لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"أم من مضايا".. رسام في "ديزني" يروي الحصار بقصة مُصورة (حوار)

03:51 م الأحد 06 نوفمبر 2016

قصة مُصورة

حوار- دعاء الفولي:

داخل مكتب صغير في كرواتيا، ينكفئ داليبور تاليج على أوراقه. يرسم شخصيات لم يقابلها قط، يخلق الهلع في رسوماته الإحدى عشر، يجعل المأساة بطلا تعبر عمّا يمر به أهل مضايا السورية، يجمع وقائعهم في قصة نشرها استديو مارفل التابع لشركة ديزني العالمية، يختزل القرية في حكاية أم سورية لها خمسة أبناء تُناضل ليبقوا أحياء بين الحرب والجوع والحصار.

منذ عدة أشهر طرأت الفكرة لريم ممتاز، المحررة بقناة abc الأمريكية، أرادت رصد ما يحدث في قرية مضايا الواقعة داخل ريف دمشق، تواصلت مع والدة هناك، قصّت عليها الأخيرة روايات مُفزعة عما يعايشونه، تشبّعت الصحفية بما سمعته، علمت أن الكتابة لن تكفي، فحاولت الدخول إلى المدينة "ذهب الفريق بالفعل لكن الحصار منعهم من عبور البوابات" حسبما يقول تاليج لمصراوي، في حوار عبر البريد الإلكتروني.

1

"إذا كنا لن نستطيع رصد مأساة الأم بالكاميرا فلنفعل ذلك بالرسم".. هكذا قررت ممتاز وزملائها في القناة، قبل أن يقترحوا التعاون مع أستديو مارفل، ثم عُرضت الفكرة على تاليج، فلم يتردد في القبول، إذ اعتاد العمل في المكان منذ أكثر من عشرين عاما ودائما ما توكل له مُهمات صعبة، كقصة "أم من مضايا".

انضوى التحدي في عمل الرسام الكرواتي على نسج كتاب من الكوميكس، بناء على معلومات شحيحة جدا عن السيدة، حفاظا على أمنها الشخصي "في مارفل يعلمون أنه يمكنني بناء قصة من تفاصيل بسيطة مُستكملا بقيتها من خيالي".

2

عدد الأبناء، الحياة في الحصار، كيف تُدبر الأم نفسها.. وتفاصيل أخرى حصل عليها الرسام، وأجرى بحثا ليفهم أكثر "تتبعت صور الناس في سوريا، ملابسهم، ملامح وجوههم وهكذا". لدى تاليج معرفة سابقة بسوريا، حيث يُطالع أخبار الحرب يوميا عبر الإنترنت "واتعاطف مع المدنيين بشكل كبير، فقد يموتون في شاحنة مزدحمة تحاول الهجرة، أو في قارب مطاطي، لكنهم يُفضلون ذلك على البقاء في سوريا".

في منتصف 2015 حاصرت قوات الرئيس بشار الأسد، وحزب الله، بلدة "مضايا" الواقعة في منطقة الزبداني. منعوا عن السكان دخول المواد الغذائية، ما أدى لوفاة 32 شخصا بين شيخ وطفل عقب 7 أشهر من الحصار، بينما اضطر آخرون لأكل الحشائش والقطط، وأصبح التحدي الرئيس للباقين هو إيجاد أي طعام يكفي ليوم آخر، كما فعلت سيدة مضايا المُحاصرة في البلدة ضمن 40 ألف آخرين.

3

في رسائلها المتبادلة مع ممتاز، قالت الأم: "أشعر باليأس وأن العالم قد هجرنا"، لذلك صوّرها تاليج بالأسود والرمادي وقليل من الأبيض. يرسمها تارة بجانب خزانة خالية للطعام، مرة ثانية تحمل حقيبة فارغة تدور بها في البلدة، تُوزع بضع عناصر من الخُضر على أولادها، أو المشهد الأسوأ، حين يرسمها شاخصة البصر تجاه الباب بانتظار زوجها العائد دون طعام.

احتاج الرسام عدة أشهر كي يُنجز القصة "غيّرت طريقتي في الرسم بالكامل"، فخلال مسيرة عمله بقيت شخصياته ذات أحجام كبيرة، خطوطها واضحة، والأجواء حولها صافية "وهي طريقة هوليودية بحتة في التصوير"، لكن في الحكاية السورية استخدم الألوان القاتمة، بينما الأجواء أصبحت مُحبطة ومروعة. في المقابل استمر التواصل بين الرسام ومحرري القناة الأمريكية، للتأكد من كل التفاصيل، وهو ما جعل القصة تستغرق وقتا أطول لتنتهي.

الأم السورية التي يرسمها تاليج بطلة. اكتشف ذلك مع أول معلومة جاءته عنها "هي تُصر على أن تبقى أم وسط الظروف القاحلة هناك"، يوميا تحاول الوالدة توفير وجبة لأولادها، قلصت طعامها كثيرا مُقابل شبع الأبناء والأب "الأبطال ليسوا أصحاب القوة البدنية، بل القلوب الشُجاعة.. لهذا هي بطلة". تلك المرة ليست الأولى للرسام في صُنع قصة عن الحرب، عايش حربا في كرواتيا حين كان صغيرا، لكنه لم يشعر بقساوتها، عكس ما يحدث لأطفال سوريا الآن.

5

مع كل صورة من الكتاب وضع المحررون تعليقا قالته الأم لممتاز، أخبرتها مثلا أن غسل الملابس مع عدم وجود تدفئة هو بمثابة عقاب شخصي. روت لها عن ابنها الذي أُصيب بالإعياء وفقد الوعي مرارا، حتى ظنت أنه مات. حدّثتها عن والدها وأخيها المقتولين في القرية عام 2012، وكيف صارت الأسرة من بعدهما كأنها لم تكن.

لم يتحدث الرسام إلى السيدة، غير أنه ظل يتخيل شكل الحوار بينهما إذا تقابلا "على الأرجح سأشد على يديها وأنظر إلى الأرض فقط"، علم من مُحررة قناة أن السيدة طالعت الرسومات المنشورة في سبتمبر الماضي، وأبدت إعجابها بها، أما تاليج فقد تلقى ردود أفعال عظيمة كذلك "لكني أقول للناس بأني لست البطل هنا، أنا مجرد ناقل لما يجري".

6

ترتعش يدا تاليج حينما يتذكر أنه رسم قصة عن شيء مازال يحدث إلى الآن وبشكل يومي "خوفي الأكبر أن ينظر لي البعض بأني أستغل حال والدة مضايا أو من مثلها كي أرسم قصة مثيرة، وكان هذا ليكون مهينا لها بشكل كبير".

طوال سنوات عمله في أستديو مارفل، اعتبر تاليج نفسه موظفا يُقدم كُتبا مُصورة بهدف التسلية، اصطدم للمرة الأولى في قصة الوالدة بوقائع الخوف، علم معنى الرسم من أجل قضية، لذا لن يتردد في تكرار الأمر إن تم استدعائه.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان