كواليس أول تكريم للصحفيين على يد محمود عوض
كتب- أحمد الليثي ويسرا سلامة:
لم يكن دخول محمود عوض محراب نقابة الصحفيين روتينيا، بل أعطى روحه لرفعة صاحبة الجلالة، فبينما كان عوض يترأس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين في الفترة من 1983 وحتى 87، ظل يبادر بندوات مفتوحة عن أحوال المهنة، في ظل ظروف سياسية ضيقة، ومن ندوة لأخرى راودته فكرة "جوائز الصحافة المصرية"، كأول جائزة للصحفيين من تبرعات أصحاب المهنة أنفسهم، وسط أزمة اقتصادية للبلاد.
في الوقت الذي كان كيلو اللحمة يصل حينها لجنيهين، لم يتوقع عوض مردود مقترحه "تجاوزت المفاجأة أكثر خيالاتي جموحا.. الجميع ساهموا، والجميع كرروا مساهماتهم".
كانت ميزانية النقابة تعاني من عجز يصل إلى 59 ألف جنيه عام 1985، توقع عوض أن تكون قيمة الجائزة 5 آلاف جنيه، لكنها وصلت إلى 18 ألف جنيه ثم 25 ألف حتى 45 ألف جنيه على مدار ثلاثة أعوام "وقتها هيكل وأحمد بهاء الدين قالوله أي رقم هتطلبه هنساهم به".. يقولها الكاتب الصحفي عبد الله السناوي متذكرا تفاصيل طرح الفكرة قبل 30 عاما.
في الأربعينات كان ثمة جائزة ينالها الصحفيون أصحاب الأعمال المميزة، إذ حصل عليها الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل ثلاث مرات متتالية، لكنها اُلغيت عقب رحيل الملك وظلت النقابة لا تُعطي جوائز لأبناء المهنة حتى عام 1985 عندما أحيا عوض الفكرة، مطلقا عليها اسم "جائزة التفوق الصحفي".
كانت جوائز نقابة الصحفيين بمثابة "الابنة" لـ"عوض"، يبتكر من أجلها، تجتمع اللجان في منزله، تُقرأ الترشيحات، تعيد قراءة الأعمال المقدمة من جديد، يُشرك الجميع في حلمه، يطلب من أستاذه أحمد بهاء الدين ترأس لجنة التحكيم، الذي اعتبر أموال الجائزة "أكثر الفلوس حلالا فى بر مصر"، ويشاركه صديقه مصطفى حسين برسم تصميم شهادات الفائزين، ويتصل هو بالكُتاب لحضور الحفل "الفلوس مش كفاية، لازم نقول للصحفي أحسنت". كان عوض يريد أن يظهر للصحفي استقلاليته وأن يكافأ على مجهوده أمام مجتمع الصحفيين والشعب.
سعى عوض لحضور رئيس الوزراء المراسم، ورفض أن يُملي شروطه حين سأله "محتاج قائمة بأسماء الصحفيين"، ينفعل الصحفي الشجاع فيرد في غضبة "الصحفيون ليسوا من غرائب الطبيعة، دي أول مرة نعزم الحكومة وبفلوسنا وكمان هتتشرط".
تبدّلت ملامح الجائزة مع الوقت، انتقلت تبعيتها من لجنة الحريات التي ترأسها عوض، إلى اللجنة الثقافية، غير أن ما أضافه الصحفي الراحل للنقابة ظل باقيا. "هو كان شديد الموهبة وصاحب بصمة في أي مجال بيدخله سواء أدب أو سياسة أو كتابة للأطفال ولذلك ترك بصمة في نقابة الصحفيين" يقول يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، لمصراوي.
"لا تستطيع أن تجد له مثيلا" يصف بها نصر القفاص حال أستاذه وصديقه محمود عوض، معتبرا أنه عنوان لمرحلة أسماها "محاولات قتل الموهبة في الصحافة مطلع الثمانينات"، مُعددا خصاله؛ فهو المعتد بذاته، المستقل برأيه "لا يمكن تغيّره أهواء أو صداقة شخصية، مش ممكن يتبدل عشان فلوس أو منصب، كان استثنائي للغاية".
مع أول جائزة لنقابة الصحفيين في الثمانينات، اطلع محمود عوض على أسماء الفائزين فكان من بينهم اسم نصر القفاص في المركز الثاني للتحقيقات -عن موضوع خاص بالفنادق العائمة وتلوث مياه النيل، وكان نصر أحد الشباب الذين يدعمهم محمود عوض، فاتصل به الكاتب الكبير ليهنئه قبل أن يطلب منه طلبا خاصا "أنا بستأذنك أشيل اسمك من الجوائز عشان ميكونش فيه شبهة مجاملة"، وهو ما كان "اتقبلت الموضوع بصدر رحب واتعلمت إزاي ممكن النزاهة تصل بشخص للدرجة دي" يقول القفاص.
في مقال احتفائي بالجائزة ودور عوض راح الأستاذ أحمد بهاء الدين يتغزل في عطاء صاحب الفكرة، مشبها شخصيته الكاريزمية بـ"تشرشل"، وحين اعتبر أحدهم أن ذلك تضخيما، رد "بهاء الدين" -بحسب رواية عوض ذاته- بكلمات مُفحِمة "الحقيقة أنا فاتنى أن أكتب عن محمود فى العامود إياه ما هو أهم، فاتنى أن أكتب إنه رغم أن أكبر وأهم الصحف العربية ترحب بمقالاته وتنشرها بانتظام.. فإنه فكر في هذه الجوائز للصحفيين المصريين وتعب لإنجاحها، بينما هو نفسه ممنوع من الكتابة في جريدته".
كانت الأعمال تُقيّم بصرف النظر عن التوجه السياسي للمتقدمين. "تبرأنا من رأي السلطة والمجاملة والميل الخاص والشهرة والصيت" ظلت تلك جملة عوض الأثيرة، فاز 95 صحفي من أصل ثلاثة آلاف، قبل أن تنقطع صلته بالأمر بعد محاولات دخول الجائزة تحت لواء الدولة.
وكتب عوض عمودا في رثاء الفكرة بعنوان "خير وربنا نجانا منه". اختتمه بترك "الجائزة" تحت وصاية نقابة الصحفيين، بعدما تولى أمرها لثلاث سنوات متتالية مع عمالقة صاحبة الجلالة "وكتبنا سويا -أحمد بهاء الدين وأنا- خطابا إلى البنك لإغلاق حساب الجوائز وتحويل ما به من مساهمات كبار الصحفيين، بمقتضى شيك وقعناه معا فى 7/11/1988 بمبلغ 2554 جنيها" .
تابع باقي موضوعات الملف:
محمود عوض.. المُتمرد لوجه الله (ملف خاص)
1- مشاهد من مسيرة ''محمود عوض'' في ليالي القاهرة
2- محمود عوض.. الموت في منتصف الجملة الصحفية
3- من أم كلثوم لـ''عدوية''.. محمود عوض يكتب لمن يهواه القلب
4- بـ6 شخصيات.. محمود عوض يستعين بالأطفال للتمرد على الأدب
5- على الدَرب.. يسري فودة يروي ذكرياته مع ''الأستاذ'' محمود عوض (حوار)
6- كيف تصنع صحيفة جماهيرية في 3 شهور؟.. الإجابة: محمود عوض
7- ''وعليكم السلام''.. كيف واجه محمود عوض بارود الصهاينة بالقلم
9- أعمال محمود عوض.. أوراق ضد النسيان (إنفو جراف)
فيديو قد يعجبك: