إعلان

كيف لمع "نجم" الغيطاني على يد مخرج برنامج "تجليات مصرية" (حوار)

12:48 م الثلاثاء 18 أكتوبر 2016

كيف لمع "نجم" الغيطاني على يد مخرج برنامج "تجليات

حوار-رنا الجميعي:

بموسيقى تركية عذبة تبدأ مُقدمة البرنامج التسجيلي "تجليات مصرية"، ثُم يفتتح الحلقات صوت رخيم، للكاتب جمال الغيطاني، وسط أصوات السيارات العابرة، وضجيج شوارع القاهرة، تحديدًا مصر القديمة، يحكي صاحب الزيني بركات عن تاريخ المعمار، متجولًا وسائحًا في أرض الله، يمزج التاريخ بالتراث الشعبي المتناقل على ألسنة الناس، في جزئين هما "قصائد الحجر"، و"قاهرة نجيب محفوظ" تحوّل الغيطاني من كاتب يعرفه محبوه عبر قلمه البديع، إلى وجه معروف يُشاور له المارة، يعرفوا هذا الحكّاء الذي يروي لهم تاريخ مصر.

 تمكُن الغيطاني من تلك النجومية كان بفضل المُخرج "على شوقي"، وفي حوار له مع مصراوي في ذكرى وفاة الغيطاني، يحكي عن تلك العلاقة، حيث بنيت بينهما علاقة متبادلة، فالغيطاني هو مُقدم البرنامج وصاحب الرؤية، أما دور شوقي فكان السيناريو والإخراج، ليتبادل بينهما لقب "أستاذ"، "لما يكتب هو الأستاذ جمال، ولما أخرج أكون أنا أستاذ علي". التقى شوقي بالغيطاني عام 2003، مع أول برنامج تسجيلي يُخرجه، تلك السيرة التي بدأت بتغيير مجال شوقي، من الجراحة إلى دراسة السينما.

1
اتبع شوقي "نداهة" السينما، منذ 1996 وإلى الآن، صار تلميذًا بمعهد السينما لأربعة أعوام، ألحقها بالدراسات العُليا عام 2003، ولم يلتفت بعدها لمجال جراحة الوجه، تخصصه الأساسي، حتى أنه أغلق عيادته الخاصة ليتفرغ للإخراج، ليبدأ ميلاد جديد مع الغيطاني، بـ"تجليات مصرية".

مع ترك شوقي لمجال الطب، واتجاهه الكلي للسينما، تحديدًا مجال الدراما، وإخراج الأفلام الروائية، حيث كانت أولى أعماله فيلم "الكرمة"، الذي عرض عام 2001، ثم فيلم "يوم راحة"، وعرض على هامش مهرجان "برلين تالنت كامبنس" في 2002، ووسط بداية مسيرته مع الأفلام الروائية، جاءه أول عرض عمل، لم يكن بالبهاء الذي تخيله، حيث طُلب منه تقديم برنامج تسجيلي على حلقات، "أنا متذكر إنها كانت مأساة اللي هو بعد كل دا، أعمل الحاجات المملة اللي بتيجي في التليفزيون؟".

2

غير أن شوقي تمكّن من إخراج أول برنامج تسجيلي له، ليُصبح علامة في طريقه، وهو "تجليات مصرية"، الذي قدّمه الغيطاني، يتذكر شوقي جيدًا ما قاله صاحب الزيني بركات ذات مرة "أنا قعدت ستين سنة أكتب، ومحدش كان يعرفني، انت طلعتني في التليفزيون مرتين ورا بعض، بقيت نجم".  اختلف برنامج "تجليات مصرية" عن سائر الأفلام التسجيلية التقليدية، حيث عكف شوقي على كسر القالب الممل له.


 
في "تجليات مصرية- قصائد الحجر" سار الغيطاني في شوارع مصر التي أحبها، وتربى فيها، يقص الحكايات التاريخية، والتراث الشعبي على ألسنة الناس، عدم الافتعال والواقعية هو أهم ما تميّز به البرنامج، فيسمع المشاهد "اتفضل" على لسان أحد العابرين للغيطاني، وآخر يُسلم عليه يدًا بيد، وثالث يجلس معه على القهوة يدردشون فيها حول تاريخ المنطقة، وبعفوية تامة حينما أصابه الجوع، أكل "لحمة راس" على إحدى العربات، أثناء سير البرنامج.

أُنتج برنامج "قصائد الحجر" لقناة دريم، وظهر على شاشتها عام 2003، لكن قبل الحلقات التي أخرجها شوقي، قُدمت سبع حلقات مع مُخرج آخر، وأكمل شوقي بقية الثلاثين حلقة، حيث رغب الغيطاني في العمل معه "عجبته الطريقة اللي بشتغل بيها"، لم يتم تصوير صاحب وقائع حارة الزعفراني داخل استوديو، كان يسيح في الشوارع والحارات متجولًا، مشيرًا إلى السبل والمساجد والحمامات الشعبية، في مناطق القلعة والدرب الأحمر وعند مسجد السلطان حسن.

3

لم يجئ إعداد الحلقات مفتعلًا، بل تم التجهيز له بهدوء، قابل شوقي الغيطاني لأول مرة في مارس 2003، واتفق معه على معرفة المنطقة جيدًا أولًا ليتمكن من إخراجها، فترددا عليها سويًا "وابتدى يبقى عندي إحساس إنه بيفكرني بجدي في الحواديت والمشي والشرح المبسط"، وفي خلال ثلاثة أشهر تعرّف شوقي على شوارع مصر القديمة، لتظهر بعدها حكايات الغيطاني عن سيرة أم السلطان شعبان بين التاريخ الرسمي والحكايات الشعبية، ومنطقة سوق السلاح ومن عاش فيها، ومسجد أبو حربية والناصر بن قلاوون، وغير ذلك مما يصفه الغيطاني في رحلته من معرفة تفاصيل المعمار التي يمر بها.

العلاقة التي جمعت بين شوقي والغيطاني لم تنته بالبرنامج، حيث تطورت الصداقة بينهما، درجة إمداده بموسيقى من مكتبته الخاصة، للموسيقى التصويرية وتتر البرنامج، "موسيقى البداية والنهاية لتاتيوس أفندي، وموسيقى الحلقة مختارات من الموسيقى الأندلسية"، اجتمع الاثنان حول مشروع جديد، هو "قاهرة نجيب محفوظ"، وكانت فكرة الغيطاني أيضًا، تناول البرنامج ثلاثة محاور هي؛ الأماكن التي ذكرها نجيب في أدبه وتحولاتها في الواقع، بالإضافة إلى الأماكن التي تردد عليها الأديب، ومنشأه، فبدأ صاحب التجليات أولى حلقات البرنامج الجديد، عام 2006، بمسجد الحسين الذي خرج منه جثمان محفوظ.

سار الغيطاني بين المناطق التي ذكرها صاحب بين القصرين في رواياته، يشير إلى تحولاتها، فعطارة السيد أحمد عبد الجواد بالفعل كانت موجودة، غير أنها اختفت الآن، كما مشى الغيطاني بين الأماكن التي تربى فيها محفوظ كحارة الطبلاوي، وبعض الحلقات ذكرت معالم لا يُمكن التنكر لها كبيت السحيمي ووكالة بازرعة التي تقع بمنطقة الجمالية.

4

تحوّل الفيلم التسجيلي بالنسبة لشوقي إلى مشروع عريض ومتنوع، أخرج ثلاثة أفلام عن السنغال عام 2004، والصوفية في السودان عام 2007، أما العام الذي يليه فكانت خطوته التسجيلية من نصيب رفيقا الأعمال الدرامية، المخرج اسماعيل عبد الحافظ، والمؤلف أسامة أنور عكاشة، كذلك كانت المغرب والقدس من البلاد التي تناولها في أفلامه، وفي 2011 أخرج أربعة أفلام عن جنوب السودان، وفي السنة التي تلتها ناقش الانتخابات في مصر بفيلمه "لم أكن أنتوي"، وفي 2013 تحدث عن المرأة في "صوت المرأة ثورة"، وعن تاريخ المسيحية ورحلة العائلة المقدسة في فيلم "من مصر دعوت ابني"، وذلك عام 2014، وفي السنة الماضية أخرج فيلم عن يخت المحروسة بعنوان "المحروسة عبر الزمن"، أما أبرز برامجه التسجيلية بعد تجليات مصرية كان حواديت أبو النجوم، عن سيرة الشاعر أحمد فؤاد نجم.


 

لا يُنظر إلى مجال الأفلام التسجيلية إلى الآن بنظرة جادة، سواء من الدولة أو المنتجين، حيث ينفر غالبية المنتجين المصريين من الأفلام التسجيلية، ولا يُعطونها النظرة التي تليق، خبرة مارسها شوقي سنين طويلة، حيث حاول في أحد المرات، برفقة الغيطاني، البدء بمشروع سُمي "مصر أم الدنيا": كانت فكرته 10 حلقات عن التاريخ القبطي، وعشرة عن التاريخ الإسلامي وزيهم عن الفرعوني، وكنا هنلف الجمهورية من أول سيوة، غير أن الفكرة قوبلت برفض تام من القنوات "مكنش جذاب ليهم، ومفيهوش جو رمضان المعتاد، كمان الناس مكنتش مقدرة لسة جمال الغيطاني"، ويُذكر أن غالبية الأفلام الوثائقية التي أخرجها شوقي من إنتاج الجزيرة الوثائقية. ورغم انصراف المنتجين المصريين والدولة من مجال التسجيلي، وأحد الدعاوي التي يبرروها هو ذوق الجمهور المُشاهد، لكن شوقي يرفض هذا السبب "قناة دريم بقالها 13 سنة لغاية النهاردة برنامج الغيطاني جوة خريطة المشاهدة، الجزء الأول وهو قصائد الحجر استمر عرضه متواصل لمدة 9 سنين".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان