مصراوي يرصد كواليس هدم "سينما جنين".. "البيزنس" ينتصر على الثقافة
كتبت- شروق غنيم:
في منتصف ليل الإثنين؛ كانت الجرافات تلتهم أقدم صرح ثقافي في بلدة "جنين" الفلسطينية. بينما يعلو أصوات الهدم بعد تحطم الواجهة الخلفية، انبعثت ألحان العازف لؤي بلعاوي من بين الركام تُرثي المركز الثقافي الذي يعود عُمره إلى عام 1958، بمعزوفة دامت لمدة ساعة كآخر فعالية تُقام بالمبنى العتيق.
يوم الهدم مساءً، رّن هاتف بلعاوي ليفيق من نومه. يُخبره صديق بأن الموعد قد حان "انزل بلشوا هدم". لم يشعر الشاب بنفسه إلا وهو داخل المركز يحتضن العود ويرتجل. "حبيت إنو أودع المكان بمعزوفة أخيرة، كان يحتاج سماع موسيقى قبل الهدم". يقول بلعاوي لمصراوي.
منذ ستين عامًا، أنشأت 4 عائلات المركز الثقافي تحت اسم "سينما جنين". أصبح قِبلة لعدد كبير من الشباب واستضاف مهرجانات عدة، عُرض ضمنها الفيلم المصري "هرج ومرج". لكن "المركز ما بيجيب مصاري" تقول ميساء الأسير، مسئولة العلاقات العامة بالسينما لمصراوي، ورغم أنه "هاد المركز الثقافي الوحيد في شمال فلسطين" وكان يستوعب 400 شاب يوميًا. إلا أن أصحابه قرروا بيعه لمستثمر من نفس البلدة لبناء مركز تجاري "بِده بيزنس وليس ثقافة".
تردد بلعاوي منذ كان طالبًا على مركز "جنين" الثقافي الذي تتنوع عروضه بين موسيقى، دبكة، مسرحيات، أفلام، سيرك وشعر. يحضر برفقة أصدقائه عروض مختلفة، حتى صار أستاذًا بمعهد الموسيقى ونضجت ذكرياته مع المكان حتى اعتلى المسرح وعزف عليه. لكن أول أمس الوضع اختلف "لأول مرة بيكون جمهوري الحجارة والغبار والكراسي المكسّرة".
علِم أبناء المدينة عن البيع منذ 4 أشهر، سعوا لإيقاف ذلك من خلال التفاوض مع أصحاب المركز "كانوا متعاونين وقالوا لو وزارة الثقافة الفلسطينية اشترت بمبلغ أقل راح نبيعلها" وتضيف الأسير بأسى "وعدنا وزير الثقافة إنه يوقف معنا وبعدها ما حدا سأل فينا".
خلال الأربع أشهر الأخيرة دشّن سعيد أبو موالا، الأستاذ بكلية الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية بجنين حملة لمنع الهدم "جنين مدينة مُهمَّشة لا تنال اهتمامًا فنيًا أو ثقافيًا. وهاد المركز منارة بالنسبة إلنا".
لكن هذه الحملات والمظاهرات التي نظمها الشباب لم تُجدِ نفعًا "رأس المال لا يهمه إلا كسب المزيد من المال". يحكي الأستاذ الجامعي بمرارة لمصراوي عن فَقده للمكان إذ كان يُعِد زيارات برفقة طلابه إلى المركز لمشاهدة الأفلام والتحاور حولها "يعرض الطلبة نتاجاتهم الفيلمية، ويحصلوا على الدورات في التصوير وإنتاج الافلام، ويقيمون المعارض. كانت السينما مكانًا يُصقِل المواهب".
يمر يوميًا "بلعاوي" من أمام سينما جنين بعد انتهاء دوامه بمعهد الموسيقى، يرمقها وهو يشعر بأن هناك منفذًا للموسيقى والمجالات الثقافية. لكن مشهد سيبقى عالقًا معه للأبد "اليوم مررت وكان المنظر فقط حجارة على الأرض".
فيديو قد يعجبك: