على الدَرب.. يسري فودة يروي ذكرياته مع "الأستاذ" محمود عوض (حوار)
حوار- أحمد الليثي:
يسري فودة أحد قلائل ألبسهم محمود عوض حُلة "الموهوبون". فيما يفخر "فودة" دوما باعتباره تلميذا في مدرسة "عوض"؛ تلك التي رفضت الخنوع والاستكانة للضغوط والأمر الواقع. آثرت إعلاء روح الكلمة، التنقيب خلف المعلومة وإرساء الحقيقة. تمرست على خوض الصراعات بشرف والتشبث براية المهنية. عن علاقة بدأت بين قارئ نهم لصحفي لامع، وتوطدت عبر عقود -مرت بجسر القرب- انتهت بصداقة وثيقة، يتحدث الإعلامي يسري فودة عن كواليس اللقاء الأول وتشرُب روح التمرد، المختلف في مسيرة الكاتب الكبير وإرثه المتبقي بعد المغيب. معارك عوض الرابحة وهامته التي لم يحنها أبدا.
كيف بدأت العلاقة بينكما؟
علاقتي بأستاذنا محمود عوض بدأت قبل أن يسعدني الحظ بلقائه بسنوات طويلة، عندما كنت أواظب على قراءة إبداعاته الصحفية ومؤلفاته وأنا تلميذ. كان في القضايا التي يختار التصدي لها شيئا مختلفا عما يختاره أبناء جيله وكانت في طريقته في البحث لأعماقُ لم يصل إليها أحد آخر، وكانت في أسلوبه سلاسة وحلاوة ممتعتان.
تطورت علاقتكما من قارئ بأستاذه إلى محقق تليفزيوني بارز يستضيف كاتب مخضرم في الشأن الدولي.. كيف كانت تفاصيل اللقاء الأول؟
التقيت به أول مرة عندما تكرم بدعوتي إلى منزله في أواخر عام ١٩٩٩، عندما كنت أعد تحقيقًا ضمن برنامجي "سري للغاية" عن الطائرة المصرية المنكوبة آنذاك. كان أول حديثنا عن الإجراءات الأمنية التي اضطررت للمرور بها على مدخل الشارع الذي يسكن فيه؛ فهو يسكن في بناية تقع مباشرة إلى جانب مبنى السفارة الإسرائيلية قرب جامعة القاهرة. وكان قد عُرض عليه مبلغ كبير لإخلائها لكنه رفض. أول ما دخلت فوجئت بأكوام من الكتب والجرائد والمجلات التي اصفرّت أوراقها وعلا التراب قممها وأجنابها. تلال فوق تلال. بحثت عيناي سريعًا عن مقعد للجلوس فلم أجد. أرشدني هو وسط هذه الغابة إلى مكان وحذرني من أن ألمس أي شيء.
بعد عملك في الحقل الإعلامي.. كيف وقفت أمام مسيرة عوض؟
نحن الصحفيون في هذا الزمن محظوظون؛ فلدينا من وسائل الاتصال ومن محركات البحث ومن مصادر المعلومات ما لم تكن ذرة منه متاحة لجيل الأستاذ. كان الواحد منهم محظوظًا لو كان لديه خط هاتف أرضي في المنزل. لكن ذلك لم يمنع القليلين منهم، وفي مقدمتهم أستاذنا محمود عوض، من أن يصل إلى مصادر المعلومة اللازمة لتحليل مستنير ورأي له قيمة. كان هذا في مقابل أغلبية من الصحفيين استسهلت الأمر واستسلمت لواقع صحفي مُنقاد فتحولت بعد ذلك إلى ما أسميه "كُتَّاب العلم اللدُنّي"، هؤلاء الذين يقبعون على مقاعدهم أو على أسرّتهم في انتظار هاتف من لٓدُن عزيزٍ قدير لكتابة مقال الغد.
ذكرت أن "عوض" من أول الصحفيين الذين طرقوا أبواب الاستقصاء في تحقيقاته.. فما المختلف في منهجه عن أقرانه في المهنة؟
أن يستطيع صحفي الجمع بين عمق المضمون وسلاسة العرض في زمن كذلك الذي عاش فيه، لهو دليل عبقرية لم تكن لتفصح عن نفسها دون مجهود جبار، والتزام صارم بآداب المهنة وقواعدها وأخلاقها.. محمود عوض كان يفطر على سوق الأزبكية، ويتغدى على كل مطبوعة في مصر والعالم العربي، ويتعشى على كتاب أوصى به من نيويورك ودفع في مقابله راتبه كله تقريبًا.
ما هي أبرز ملامحه الشخصية فيما رأيته عن قرب؟
كان أستاذنا كريم النفس متصالحًا مع حقيقة أن ثمة ثمنًا للاحتفاظ باحترامك لنفسك وللناس الذين تكتب من أجلهم. معركته مع "أخبار اليوم" كانت إحدى تجليات هذه القيمة الكبرى.
بعيدا عن أزمة أخبار اليوم.. في رأيك ما هي معركة عوض الكبرى؟
معركته الكبرى كانت مع الجهل والنفاق والفساد. هو مثلًا الذي يعود إليه الفضل في تغيير جانب من ذهنية دولة عبد الناصر الإعلامية في أعقاب هزيمة ٦٧؛ فهو الذي أقنع الدولة العميقة آنذاك بضرورة تثقيف الناس، وبخاصة العسكريين، عن المجتمع الإسرائيلي وكيف يفكر وكيف يعمل، فكتب سلسلة بديعة سماها "أعرف عدوك" وُزعت على قادة الجيش وجنوده في سياق الإعداد لحرب أكتوبر ٧٣.
ما الإرث المتبقي من عوض في وجهة نظرك؟
سيبقى محمود عوض مثالًا رائعًا و دليلًا إلى قيمتين كبيرين في العمل الصحفي الجاد؛ مهما بلغ الفساد والظلم تستطيع أن تشق طريقك وأنت محتفظا لا تزال باحترامك لنفسك وللناس، ومهما ضعُفت الإمكانات المتاحة أمامك تستطيع دائمًا أن تبحث عن بدائل كي يكون لما تقدمه معنى وفائدة.
تابع باقي موضوعات الملف:
محمود عوض.. المُتمرد لوجه الله (ملف خاص)
1- مشاهد من مسيرة ''محمود عوض'' في ليالي القاهرة
2- محمود عوض.. الموت في منتصف الجملة الصحفية
3- من أم كلثوم لـ''عدوية''.. محمود عوض يكتب لمن يهواه القلب
4- بـ6 شخصيات.. محمود عوض يستعين بالأطفال للتمرد على الأدب
6- كيف تصنع صحيفة جماهيرية في 3 شهور؟.. الإجابة: محمود عوض
7- ''وعليكم السلام''.. كيف واجه محمود عوض بارود الصهاينة بالقلم
8- كواليس أول تكريم للصحفيين على يد محمود عوض
9- أعمال محمود عوض.. أوراق ضد النسيان (إنفو جراف)
فيديو قد يعجبك: