لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مهرج حلب" في ذمة الله.. الحرب لا تعرف البهجة

07:25 م السبت 03 ديسمبر 2016

أنس الباشا

كتبت-دعاء الفولي:

كان أنس الباشا يمقت الحرب. يلعنها كلما سنحت الفرصة، لكنه أبى الخروج من حلب. قرر مُواجهة حصار المدينة السورية بالسخرية؛ ارتدى زيّ المُهرج. خرج في الشوارع ليُضحك الأطفال. علّمهم أن الحياة ربما تكون أجمل من القصف والدماء، غير أن قُبح الصواريخ لم يُمهله كثيرا، فمات بأحدها مساء الثلاثاء الماضي.

توقفت دراسة الشاب الراحل في قسم التاريخ بجامعة حلب بعد بدء الثورة السورية بعام. أراد منذ صغره أن يُصبح مُدرسا، إلا أن الأمر بات مستحيلا مع الحرب. استعاض أنس بالتطوع عن شغف التدريس؛ انضم لأكثر من منظمة إنسانية، بعد حصوله على دورات في كيفية الدعم النفسي للأطفال "ضل يدرّس تاريخ 3 سنوات في مدارس حلب قبل ما تبلش تقفل".. حسبما قال أخوه محمود الباشا، لمصراوي.

في أحد الأيام من عام 2013 أخبر أنس أخيه الأكبر عن خطته "يلبس لبس مُهرج وينزل على الشارع مع الجمعيات يعطي حلوى للأطفال ويضحّكهم.. خاصة الأيتام". لم تكن ثمة إمكانيات ضخمة وقتها، لكن الشاب حصل على شعر مُستعار بُرتقالي، مستخدما الألوان ليغير شكل وجهه. لم يسبقه أحد في فعل ذلك "هو آمن إن الدعم النفسي للأطفال أهم إشي وسط اللي بيحصل في سوريا"، ومنذ حينها عُرف الشاب ذو الأربعة وعشرين عاما بـ"مهرج حلب".

صورةة1

تدخلت روسيا عسكريا في سوريا عام 2015، طال القصف أكثر من 250 ألف مدني في المدينة، لذا نزح أنس من حلب الغربية للشرقية حيث تسيطر المُعارضة "لأنه كان مطلوب عند النظام". حمل الشاب الراحل زيّه معه، استمسك بالسعادة التي يُعطيها للأطفال، غير أنه فعل ذلك وحيدا، بعدما رحل والداه إلى ريف حلب بسبب اشتداد الحرب، وسافر أخوه الأكبر إلى تركيا.

2

اعتاد أنس الاتصال بعائلته يوميا. تارة يُخبرهم عن الموت الرابض حوله، وأخرى يُرسل لهم صورا من النشاطات التي يفعلها برفقة مؤسسة "فسحة أمل" و"بيج هارت". لم يُفكر محمود يوما أن يُثنيه عن البقاء في حلب حتى بعد حصارها منذ أكثر من مائة يوم "المهرج هي أكتر شغلة اتبسط بيها في الحياة.. أكتر إشي كنت بقدر اعمله هو إني أنصحله يدير باله على نفسه".

قبل الوفاة بيوم، تحدث الأخوان "قاللي إن الوضع في المدينة صار جدا خطير". وصلت أصوات الصواريخ لمسمع محمود على الهاتف، لكنه ما ظن أبدا أن ينضم أنس لقوافل الراحلين في اليوم التالي.

3

مساء الثلاثاء خيّم الهدوء على منزل أنس. زوجته تنتظره في المنزل. لا تلوح أي صواريخ في الأفق، بينما اختلف الحال في حي المشهد؛ هناك كان المُهرج يسير، عائدا لرفيقته التي تزوّجها منذ شهرين، حينما باغته القصف، فأصابه بجرح خطير في الرأس، وقتل عشرين آخرين.

عقب ذلك بسويعات، تلقّى محمود اتصالا من طبيب بالمستشفى الوحيد الذي يعمل في حلب، ليبلغه بوفاة الشاب "ما كان فيه إمكانيات طبية جيدة. فيه ضغط على ها المشفى لأنه الباقي اتقصفوا من طيران روسيا.. وبالتالي ملحقوش أنس". شيءٌ في نفس محمود لم يبتغِ التصديق أن أخيه رحل، لكن عقله علم دائما أن البقاء في سوريا هو موت مُحتم مؤجل قليلا.

في الساحات، الحدائق العامة وحتى الأقبية أسفل الأرض؛ الزيّ الرسمي للمُهرج الشاب لم يُفارقه. قدّم الفقرات أحيانا للأطفال فيما يرج القصف الملجأ. سلاح البسمة ظل مُعلقا على كتفه، اعتاد على استخدامه مرتين أسبوعيا على الأقل، غير أن الحصار جعل النشاطات مُقيدة بالظروف الأمنية، إذ لم يعد ثمة مكان يُمكن الاحتماء به.

4

بقي أنس مُتفائلا مع كل شيء. قال لأخيه مرارا إن الحرب ستنتهي وسيعاود دراسة التاريخ. فيما لم ينقطع أمله في المجتمع الدولي "كان بيضل يأكد إنه العالم ما راح يصمت عاللي بيحصل بسوريا حتى لو رد الفعل اتأخر".

لأنس وصيتان. الأولى أن يتم دفنه في حي صلاح الدين، حيث قبعت عائلته دوما. والثانية ألا يتخلى الأحياء عن معاقبة من قتلوا المدنيين، حتى بعد عشرات السنوات.

لم يكن بيد محمود سوى تنفيذ الوصية الأولى "قلت للشباب يدفنوه بحي صلاح الدين". ربما رقّ الموت لحال أنس، فامتلاء المقابر في حلب لم يضع بديلا عن دفن جثمانه أسفل إحدى الحدائق العامة بالمدينة، بالضبط حيث ارتدى يوما زي المهرج ليُسعد الأطفال.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان