تضارب في "نهر النيل".. هل تسببت "العكارة" في موت الأسماك؟
كتب وتصوير -إشراق أحمد:
بينما يطل أحمد سليمان على نهر النيل، يوم الثلاثاء المنقضِ، أبصر "عَكارة" تمتد في مياه منطقة "نِكلا" بمنشأة القناطر، وأخبره صيادون أخرون أنها بلغت منطقة الرهاوي وأماكن مجاورة، حينها قرر الصياد ( 58 عاما) أن يمكث في بيته لأن "طول ما المايه عِكرة السمك بيطفش من الشبك" كما قال.. تأثرت أحوال صيادين نهر النيل خلال الأيام السابقة، فيما تضاربت الأسباب حول إن كان للسيول وما أحدثته من تعكير دخل في ذلك أم الملوثات الجاري تسريبها في نهر النيل.
قبل أسبوع غمرت الأمطار محافظة البحر الأحمر وعدد من محافظات الصعيد، وتسبب ذلك في سيول فاضت على نهر النيل، مما أدى إلى تعكر المياه بدءً من سوهاج كما قال إبراهيم نصار مستشار بهيئة الثروة السمكية، مشيرا إلى أن منطقة الجيزة أكثر أماكن الصيد التي استشعرت تأثير تعكر الماء لدخولها في زمام المناطق المتضمنة لأكبر عدد من الصيادين، وتنحصر بين حدود بني سويف وحتى الرهاوي في القناطر حسب قوله.
يعمل "سليمان" في الصيد بمنطقة الجيزة منذ كان بعمر السابعة، عرف بواطن أمور المهنة، فينظر لصغار الصيادين المارين بمراكبهم للصيد خلال تلك الأيام قائلا "بيهدوا حيلهم على الفاضي".
وكان زمام محافظة الجيزة قد شهد نفوق أسماك بعد وصول "العكارة" حسبما أكد عمرو جمال الأمين العام لصيادين الجيزة قائلا "شوفت سمك بيطلع على الشط ميت ده غير اللي بيطلع في الشبك"، نافيا رجوع هذا لمصرف الرهاوي المعروف تأثيره على الأسماك في تلك المنطقة. ولم ينكر مستشار هيئة تنمية الثورة السمكية ذلك وقال "معظم السمك البلطي مات"، مشيرا إلى أن الاسماك الصغيرة الأكثر تضررا "الشبار الصغير اللي بيوزن حوالي 20 سمكة للكيلو العكارة خنقته"، بينما لم تتأثر الأحجام الكبيرة.
لكن "سليمان" يراهن اثبات أحدهم أن "العكارة" تسبب نفوق الأسماك، معتبرا أن السيول مياه تنظف نفسها بجريانها، لكن التحامها مع الملوثات المتواجدة بالماء يزيد الأمور سوءً وهو ما يميت الأسماك، وتذكر حسن هارون أحد صيادين منطقة الرهاوي مشاهدتهم قبل أسابيع لكتلة سمكية نافقة طافية على سطح الماء دون أن يعلموا لهذا سبب.
وفي القاهرة، لم يكن لتعكر الماء تأثير عظيم كما قال رجب عويضة رئيس اتحاد الصيادين، فقط صارت المياه ثقيلة إلى جانب تغير لونها إلى الأصفرار، لكنها أصبحت أفضل في اليوم الثاني من ظهور التعكر حسب قوله.
وأضاف "عويضة" الذي يعمل بالصيد منذ 37 عاما أن بعض الصيادين شعروا بالخوف لاعتقادهم بتأثير تغير لون المياه على الأسماك، ويُرجع ذلك لعدم رؤية أغلب العاملين بالصيد "للعكارة" من قبل.
وكان وليد حقيقي المتحدث الرسمي باسم وزارة الري قال في تصريح سابق لمصراوي نُشر يوم الاثنين الماضي إنه ليس هناك "ضرر" من مياه السيول المُحمَلة بالأتربة والطمي والتي سببت تغير لون النيل، فيما أكد مستشار هيئة الثورة السمكية أن رئيس الهيئات ومدير مكتب وزير الزراعة اجتمع برئيس الهيئة فور ظهور "العكارة"، وتم الاتفاق على توفير ما بين 30-40 مليون سمك "زريعة" بعد 72 ساعة أي أمس الأحد لتعويض الفقد من الأسماك وحتى لا يتوقف حال الصيادين.
نحو 1300 صياد يعملون في زمام مياه نهر النيل بالقاهرة الكبرى حسب قول رئيس اتحاد الصيادين، جميعهم ورث المهنة عن الآباء، ولا يعرفون عمل آخر غير الصيد.
وفي الوقت الذي يرى نقيب صيادين الجيزة أن تعكر النيل سيؤثر على الثروة السمكية قائلا "النهاردة الصياد لاقي سمك كمان يومين هيخلص من المايه"، اعتبر "عويضة" السيول "خير"، لما تشكله من طبقة على سطح المياه يسمونها "رُوبة" -بضم الراء- يتغذى عليها السمك، وهو ما يعتقده أغلب الصيادين في الشمال –رشيد- حسب قوله، موضحا أنه قبل بناء السد العالي كان الصيادون يفرحون بقدوم السيل "لأن السمك كان بيسمن في الوقت ده"، ومن بينهم صيادين بوغاز رشيد الذين كانوا يفتحون المياه للسيل "لأن السردين كان بيحب المايه دي وبيكبر عليها".
أما "سليمان" فيرى أن أحوال الصيادين ساءت منذ الثمانينات دون رجعة، بعدما زادت مصافي السد العالي، والمزارع السمكية، متذكرا بعض الأنواع التي كان يصطادها من النيل ولم تعد فيه "البياض، القشرة، اللبيس..".
60 ألف طن حجم الثورة السمكية لنهر النيل من واقع 400 ألف طن اجمالي ما يخرج لمصر سنويا من المياه كما قال عبد العزيز نور أستاذ الانتاج السمكي بجامعة الإسكندرية، الذي أوضح أن تعكر المياه بفعل السيول ليست سببا قويا للتأثير على الثروة السمكية للنيل ومن ثم أحوال الصيادين قائلا "هو فين السمك اصلا اللي هيتأثر".
وتابع "نور" أن الأسماك حينما تستشعر تعكر الماء تهجره لمكان نظيف، لافتا إلى أن الثورة السمكية تراجعت بعد بناء السد العالي وتحول مصارف الصحي إلى النيل، إذ زادت المخلفات وتركيباتها الكيميائية "كان عندنا 42 نوع بقى عندنا 7 أنواع فقط يا أسماك مفترسة يا إما بلطي".
لم تكن تلك المرة الأولى لتعكر ماء النيل، فقبل نحو 19 عاما حدث الأمر إلا أنه نسبته كانت أقل كما قال "نصار". وتم الاكتفاء بالإجراء المعتاد للهيئة بتحويل الصرف إلى المصارف وليس النيل، وهو ما لم ينجح هذه المرة "السيول كانت أكبر من المتوقع 3 مليون متر مكعب مايه نزلت من سوهاج فالمصارف اتملت وفاضت على النيل"، فضلا عما حملته السيول من طين ورمال و"روبة" وغيرها مما زاد تعكير النيل.
وفيما تسكن شباك الصيد خالية بالمراكب، ويعلقها "سليمان" لحين صفاء المياه بشكل كامل، متمنيا الاهتمام بالثورة السمكية للنيل، يرى "جمال" أن تجنب تكرار "العكارة" يكون بتحويل مجرى السيل للصحراء وليس للنيل، بينما وجد "نصار" أن الاجراءات الاحترازية تتمثل في تطهير المصارف وإقامة السدود وزيارة أعداد مخرات السيول.
فيديو قد يعجبك: