يحكمها مستواها الاجتماعي والمعيشي، كان إيجار سكن بولاق قليل، كذلك كانت الشقة بسيطة الإمكانيات، غرفتان وصالة تحوّلت إلى غرفة ثالثة، هي التي سكنت بها المعيدة "حاطين سرير في الصالة، والدولاب عاملينه بكرتونة وستارة"، ما إن شاهد والدها الحجرة المتواضعة حتى رغب في إعادتها معه، كذلك هي "أنا اتخضيت لما شفت المنظر"، لكنها قبلت به "كنت ضيعت أسبوعين من الدراسة بسبب الالتماسات، كان لازم أقبل بأي حل".

 أسبوعان عاشتهما "منة" بذلك السكن، رغم الخوف والهيبة التي أحسّت بهما الشابة تلك الأيام، غير أنه شجعها على العيش هو الفتاة الجامعية التي تسكن معها "من نفس بلدي وأعرفها"، مع انتهاء تلك الفترة كانت المدينة الجامعية قبلتها بسبب الالتماسات.

 المدة التي قضتها "منة" بالسكن جعلاها تختبر ما لم تعرفه من قبل، هناك إيجار لابد من دفعه "15 جنيه في الليلة"، لم تمتلك مفتاح للعمارة، لذا كانت هناك مواعيد لابد من القدوم في وقتها، وإن تأخرت الفتاة الجامعية بالخارج "كنت أتصل بصحابي فوق ينادوا على عمو ويحيبوا منه المفتاح"، بإحدى المرات وجدت نفسها وحيدة في المنزل "كان فيه فرح صوته كأنه في البيت" ورأت شباب يشربون المخدرات، أخبرت والدها بما شاهدت وكان رد فعله "والله ما هتقعدي في السكن دا"، وذلك ماجعله يذهب مرارًا لإدارة المدينة صارخًا "يعني أيه بنتي تجيب مجموع الكلية ومش عارفة تدخل المدينة"، تقول "منة" إن المدينة التابعة لجامعة القاهرة هي الوحيدة التي تتبع نظام التنسيق الداخلي.

سنة أولى جامعة حلوة
 باليوم الأول التي ذهبت فيه "منة" للمدينة صحبها والدها، أراد رؤية الغرفة التي ستسكن فيها ابنته لأربع أعوام "كان اتعقد من السكن اللي فات"، غير أن مشرفة المدينة منعته قائلة "دا سكن بنات"، الحظ الحسن لمنة جعلاها تُقابل فتاة من مدينتها، وهي التي عرّفتها على أصدقائها من السنة الرابعة، وسرعان ما أصبحن صديقات "سنة أولى كانت حلوة بيهم".
وجدت الشابة الجامعية المدينة جيدة بالنسبة لما سمعت به "كنت سامعة إنها زبالة وأكلها وحش"، لكنها اكتشفت أن الأكل "معقول"، "وكمان بنحلّي" تقولها ضاحكة، غير أن الغرفة كانت "ضيقة وخنقة"، فمساحتها صغيرة، وبها سريرين حديد بنظام الدورين، ومكتبين ودولابين حديد أيضًا، أو يُمكن أن يوجد دولاب خشب وآخر حديد، وهناك بعض الغرف الملحق بها شرفات مساحتها أكبر، لكنها لأربعة أفراد.

 بالنسبة لأي فتاة في السنة الأولى كانت لابد من كثير من الأيام السيئة، في المقابل أعوام تليها أفضل، غير أن حياة "منة" مرّت بالعكس، فالسنة الأولى كانت الأجمل بفضل صديقات السنة الرابعة، من خلالهن تمكنت من معرفة الكلية ونظام الدراسة بها، تقضي معهن أيام الجمعة والسبت، خاصة أن الشابة لم تكن كالبقية التي تسافر كل أسبوع لطيلة المسافة "كنت بسافر كل شهر، وأظبط معاهم عشان أسافر وقت ما يسافروا".
 
 وعانت كثيرًا بعدما تخرجن صديقاتها، تعرفت على القاهرة معهن، كذلك كانت الصحبة والفضفضة لدرجة أن إحداهن أصبحت كـ"ماما" بالنسبة لها "كنت بقولها لماما أوقات بهزار"، حالما تركوا المدينة الجامعية "عيطت عليهم أكتر ما عيطت على أبويا وأمي.
 
عام قضته "منة" ببيتها، ثم أصبحت معيدة بالكلية، قدمت مرة أخرى للقاهرة بعد أربعة أعوام متتالية بها، أصّر والدها أن تسكن بالمدينة الجامعية مطمئنًا عليها، كانت الشابة أمام خيارين للسكن بالمدينة بعد التخرج؛ إمّا أن تدفع 600 جنيه إيجار شهري، أو أن تصبح مشرفة بها ولا تدفع شيئًا.

فقررت أن تدفع الإيجار الشهري، ذهبت بهذا القرار لمديرة المدن الجامعية حينها فاجأتها إحدى الموظفات، أن المدينة هي التي تقرر النظام "احنا بنشوف حسب الاحتياج، واحنا محتاجين مشرفين"، تقول "منة": "بعدها عرفت إنهم أوفرلهم إنهم يقعدوا معيدة وتبقى مشرفة، على إنهم يجيبوا مشرفات من برة".

"تمام المدينة"
 لمدة عام عاشته الشابة القادمة من مطروح بالمدينة كمشرفة، كان عليها أن تقوم بـ"التمام"، وهو نظام يعمل على التأكيد على وجود الفتيات بالمباني من خلال التسجيل بالكشوفات، كان على "منة" أن تقوم بذلك لأربعة أيام، والأمر ليس مقتصرًا على مبنى إعلام فحسب، وإنما مبنى آخر أيضًا، في تلك السنة قامت بعملها كمعيدة بالكلية، بجانب دراستها لتمهيدي الماجستير، هذا بالإضافة إلى الإشراف بالمدينة.

 الضغط التي واجهته "منة" ذلك العام كان كثيرًا، اكتشفت الفتاة خلال العام أن الإشراف لها كمعيدة، في عُرف المدينة، لا يعني "التمام" فحسب، ولكن كان عليها استقبال تصاريح السفر، وحل المشاكل التي تُقابل الفتيات أيًا كانت، رغم أن ذلك، كما تقول، ليس مهمتها هي وإنما مهمة المشرفات الأساسيات بالمدينة. رُغم ذلك تعرضت الفتاة لألسنة المشرفات اللاتي اعتبروها "أكل ومرعى وقلة صنعة"، ففي نظرهن هي لا تدفع مقابل مادي للمدينة.

 فاض بـ"منة"، أخبرت والدها أنه لزامًا عليها الذهاب للمدينة، وهو ما جعله يتراجع عن قراره لسكنها بالمدينة، وسمح لها بالعيش في سكن للطالبات بالعام الذي يلي ذلك، ومع السنة الدراسية الجديدة عاشت بسكن بصحبة أصدقائها، من خريجي الكلية، "وعرفت إن المدينة حولت النظام، يا إما تدفعي 400 جنيه وتتمم، يا تدفع 800 جنيه ومتممش".


"بنت المدينة"
في عُرف المجتمع فإن "منة" فتاة مغتربة، والاغتراب هُنا داخلي، تحكي الفتاة عما تعرفه عن نظر المجتمع كمغتربة، مضافًا إليها لقب "بنت مدينة" "كنت بسمع من البنات إن سمعة بنات المدينة مش حلوة، وإن الراجل ميرتبطش ببنت مغتربة"، وأن هناك أمثلة تطلق على فتاة المدينة منها "اتجوز غازية ولا تتجوز بنت من المدينة الجامعية" تقولها متهكمة، لكنها بالمرات التي تقدم فيها أحدهم لخطبتها لم تزعجه مسألة الاغتراب.
 
هناك أيام تقضيها الشابة العشرينية تشعر فيه بالبعد عن أهلها فـ"أعيط كتير"، كذلك أيام أخرى بمدينتها تبكي فيها، حالما تطول بها الفترة التي تقضيها هناك "لا مرتاحة في القاهرة ولا في البلد".

 مع سكنها الحالي بعمارة خاصة للطالبات بفيصل، تقول "منة" إن من مميزات سكن الطالبات أنه لا يوجد مواعيد محددة للعودة ولا قيد، يُمكنها الرجوع بأي وقت، تتذكر نظرة "الأمن" لها وهي عائدة بميعاد متأخر نوعًا ما، قبل منتصف الليل، "نظرة الأمن مش حلوة، مكنش فيه ميعاد محدد للمعيدات ترجع فيه زي ما كنا طلبة".

 رغم كل المصاعب التي واجهت "منة" بالمدينة الجامعية، غير أنها استطاعت أن تصنع أوقاتًا مرحة، كوّنت صداقات مع فتيات السنة الأولى، وخلقت أجواء مشتركة بينهن "كنت بروح أنام عندهم، ووقت المذاكرة أعمل كاكاو وسحلب ويذاكروا وأنا أعمل أبحاثي".

 ذلك العام بالمدينة أكسبها خبرة كبيرة بالحياة، مكنتها من التعامل بجرأة أكبر مع الطلبة، وبسبب اصطحابها للفتيات لمستشفى الطلبة أصبح معها "أرقام الدكاترة عشان البنات، وأرقام الأمن"، ومع مشكلات السرقة التي تحدث أحيانًا بالمدينة "كنت بروح أفتش أوض البنات، وأشيل التهمة من دي، أثبتها على التانية".

"السكن سكن الناس.. لا المكان"

 مع السنة الدراسية المقبلة سيكون العام الثاني لـلمعيدة بسكن الطالبات، وهو سكن معقول مقابل إيجاره البسيط "200 جنيه"، تعيش الشابة مع ثلاث فتيات أخريات بغرفتها، بالإضافة إلى ست أخريات بباقي الشقة، الغرفة التي تسكن بها فيها سريرها ودولابها الخاص، كذلك المكتب، وهو جيد بالنسبة للفتاة العشرينية "أنا ممكن أسكن في أي مكان، المهم يكون معايا ناس أعرفهم".

 بالمدينة الجامعية لم تحمل "منة" همّ الطعام على الأغلب "فيه أكل المدينة، وجبتين العشا والغدا"، لكن بالسكن عليها تولي أكلها الخاص، تعلمت الفتاة الطبخ بالمنزل لكن الموضوع كان مرهق أيضًا "عشان اتعودت إن الأكل جاهز"، تعود من العمل أحيانًا فتصنع الطعام، وأوقات أخرى تطلب "دليفري".

 تؤمن "منة" أنه القدر الذي وضعها لتكون معيدة بإعلام القاهرة، وأنها الحكمة "اللي جابني ربنا عشانها"، بنظر الفتاة العشرينية ليست بحياتها مشاكل سوى بعدها عن أهلها "أنا لسة بزعل، وحاسة إني لما أرتبط مش هبقى زي بقية الناس، ومش من حقي أروح أزور أهلى وأقعد عندهم".

تابع باقي موضوعات الملف:

في دنيا المغتربات.. ''المعافرة صنعة'' (ملف خاص)

undefined

رحلة 3 بنات من الساحل إلى مدينة ''الزومبي''

2015_9_23_17_15_16_752

يارا.. بنت صعيدية مش طالعة من التليفزيون

2015_9_22_14_10_4_844

من الزقازيق للقاهرة.. اغتراب ''ندى'' وأهلها بلا عودة

2015_9_20_19_27_2_622

رنا وإسراء.. بين ''مرمطة'' دار المغتربات و''نار'' السكن المستقل

1

''سارة''.. من دمنهور للقاهرة ''كعب داير'' يوميا

2015_9_22_13_47_41_245

بنات بحري في المنيا.. ايه اللي رماك على المُرّ؟

2015_9_17_16_37_24_342

القاهرة التي تسكنها ''سارة''.. ''مكنتش على البال''

2015_9_18_13_41_2_584

الروح تدب مطرح ما تحب.. حكاية ''مغتربة'' اسمها ''ندى''

2015_9_23_13_35_15_701

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان