"ماجي".. ملاك البطرسية ترحل للسماء بالزغاريد (معايشة)
معايشة-إشراق أحمد:
تجاوزت الساعة الثالثة عصرا، الجموع تتوافد على الكنيسة البطرسية، لم تلتئم الجراح بعد، عمال الإصلاح يداوون ما فعله التفجير في المكان، فيما ينفتح باب الكنيسة للمرة الـ27 لاستقبال ماجي مؤمن أصغر ضحايا انفجار "البطرسية".
بعد أسبوع زخم بالدعاء للصغيرة، وتكبد المقربون من الأسرة تكذيب خبر وفاتها، رحلت ذات العشر سنوات صباح اليوم، ليستقبل جدها سمير عبده المكالمات التليفونية بثبات مؤكدا الخبر هذه المرة.
كانت ماجي أصيبت هي ووالدتها نرمين سمير في حادث التفجير الذي شهدته البطرسية صباح الأحد 11 ديسمبر الجارى. كسر في الجمجمة أصاب الصغيرة فأودعها العناية المركزة بمستشفى الجلاء العسكري، فيما لحق بوالدتها إصابات أقل ضررًا.
منذ الظهيرة بدأت "البطرسية" تستقبل المشيعين، امتلأت قاعة الكنيسة بالحضور، وكذلك الساحة الخارجية. أقارب وجيران ومعارف وفدوا لوداع ماجي والصلاة عليها، وكذلك لأخذ "بركة الشهادة" كما قالت مريم مجدي، التي ليست عن المصاب ببعيد؛ لقت والدتها مصرعها في التفجير، فيما ترقد ابنة شقيقتها دميانة أمير، 14 عاما، في حالة خطيرة بالمستشفى، كانت الفتاة تجاور ماجي قبل أن ترحل الأخيرة.
صورة لماجي مرتدية زي الكشافة تستقبل الدالفين لقاعة الجنازة، وبالجوار صورة أخرى لها أثناء مشاركتها في مسرح الكنيسة، تقف الصغيرة مع رفاق لها في مسرحية "القلب الشجاع" مستقبلة المتوجهون للصوان، ممن لم يجدوا مكان لهم في القاعة، فكانت شاشة وضعت كفيلة بمشاركتهم الصلاة في القاعة، بالصف الثالث من الكراسي المصفوفة جلس محمد عبده، مدرب ماجي للكرة الطائرة، "كانت بنت نشيطة شغالة في كل حاجة" مبتسما يتذكر عبده إحدى أعضاء فرقته، مشيرًا إلى أن رفاقها كانوا أعدوا لها لوحة كتبوا بها كلمات لإرسالها للمستشفى اليوم، لكن الرحيل كان أسبق.
حالة حداد أعلنها نادي وادي دجلة الذي تلعب فيه ماجي، ألغى المدرب التدريبات للأسبوع الثاني على التوالي "كان المفروض لهم تدريب النهاردة بدل التلات اللي فات". لا يعلم المدرب كيف سيستقبل اللاعبات الصغيرات مع أول تدريب بلا ماجي.
يمر الوقت في انتظار قدوم "عروس السماء" كما وصفها مُلقى الموعظة. نسمات باردة تلفح الوجوه الحزينة، دموع تتساقط كرها من البعض، الصقيع يليق بالمشهد الجنائزي، الصمت يغالب الكثير، فيما تتعالى همهمات، لا تخلو من إعادة الحديث عما جرى "أكيد في تقصير من الأمن وتقصير منا" تحدثت "أماني" لجارتها "مريم" ابنة صباح وديع إحدى فقيدات "البطرسية".
تتشارك السيدتان المشاعر ذاتها "هم أحسن مننا عشان كده ربنا اختارهم" تتحسر "أماني" التي منعها مرض ابنها الصغير من الذهاب للكنيسة يوم الحادث، فيما تؤكد مريم أنها لا تشعر بالحزن على والدتها وكذلك ماجي قائلة "دي ملاك ملحقتش تعمل حاجة"، معبرة عن يقينها من وراء هذا الفقد "دول هيرفعوا مكانتنا لسموات مكناش نتخيلها.. هنبقى جيران ربنا".
الجميع في انتظار النعش الأبيض، الذي يضم جسد الصغيرة ماجي..جاء النبـأ، اقترب الوصول، فاستعدت فرقة طبول الكنيسة، وحاملي الأكاليل وكذلك حامل الصليب، اصطفوا على جانبي الساحة الخارجية، وفي مشهد لم يتكرر مع الراحلين السابقين، انضمت فتيات صغيرات، يرتدين زيا مدرسيا، منهم المحجبات، رفاق ماجي الأكبر عمرها في مدرسة كلية رمسيس للبنات، وقفن إلى جانب الأساقفة والشماسين، بينما تعلو أصوات الترانيم من قائلها بالقاعة، ويشاركه المشيعون.
الشمس تشارف على الانكسار، الترانيم لا تزال تدوي، لم يوقفها سوى صوت أحد المرتلين قائلا "ياريت منضغطش على أهل ماجي هم متعزيين وفرحانيين.. وبيطلبوا منكم أنكوا تلبسوا أبيض في العزاء بكرة.. عايزين يبقى فرح نودع فيه عروس السماء".
مع وصول ماجي، توقف الزمن، تداعت الهمهمات، وتلاشى كل شيء إلا من رؤوس مشدوهة لرؤية موكب التشييع، حتى العاملين فوق سقف الكنيسة شاركوا الجمع في مكانهم، فيما أعلنت "البطرسية" استقبالها للصغيرة، برنين جرسها، ليتلاحم مع دقات طبول "الكشافة"، ويضفي المشهد حزنًا على متقدميه من فتيات الخدمة بالكنيسة، فاشتد البكاء بإحداهن، وهمست مريم: "صلي لنا يا ماجي.. اذكرينا عند ربنا"، قبل أن يتحول المأتم إلى استقبال حافل بمرور النعش إلى القاعة؛ أخذ البعض يصفق وتعالت الزغاريد مع استقرار ماجي داخل قاعة التشييع.
ترأس كبار كهنة الكنيسة قداس ماجي، نيابة عن البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تعالت الدعوات بالرحمة للصغيرة، وأُلقيت كلمة عن الشهادة ومكانتها، فيما تسمرت قدما "مريم" أمام صوان التشييع، ناظرة لصورة ماجي، بينما تبكي داعية لها ولوالدتها، بينما لم تحتمل "نهال" والدة صديقة ماجي بتدريب الكرة الطائرة أن تمكث كثيرا ، بعدما علمت ابنتها رؤى بخبر وفاة رفيقتها وكانت أخفته والدتها عنها لحين عودتها للمنزل وإخبارها بنفسها.
خرجت ماجي بالزغاريد كما دلفت إليها، مع دقات الخامسة غربت شمسها؛ انتقلت في صندوقها الأبيض لتستقر إلى مثواها الأخير جوار الراحلين الأخرين بمقابر الأنبا شنودة في المقطم، بينما ظلت ثلاث صغيرات على حالتهم منذ دخولها، وقفن خلف الحاجز الحديدي الموضوع قرب باب الدخول، ترافق نظراتهم ماجي في دخولها وخروجها، تغمر الدموع وجوههن الصغيرة، عاجزين عن الحديث، فيما استقوت "كارول" بذكرى رفيقتها قائلة "ماجي أطيب واحدة في الكنيسة. كانت أصغر مننا لكن عمرنا ما حسينا ده.. أكيد هي في مكان أحسن كتير".
أقرا ايضا:
فيديو قد يعجبك: