لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- البهجة على صفحات الحرب.. حكاية 100 "بيجامة" وصواريخ في "قفة"

03:58 م الخميس 06 أكتوبر 2016

ذكرى انتصارات اكتوبر

كتب- دعاء الفولي ومحمد زكريا:

هُنا القاهرة.. السائحة الفرنسية جان دومينيك تتجه من مطار القاهرة إلى جمعية الهلال الأحمر  لتساعد في مداواة جرحى الحرب بعدما توقفت خطوط الطيران، رجل يتبرع بثمن تذكرة "العُمرة" قبل أيام من السفر. هُنا المنصورة.. الفلاحون يُهللون إذ تتساقط طائرات العدو محترقة، متيقظين لهبوط أي طيّار إسرائيلي كي يأسروه. هُنا الشرقية.. "أم صابر" تجد صاروخا أمريكيا فتحمله في "قفة" لتُسلمه لخبراء المفرقعات. هُنا أسوان.. التنظيم النسائي يُرسل 500 كيلو بلح، 200 بطانية وبيجامة لأجل المقاتلين القابعين في أسرّة العلاج. هُنا مصر وذاك شهر أكتوبر من عام 1973.. الجنود يفتدون الوطن بأجسادهم، والمواطنون يسيرون على نفس الدرب لكن بطرق أخرى. هُنا السودان والصومال ونيجريا وفلسطين.. الجميع يقف بجانب مصر وإن كانوا أصعب ظروفا منها. هُنا تفاصيل تحمل البهجة وسط الحطام، لم تغب خلال رد الاعتبار والنصر، وهُنا روايات ملأت صفحات الجرائد والمجلات بتلك الفترة، لا موضع بينها لهزيمة. تجول مصراوي بينها ليُنقب عن نوادر قام بها المواطنون لمساعدة الوطن المُنتصر لتوّه.

"اللي عند الستات مبيضعش"
بمنطقة الدفرسوار التي تمكنت الدبابات الإسرائيلية من التسلل عبرها، حيث أرادت أن تصل إلى قرية "أبو عطوة"، كي تضرب مدينة الإسماعيلية من فوق تل القرية المرتفع، وقبل أن تتمكن القوات المصرية من صد الهجوم، كانت سيدة عجوز- تمتد جذورها إلى جنوب الوادي- تفترش أرض القرية، توزع السجائر وتُعد الشاي للجنود، ولا تطلب الثمن، وتقول "اللي عند الرجالة ميضيعش أبدا". وقبل وقف إطلاق النار ظلت مخابرات العدو تبحث عن سيدة أخرى، تختبئ في حدائق البرتقال، وتزرع الألغام.

عالم بأكمله من الحكايات، يُرى فيه الأثر العظيم للنساء في 73. حيث شاركت جمعية الهلال الأحمر بخطة كاملة من أجل تدريب عدد من النساء لمعرفة الإسعافات الأولية لإنقاذ المقاتلين، بينما ضربت عنايات أحمد، مقررة النشاط النسائي بمحافظة قنا، رقما قياسيا في عدد الهدايا التي حصل عليها الجنود عقب الفوز، فوصلتهم سيارة لوري تحمل 60 كارتونة محملة بهدايا للجنود.

وفي "ميت غمر" بمحافظة الدقهلية قامت مجموعة من الشابات بتحويل شقة إلى معرض يحكي قصة مصر من أيام الفراعنة حتى حرب 67 والعبور في 73، تنتقل من مرحلة إلى مرحلة، عندما تنتقل من حجرة إلى حجرة، وعلى مدخل المعرض، تحية بالهيروغليفية من أبناء الإسماعيلية للقوات المسلحة. حسبما جاء بمجلة "روزا اليوسف" في عددها الصادر منتصف ديسمبر من عام الحرب.

صورة 1

ولأن الأبطال ليسوا رجالا فقط، فقد كانت "أم صابر-إحدى نساء قرية نشوة بالمنوفية- شجاعة بدرجة كافية كي تحمل صاروخا لم ينفجر بعدما وجدته على الأرض، ووضعته في "قفة"، عائدة به فوق رأسها كي تُسلمه لخبراء المفرقعات، حسبما كتبت مجلة صباح الخير في أحد أعداد شهر أكتوبر.. لم تعبأ السيدة بما قد يحدث، فقط أرادت نصيبا من بهجة الحرب التي ما انفكت تنهال منذ دق النصر على الأبواب.

الطلاب: "الشارع لنا"
بين طلقات الحرب، كان ثمة خلية نحل داخل العالم الجامعي، فأبرزت صحافة تلك الأيام مبادرات من الطلاب إلى المقاتلين فرحا بالنصر، فقد تطوع 800 طالب طب من قصر العيني لعلاج الجرحى، وخرجت من نفس الكلية مجموعة إعلامية لتسجيل قصص البطولة التي حققها مقاتلونا، فيما اتفقت مجموعة من الفتيات بمعهد الاقتصاد المنزلي لإعداد وجبات جافة لتصل لعدد من المقاتلين، وبادر طلاب من كليتي الهندسة والطب بحلوان لشراء مئات الأمتار من ملايات الأسرّة وإرسال مبالغ نقدية فورية للمقاتلين المتواجدين في مستشفى ناصر بحلوان.

وفي سن أصغر، بادر عدد من الطلاب الأربعة في المرحلة الثانوية بالقيام بحصالة كُتب عليها "أدفع قرشا تساهم في تحقيق النصر"، يطوفون فيها شوارع القاهرة لجمع تبرعات المجهود الحربي، كما تطوع عدد من طلاب مدرسة ليسيه الحرية باب اللوق بالاتصال بالمدارس والهيئات والطلاب في عدد من الدول، مثل فرنسا وأمريكا وهولندا وبلجيكا وكندا وألمانيا؛ من أجل اطلاع الطلاب مثلهم على حقائق حرب أكتوبر، ضد الدعاية الكاذبة التي كانت تنشرها إسرائيل.

ولم يقتصر التبرع للمجهود الحربي من الداخل فقط، فشارك عدد من المصريين المهاجرين بالخارج بإرسال مساعدتهم، كل حسب طاقته، فالدكتور صبري أيوب نصيف مدير شركة سولكو السويسرية للأدوية أرسل طرود بعدد من حقن "السيولكوزيريل"- والتي كانت في وقتها أحدث دواء عالمي لمعالجة الحروق الشديدة والتسمم الناشئ عنها- إلى وزارة الصحة من أجل المشاركة في المجهود الحربي.

الحرب تنتصر للأطفال..
قصة بطلها صغير اسمه كريم، يرويها جمال سليم، الصحفي بمجلة "روزا اليوسف"، إذ يقف الطفل في شرفة منزله الذي يطل على طريق تعبر منه عربات الجيش، مشدوه النظر إلى الجنود، يرمقهم بحماس، يتمنى أن يلتحق بمعركتهم، يُغني الطفل "دفعة يا بطل"، يرددون ورائه مئات الأطفال، صوت الأغنية تعلو وتعلو، يشترك العامة في الغناء، قبل أن تتوقف أحد العربات، ويظهر منها جندي، يُخرج منديلا ملفوفا، يقذفه إلى شرفة "كريم"، تلتقطه الأم وتفتحه في حماس، حتى يتراءى لها "حفنة من رمل سيناء"، تغني الأم بفخر رفقة الصغار، وتستمر السيمفونية حتى منتصف الليل.
 
مجلة "روزاليوسف" حوت وقتها عشرات التفاصيل، فبعد أن امتنع الخبازون بالإسكندرية من تسوية الكعك، كتبوا على مخابزهم "ممكن ناخد الكحك لكن هتستلمه فحم"، "آسفين.. الخبز بعد العيد.. عيد النصر"، بعدها وزع أهالي مصر القديمة كميات كبيرة من الكعك على الجنود في جبهة القتال. وقدم الطفل عزت إبراهيم الهدايا- شبشب، وعلبة سجائر ، وفوطة- للمحاربين، الذي أشتراها من "عيديته" الخاصة، بعده قَبّل الطفل الذي لا يزيد عمره عن العشر سنوات أيدي الجنود المصابين بمستشفى قصر العيني، بينما أحضرت "شقيقة عربية" في الثالثة بطب الأسنان البوتاجاز الخاص بمنزلها إلى المستشفى.
 
الرقص حول "الفانتوم"
أن تكتب عن الجمال شيئا وأن تكتبه شيئا آخر.. ذاك ما فعله الصحفي عبد الله الطوخي بمجلة صباح الخير، إذ ذهب لمدينة المنصورة قبيل نهاية الحرب بأيام، ليعايش مع الأهالي تقهقر طائرات الفانتوم الأمريكية في سماء تلك المنطقة الخضراء أمام الصواريخ المصرية، ورغم ما يبدو عليه الأمر من خطورة إلا أن الطوخي رصد احتفاء المواطنين بسقوطها، واصفا كيف كانت صرخات الانتصار تعقب انفجار الطائرات في الهواء ثم سقوطها متحطمة على الأرض.

2

حينما سرد الطوخي، لم يتحدث كصحفي يروي وقائع فقط، إذ اختلطت حماسته بالآخرين، حتى كادت إحدى الطائرات أن تودي بحياته، ففيما هو بصحبة بعض الفلاحين مرت فانتوم محترقة من فوقهم على بُعد أمتار محدودة "رأينا الموت".. هكذا يقول، لكن إحساس الذعر اختفى بمجرد رؤية جحافل من الفلاحين تأتي من كل مكان بالحقول المحيطة، لتشاهد الطائرة، وتُحاصر الطيار الذي لحق بها في براشوت.. في تلك الأيام كان الفلاحون يخرجون المزارع لاستكمال عملهم، غير عابئين بالخطر، زادهم الشجاعة، ودروعهم انتصارات جنود سيناء.

"مقاتل بطل من حارتنا"

داخل جريدة الأخبار وفي أحد أعمدتها اليومية "من أجل المعركة". احتفت الصحيفة القومية بمساهمات المواطنين المادية والمعنوية في خدمة "المجهود الحربي". إذ قدّم "صبحي حنا" التاجر بالفجالة، لإدارة الشئون العامة للقوات المسلحة 100 بيجامة، و100 طاقم ملابس داخلية، بخلاف عدد ماكينات الحلاقة والروائح لتوزيعها على الجرحى بالمستشفيات. وساهم عدد من المواطنين والمواطنات بدبل الخطوبة وذلك بأن قدموها للبنوك، كما ساهم بعض من المواطنين بالمجوهرات. إلى جانب 2000 كارت معايدة تحمل رسومات من وحي المعركة أرسلتها طالبات المدرسة الثانوية للبنات بسوهاج، حملت كل بطاقة توقيع "أختك في سوهاج". وقدر عدد بطاقات المعايدة التي أرسلها أبناء محافظة الإسكندرية إلى الجنود المحاربين بنصف مليون بطاقة.

في خارج مصر اصطبغت بعض الدول بلون النصر كذلك، فقد أرسلت الصومال لنا حينها عشرات الأطنان من اللحوم تعبيرا عن الود والمساعدة، كما كُتب بجريدة أخبار اليوم، فيما نشرت صحيفة المساء أن الرئيس النيجيري يعقوب جون  أعلن قطع علاقات بلده بإسرائيل حتى وقفها العدوان على سيناء.

صورة 3

أما مجلة صباح الخير فقد نشرت حوارا من نوع آخر، يحكي عن لقاء بهيّة بين صديقين سكنا في نفس الشارع سويا. إذ عاد جورج من الجبهة، بعد أن رفع العلم المصري فوق خط بارليف، ليقابل صديقه الكاتب الصحفي مُفيد فوزي، لذا لم يكن الحوار الذي أجراه الصحفي مع المقاتل في مجلة صباح الخير، سوى سيرة ذاتية تروي ذكرياتهما قبل الحرب.. غير أن أجمل ما في الأمر أن جورج لم يبد حزينا رغم فقدانه لأحد ذراعيه، لم يركزا على الأهوال التي رآها الأخير، بل النتيجة النهائية للمعركة، حتى أن المحارب الجريح قال له بينما يتحدثان: "كان الإنسان قبل 6 أكتوبر يكره نفسه وثيابه وظله على الأرض.. وحين عبرنا تغير الطقس واتجاه الريح"، كان جورج هو من يبث الحماس في نفس فوزي، يروي له كيف تعايش بأريحية مع الموت مقابل النصر فيحكي أن "الحرب حرب لكنك ساعتها تنسى انت مين وابن مين وساكن فين، تفتكر بس انك ابن مصر. متجوز مصر. وعندك 33 مليون ولد. ساكن فيها.. ولما تموت هتسكن تحت تراب مصر".

تابع باقي موضوعات الملف:

من داخل قريته.. مصراوي يستعيد فرحة الشعب بأول شهداء أكتوبر

1

معركة جبل مريم.. مكالمة عائلية على خَط النار ''تُرد الروح''

3

حكاية غنوة رددها المصريون أعلى دبابات إسرائيل.. ''شدي حيلك يا بلد''

6

 

حكايات من الشوارع العربية.. كيف احتفل الأشقاء بانتصار أكتوبر

66

 

''الصورة واللي صورها'' من أقدم استوديو لجنود مصر.. اضحك يا دفعة للنصر

collage

ذكريات البهجة في حياة أطفال أكتوبر: ''لبسوا الكاكي وزغرطوا للشُهدا''

00

بالصور-كيف سخر الكاريكاتير من هزيمة إسرائيل في أكتوبر 73؟

88

 حرب أكتوبر.. شعب ''البهجة'' ينتصر (ملف خاص)

0

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان