خالد عبد الله.. ممثل عالمي بين "القاهرة ولندن" (حوار)
حوار- رنا الجميعي وأماني بهجت:
يُحكى أن وُلد طفل مصري في اسكتلندا، داخل إحدى المستشفيات كانت الأم على استعداد للولادة، أعطاها أحد الأطباء المشرفين بنج لتخديرها، ورغم أنها متحدثة جيدة للإنجليزية، لكنها ما إن تسّرب إلى جسدها المادة المُخدرة بدأت في التحدث بالعربية، اللغة الأم لديها، لذا كان على الأب أن يعمل مترجمًا بينها وبين طاقم التمريض، هُناك بين لغتين ولد ذاك الطفل، الذي صار اسمه "خالدعبد الله".
كبر خالد واضحى بطلا سينمائيا لأفلام عالمية عدة، منها الفيلم الأمريكي "عداء الطائرة الورقية" الذي رشح لحوز جائزة الجولدن جلوب عام 2008 كأفضل فيلم أجنبي، وأحد المشاركين بفيلم "الميدان" الذي ترشح للأوسكار، وبطل الفيلم المغربي "إطار الليل"، الذي عُرض قبل نحو شهرين بسينما زاوية، ضمن بانوراما الفيلم الأوروبي.. وكذلك يشارك حاليا في مهرجان برلين –بمنتدى السينما الجديدة- بفيلمه الأحدث "آخر أيام المدينة".
وفي حواره المطوّل مع مصراوي يسرد خالد عن منشأه بانجلترا، تربيته، حبه للمسرح ثُم اتجاهه للتمثيل، وكيف جاء سيناريو فيلم ليقلب حياته، وبضعة أشخاص تعرف عليهم في القاهرة قبل الثورة، ليُشكلوا كل ما تمناه، ثُم الثورة، وفي قلب كل ذلك الهوية العربية، والمسئولية التي يُحسها عبدالله تجاه الوطن العربي.
لم ينقطع خالد عن مصر يومًا، لم تكن صلته بالوطن تتلخص فقط أن أبويه مصريين، عاشا بها حتى منتصف السبعينيات، كان والده الطبيب "حسام" ضمن الحركة الطلابية، وسجن أكثر مرة، غير أن الأب قرر السفر إلى بغداد لدراسة الطب مع زوجته، ثم إلى اسكتلندا، حيث وُلد هناك عام 1981، ظلّت تعتمل الرغبة بالعودة لمصر داخل الوالدين، يحكي خالد كيف حاولا العودة مرة أخرى في الثمانينيات، بعد انتفاء قائمة المعتقلين بزمن السادات، التي كان من بينها اسم أبيه رغم رحيله، لكن شيئًا ما أعاق العودة، الاستقرار بإنجلترا وعمل والده بمجال أطفال الأنابيب، يذكر عبدالله في ثنايا اللقاء، أنه قد نُشر عن دكتور حسام موضوع بإحدى الصحف المصرية، هكذا بشكل عابر، يتضح بالبحث أنه حوار مع أول مصري على جدار الشرف بالجمعية الملكية الطبية البريطانية، من بين 700 اسم لعالم أو طبيب، على مدار قرنين من الزمان.
لم تُفلح محاولة العودة مع مشكلات -لم يتذكرها عبدالله- واجهت والديه، كما أن حالة الاستقرار التي أصبحا عليها الوالدان في ذلك الوقت، لم تُسعفهما، يصف خالد لنا المنزل المصري بإنجلترا، استعمل البيت الإنجليزية والعامية المصرية مع الولد الصغير، لكن سرعان ما قلق الأب من تأخر النطق لديه، وهو ما حدث بالفعل، تأخر خالد في النطق، فالتزما الأبوان بالتحدث معه بالإنجليزية "كان على أساس إنه لما نرجع هتكلم عربي"، غير أنه مع قرار عدم العودة، تلوّنت ألسنة أفراد الأسرة مجددًا بالإنجليزية والعامية، "وأنا عندي أربع سنين بدأت اتكلم عربي"، وبسفره الموسمي لمصر.
الإرهابي الذي صار بطلا
كبر الطفل، نجح في مجال المسرح، لم يُفكر قبلًا في التمثيل، ولأنه عربي رُشّح لفيلم "يونايتد 93"، في باديء الأمر لم يرغب خالد في أداء الدور الأول المقدم له "في الآخر دا فيلم عن 11 سبتمبر وأنا مكنتش عاوز أمثل فيه"، لكنه في النهاية قرر الذهاب لتجربة الأداء، حيث شاهد للمخرج الأيرلندي قبلها خلال فيلم عن مجزرة بأيرلندا حدثت في السبعينيات "بلادي سانداي"، وهو فيلم ارتأى الشاب أنه رائع إنسانيًا، أثناء المرة الثانية التي طلب فيها المخرج رؤيته عبّر خالد عن مخاوفه له قائلًا "لو بتعمل الفيلم عشان تطلع العرب سيئين، فأي حد هيمثل فيه يبقى مجرم".
صُنع الفيلم "يونايتد 93" بعد خمسة أعوام من الأحداث، وهو من أول الأفلام التي تحدثت عن كارثة الحادي عشر، تناقشا الاثنين واقتنع خالد بالدور، وجد أن على عاتقه مسئولية تجاهه "هو مش مجرد دور يتعمل كويس، دا له بعد سياسي مرتبط بالمساحة اللي الواحد يدخلها إعلاميًا"، اشترك خالد بدور الإرهابي العربي مع اثنين آخرين عرب يشاركونه العملية، وهي قصة حقيقية حيث عمل الإرهابيون على تفجير طائرة استحوذا عليها، إلا أنها سقطت في المحيط ولم يُنقذ أحد.
يقول خالد إن الفيلم لم يُصنع بطريقة تقليدية، من ناحية التصوير وطريقة التناول، لم يكن مجرد فيلم منفصل عن العالم "أنا قابلت أسر الناس اللي ماتت"، الفيلم لا يوجد فيه بطولة مطلقة، حيث احتشد عدد كبير من الممثلين لأداء ركاب الطائرة "كل واحد على الطيارة عنده دوسيه كامل للشخصية وبيمثل بيها"، يُشبه خالد فريق العمل بـ"كأننا أشباح الناس اللي ماتت"، اعتقد الممثل أنهم سيقابلهم صعوبة في التحدث مع الأسر، إلا أن العكس حدث، كانت لديهم رغبة في التعبير عن مشاعرهم، قلق أهالي الضحايا من عمل الفيلم "كانوا خايفين علينا"، لم يردوا في زيادة كوارث العالم "لأن الحرب في العراق كانت ابتدت".. نجح الممثل المصري في أداء دوره ببراعة وترشح الفيلم الأول له لجائزة الأوسكار.
بالنسبة لخالد فإن الفيلم أجبره على التعاطي مع العالم العربي بطريقة مختلفة، حيث اضطره إلى أن يكون له علاقة مباشرة مع المنطقة والتمثيل، يتذكر المرة الأولى التي خطّ فيها على السجادة الحمراء، قلق من فكرة أنه لعب دور الإرهابي "طب ايه اللي هيحصل، الناس هيضربونا ولا يهاجمونا ولا ايه"، كان أول سؤال وجهه إليه الصحفيين "ايه احساسك وانت أكتر انسان مكروه في أمريكا؟"، استطاع عبدالله الإجابة على أسئلة الثلاثين متر من الصحفيين، سهّل عليه ذلك أنه مازال يعيش داخل الدور.
في البدء كانت فلسطين
على كتفي والده كان الطفل ذو الخمس سنوات، في ساحة بلندن يضج الميدان حوله بالهتافات، لا يتذكر خالد شعوره وقتها سوى "كنت مبسوط إني على كتاف أبويا"، وترديده للهتافات مندمجًا مع الحشد المجتمع، كانت تلك المظاهرة الأولى التي يعيش أجواءها خالد، لأجل فلسطين كانت، من هُنا كانت البداية لعلاقة تتشكل بين الممثل الشاب والقضية الفلسطينية، ليست فقط علاقة مع فلسطين لكنها أيضًا "علاقة باللغة والبلد والمنطقة العربية"، ولم تكن السياسة هي محور العلاقة بقدر ما كانت "العدالة" هي المرتكز.
لم تُطعم الأسرة المصرية السياسة للصغير، الذي حمل قدر من المسئولية دومًا كممثل عربي مصري، والعكس، لكن السياسة المتسللة دومًا بطرقات المنزل، الأصدقاء العرب الذي تراهم أعين الطفل، فيطرق سمعه النقاشات في الشأن المصري والعربي، يقول خالد بصدق واضح "لما بسمع عن الحياة اللي عاشها جدي وأبويا، ولما بشوفهم ينفعلوا إزاي ويتكلموا من قلبهم، صحيح المناقشات دي حواليا ومش متوجهة ليا، بس كانت بتخرج منهم وتوصلني، واثرت فيا".
بسؤال خالد عن تربيته كمصري ببيئة إنجليزية، يقول إن الفارق بين مصري في بلده، وآخر بالغربة "إن اللي حواليا كانوا فلسطينيين وعرب من كل أنحاء الوطن العربي"، الهوية غير مقتصرة على مصريته فقط، لكنه تأكيد على وجوده كعربي أيضًا، نعم كان يتحدث الممثل الثلاثيني العربي، لكن مع مروره بمرحلة المراهقة صار يبني على كتفيه مسئولية، كبرت مع الوقت أنه عربي، "بقيت واعي إني لو مركزتش هفقد اللغة والبلد، ودي حاجة مكنتش عاوزها".
مع فيلميه الآخريين بهوليوود، "عداء الطائرة الورقية"عن أفغانستان و"المنطقة الخضراء" عن العراق، كانت علاقة خالد بالعالم العربي مازالت بعيدة إلى حد ما، كما رأى بعد ذلك، فبجانب إيمانه بتلك الأفلام، إلا أنه شعر أخلاقيًا بالتزام تمثيل الوطن العربي من الداخل "لازم أعيش الواقع هنا"، وليس الخارج فقط، رأى أن النجاح لا يعني أن يُمثل بدور أمريكي وخلفية عربية مستترة، عليه أن يقوم بدور عربي خالص، كما اقتنع أنه لتغيير الصورة العالمية يجب عمل سينما عربية مختلفة "واحنا لحد دلوقت مش موجودين دوليًا زي السينما الفرنسية أو الإيرانية أو اليابانية".
حالة البعد تلك أحسّها خالد منذ شبابه، لذا قرر وقتها في سنة الفراغ بين الثانوية العامة والجامعة، التجول في المدن العربية، سبعة أشهر في القاهرة، استثمر خالد وقته فيها، بين العمل في "الأهرام ويكلي"، والتطوع في مركز الجيل بعين الصيرة، وهو مركز يهتم بالعمل المجتمعي، ثم بقية العام كانت من نصيب الترحال بين فلسطين، لبنان وسوريا.
روايات عن أمة العرب
في الخامس والعشرين من مايو، عام 2000، تفاجأ العالم بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، قبلها ببضعة أيام خطت قدمي خالد لبنان لأول مرة، عايش آثار الدمار التي لم تنمحي بعد، كانت بيروت مازالت في طور مرحلة إعادة البناء، أما في فلسطين ففي ذكرى النكبة كان هناك، 15 مايو، قبل الانتفاضة الثانية، لكن حملت الأجواء غضب مكتوم، كم كانت جولة السفر تلك مهمة لدى عبدالله، خاصة فلسطين، التي زارها ثلاث مرات حتى الآن، كيف اختلفت منذ ذلك الحين، لمّا تنفس هوائها للمرة الأولى، بقايا التفاؤل المرتبط باتفاقية أوسلو، الوضع الذي اختلف بعد الانتفاضة "اختلفت كتير، بناء الجدار والاحتلال اللي زاد".
اعتقد خالد أن الدول العربية كلها تتبع مصر، لكن تلك الجولة غيرت الكثير من المفاهيم لديه، خسرت جمال منطقة الحسين مقابل الشام القديمة "كانت أحلى"، كما رأى واقع سياسي مختلف، فخوض مناقشات سياسية أمر مصري عادي، إلا أن نقاشه في سوريا يبعث على القلق، فالنقاش حول "حافظ الأسد"، سرعان ما يجد من يُسكته "يفتكروك مجنون".
أما القاهرة فلخالد علاقة طويلة الأمد معها، تتلون بتغير الزمان والأفكار، في صغره كانت العاصمة هي أوقات تردده أثناء الإجازات المدرسية، بالصيف والشتاء، بالضحك والسمر خلال جلسات ولاد عمه والخالات، تردده على منزلي أجداده في الدقي والجيزة، لذا ظلّت أيام سعيدة يتذكرها خالد مبتسمًا، بعد ذلك تحوّلت لتصبح المدينة التي استقر بها الشاب الثلاثيني، منذ 2008 أصبح الممثل بين مدينتين غرس أقدامه فيهما، ولا يستطيع التخلي عن أيا منهما، القاهرة ولندن.
المجد للسينما المستقلة
يُمكن لسيناريو فيلم أن يُحدث هذا التغيير في حياة المصري البريطاني، جاء آخر أيام المدينة، ليُشّكل علاقة خالد بالمدينة والناس، حيث قابل الأصدقاء الذي أحبهم من مبدعي السينما؛ أحمد عبدالله، هالة لطفي، وابراهيم بطوط، وهي المجموعة التي بدأت موجة السينما المستقلة والبديلة.
في رأيه، التقى خالد بالرفاق الذي أحسّ أنهم من يريد البقاء معهم للأبد، هم الأشخاص الذي لو كان تربي بمصر لكان منهم، من خلالهم استطاع خالد الشعور بأنهم يُكملوه، يعرفون عنهم ما لا يعرفه عن نفسه، عن هويته وتاريخه، وعن السينما التي يريد صناعتها، بقراره البقاء بالقاهرة، كانت علاقته بمصر في طريقها للموت، صارت البلد مبنية عنده على الحنين فقط، وهو ما جعله يريد العيش بالعاصمة، حيث يُجدد المياه بينهما، كان تعرف عبدالله على الأصدقاء الجدد ما شجعه على ذلك أيضًا "من خلالهم رجعت لي مصر بشكل مختلف، طالع مني مش من أبويا ولا جدي".
ومن المسرح تأتي الأضواء
في مراهقته رغب خالد في دراسة الطب، لم يكن ذلك راجعًا لأن والد يعمل بنفس المجال، لكن الأيام خبأت للشاب أماني مختلفة، أولها كان المسرح، حينما عرض عليه مُدرسّه في الثانوية العامة العمل المسرحي الأول، وصفه خالد بالجنون في التفكير فيه كممثل، لكن مع إلحاحه ذهب الشاب البروفة الأولى، شيئًا ما حدث داخل نفسه منذ ذلك الحين، جعله يرى أن هذا هو ما يريد فعله طيلة حياته، يتذكر البروفة في الفصل، الكراسي المنزاحة على الجانبين، بقعة فارغة تكونت في المنتصف، هالة ما أحسها الممثل تجاه تلك البقعة، يقول "بقى فيه مساحة في نص الفصل ولها قواعد غير اللي برة"، كأن هناك تحول يحدث لمن يدخل لتلك المساحة "أول الناس لما تخش جوة فيه شيء بينور"، إحساس التيه الذي شعر به خالد خارج ذلك المربع جعله يقول "هموت وأعرف إيه الحاجة اللي بتحصل جواه".
نجحت المسرحية، ومعها استساغ خالد التمثيل المسرحي، ثُم جاء المدرس الثاني الذي غيّر حياته "فيليب سوان"، وقتها لاقت الأعمال التي اشترك فيها خالد استحسان الصحف الشهيرة، تلك المسرحيات التي عُرضت ضمن أكبر مهرجان للمسرح في العالم، بإدنبرة، وأخرج أول مسرحية له –أحدهم يحرسني لـفرانك مجينس- بعمر السابعة عشر، وفي جامعة كامبريدج درس عبدالله الأدب الإنجليزي، ومعه استكمل عمله المسرحي، وحاز على جوائز عدة، كان ذلك مساره الطبيعي الذي نوى الثبات عليه، غير أن التمثيل السينمائي جاءه كخطوة غير متوقعة، حيث عُرض عليه أول دور له، في فيلم "يونايتد 93".
انقلبت حياة خالد رأسًا على عقب بعد ذلك، فكّر أن حياته كلها ستكون منتمية للمسرح، غير أن السينما قدمت لتغير مجرى مياه النهر للأبد، مثَل بطل "زا كايت رانر" في ثلاثة أفلام هوليدية، يرى عبدالله أن الثلاثة، بشكل من الأشكال، يرتكزون حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فالدور الأول هو لإرهابي عربي في أحداث سبتمبر، أما الثاني فهو أفغاني مقيم بأمريكا يعود لبلده تحت حكم طالبان، والثالث لمترجم في العراق أثناء الحرب "التلات أفلام في حوار مع الواقع اللي كنا عايشين فيه".
كيف تتعلم الأفغانية في شهر
في اليوم المقرر افتتاح فيه فيلمه الأول عُرض على خالد تجربة أداء فيلم "عداء الطائرة الورقية"، عن رواية بنفس الاسم، جاءه السيناريو مكتوبًا بحروف إنجليزية، لكنها الداري-لغة الأفغان، احتاج صناع الفيلم ممثل يتحدث بلهجة أمريكية، لذا وقع الاختيار على عبدالله الذي حفظ السيناريو المقدم له بالطريقة المكتوب بها "مكنتش فاهم الداري ولا ليا صحاب أفغان عشان أعرف أتكلم بيها ازاي".
أدى خالد تجربة الأداء لدور أمير-البطل، والتي أُرسلت كفيديو لمؤلف الرواية، خالد الحسيني، علّق قائلًا "هو لما بيتكلم انجليزي بقول إنه هو دا أمير، إنما لما بيتكلم أفغاني مبقاش فاهم ولا كلمة وأنا اللي كتبت الكلام دا"، قضى الممثل شهر كامل بأفغانستان، أتقن خلالها مفاتيح اللغة التي سهّلت عليه الدور، يعلم عبدالله جيدًا كيف هي الاستهانة بالمشاهدين دون الإتقان "أنا قررت إني هدّي أكتر من كل طاقتي عشان أقل حاجة تحصل إن أي حد من الأصول دي يعرف إني احترمته"، وقد كان، لعب عبدالله الدور بأفضل مما كان، برع فيه، اعتقد بعض الأفغان الذي التقاهم الشاب الثلاثيني بعد ذلك أنه أفغاني بالفعل "ساعدني إني عربي في نطق حرف القاف الموجود عندهم"، في حين أنهم استطاعوا تمييز الإيرانيين المؤدين لدور أفغان لانتفاء حرف القاف لديهم.
تفاعل خالد مع دور السينما في حياته، يرى أنها قامت ببناء الهوية العربية داخله "غير اللي أنا اتربيت عليها"، صار الشاب جزء حقيقي من الشرق الأوسط، هكذا رأى نفسه حينما نجح في تعلم الداري، الفارسي، واللهجة العراقية في فيلمه الثالث "المنطقة الخضراء"، أصبحت له علاقة ببلدان عربية وإسلامية منها المغرب من خلال فيلمه "إطار الليل".
جزء من بناء الهوية العربية داخل خالد كان أحد أسبابها الإحساس بالفقد، شعور ترسّب داخله مع الوقت، منذ أن كان صغيرًا يسافر لجديه بالقاهرة، و كانت شرائط التسجيل هي الوسيلة الصوتية التي توصله بأبويه، لكن دون استقبالهما لصوته هو "كنت وقتها فاهم إن لما اتكلم على الشريط هيسمعوني".
تلك الحالة التي نمت بداخله تدريجيًا إحساس "إني مفصول عن ناس بحبهم"، وهو أمر يرجعه خالد للهوية العربية "دايمًا فيه ناس مسافرة أو مهاجرة"، فالعائلة غير مستقرة بمكان واحد، وهذه الحالة طبيعية كعرب، يُضيف أن مجموع العرب في العالم الكبير، يكاد يكون رُبعهم لاجئين، بالإضافة إلى المهاجرين، تلك القضية التي كانت محور فيلم "إطار الليل"، الذي كان هو بطله.
السينما المصرية.. من الخصام للبطولة
بعد أول فيلمين مثل فيهما خالد جاءه سيناريو أول فيلم مصري يُعرض عليه "آخر أيام المدينة" لمخرجه تامر السعيد، يحكي الممثل علاقته السيئة، إلى حد ما، بالسنيما المصرية، حيث أحبّ الأفلام القديمة، لكنه استاء من الانهيار في مستوى الأفلام، التي شاهدها وهو صغير، لم ير الصورة التي تشعره بالفخر والانتماء لمصر، كما في الأفلام الفلسطينية، حيث يتساوى الواقع مع ما يُعرض على التلفاز، وهو ما لم يجده عبدالله في السينما المصرية، أفلام شعر بسببها "إني مش عاوز أبقى شبه أبطالها ولا هما شبههي".
بينما كانت علاقته بمسلسلات رمضان أفضل، يصف خالد أجواء الأسرة المصرية صغيرًا في انجلترا، فالأحداث الدرامية عابرة للقارات، حملت الجدة على عاتقها تسجيل مسلسلات الشهر الكريم كاملة، وبإخلاص شديد "كانت بتوقف وقت الإعلانات وترجع تكمل تسجيل"، قبل الأقمار الصناعية كانت تلك هي الطريقة التي تتابع من خلالها الأسرة المسلسلات الرمضانية "كان أبويا ياخد المسلسل طقة واحدة ودا كان ألذ".
وجد خالد في سيناريو فيلم آخر أيام المدينة "حاجة مختلفة"، كان من المتوقع الانتهاء من تصويره في غضون ثلاثة أشهر بعام 2008، لكنه امتد إلى سنتين، يعلم خالد الآن لماذا السينما العربية ليست في مستوى مثيلاتها الأجنبية، يكمل خالد حديثه عن الصعوبات التي يواجهها صانعو الأفلام المستقلين، فالفيلم الذي بدأ تصويره في 2008 قد انتهى بنهاية عام 2010، وعرضه الأول يتم حاليا بمهرجان برلين.
كانت الأيام الأخيرة بالمدينة بالفعل، فالفيلم الذي تجري أحداثه بين خمسة مدن؛ القاهرة والإسكندرية وبيروت وبغداد وبرلين، وقعت أحداثه في وسط القاهرة تمامًا، المكان التي اندلعت منه شرارة ثورة الخامس والعشرين من يناير، كانت كاميرا الفيلم أشبه بالتقاط لحظة تاريخية بالفعل، حيث صوّرت لتفاصيل القاهرة قبل الثورة، وكأن زمن جديد بدأ بعد الانتهاء من التصوير.
خالد في صفوف الثوار.. ذلك أفضل كثيرا
يحكي خالد علاقته بالثورة، فمع بدأ التظاهرات يوم 25 يناير، استمر الشاب في قلقه على مسار الأحداث "كان الأهم يوم 26 مش 25" وبالفعل استمر المد الثوري، فباستمرارها ليوم إضافي حتمًا يجعل الأمر مختلفًا، وفورًا حجز طائرته لتقلع من لندن يوم 27 يناير ليصل في فجر جمعة الغضب 28 يناير حيث حجز مكانه في صفوف الثوار، والتي ظهرت بعض من لحظاته في فيلمه "الميدان".
لا يرى خالد بقاؤه في مصر قرارًا جنونيًا، هو يريد البدء من هنا، يريد سيرة مهنية عالمية في مجال السينما تنطلق من القاهرة وليس من لندن، بينما يرى من حوله قراره هذا غير صائب، هو نفسه يتحدث عن حال السينما الآن بحزن "هناك في هوليوود بيصرفوا في أسبوع اللي ممكن نصرفه هنا على فيلم واتنين!".
ربّت الثورة بنفس خالد أنه رغم الإحباطات يُمكن أن يُطلق على جيله "الأبطال"، في تحمله المسئولية "مشاكلنا عشان تتحل هتاخد عمرنا وعمر أطفالنا، لو بدأنا من انهاردة، وده اللي كل جيل الشباب اللي شارك في الثورة عارفه ومؤمن بيه"، يُحلل خالد فعل الثورة فيراه أنه بداية الإنقاذ وليس النجاح بحد ذاته "الثورة بتبقى علامة على فشل الواقع اللي أنا عايشه بكل حاجة فيه هو مبني على شيء لازم أزيحه".
أبشع ما خلّفه نظام مبارك في نفوس المصريين هو "مش هينفع.. مش هنقدر"، يقول خالد إن الفساد ليس فقط في نهب الأموال ولكن أيضًا في بث اليأس في نفوس المصريين؛ إنه مهما اجتهد شخص أو كافح ليتعلم فلن يجني أي شئ لأن "كله محصل بعضه"، جزء من مشاركة خالد في الثورة كانت التوثيق، من خلال مشروع "مصرين"، فالكاميرا تلك الأداة التي عاشت لحظة ثورية، استطاعت أن تنقل جزء من التاريخ "هي لحظة بتبان فيها حاجات كتير كانت مستخبية، وبتنقل لحظة حياة ناس عايشين"، نقل توثيق "مصرين" فيديوهات عديدة عن الاحتجاجات خلال ثلاثة أعوام من عمر الثورة.
لسة الأماني ممكنة
يرى خالد الأفلام التي مثل فيها هي نبض المنطقة، حكاية آخر خمسة أعوام من تاريخ الوطن العربي، لديه أربعة أفلام قادمة لتعرض بداية من العام القادم، وكعادته فأفلامه تحمل قضية ما، فعلى سبيل المثال فيلمه "Tigers" أي النمور، يحكي عن قضية شائكة تخص لبن الأطفال في السبعينيات، فيها تم اتهام شركة عالمية، ولكن نظرًا للتلاعب في القوانين أفلتت الشركة من العقوبات، تدور أحداث الفيلم في باكستان، واجه الفيلم صعوبات عديدة في إنتاجه لأنه يتحدث عن شركة بعينها مما جعل الشركات الكبرى تخشى المشاركة في إنتاجه.
يبحث خالد الآن عما يرويه، عن صناعته هو لفيلم جيد يُضاف للسينما المصرية، يضع نفسه أمام ورقة بيضاء، يجلس أمامها ليبدأ الكتابة وعندما تحين اللحظة سيكتب ويخرج الفيلم الذي لطالما حَلُمَ به، تلك هي الفائدة التي تعود من صعوبة إنتاج الأفلام في المنطقة، لأنها تضطر محب السينما لعمل ما يؤمن به فقط.
فيديو قد يعجبك: