مستشار بهيئة قضايا الدولة وضعت قانون لمكافحة الفساد فهل من مجيب؟
كتبت-إشراق أحمد:
انهت عبير فؤاد الغوباري دراسة الحقوق بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، عملت مستشار بهيئة قضايا الدولة، لكنها ظلت متمسكة بالدراسة، انجزت الماجستير في فترة وجيزة، وتفرغت للدكتوراه، فما كانت إلا ثلاث سنوات وانهتها هي الأخرى بتقدير جيد جدا.. طريق يبدو تقليديا، ينتهي بنسيان رسالة بحثية بين عشرات مثلها بالأدراج، لكن الشابة العشرينية العمر قررت تغيير الدفة، أرادت ترك بصمة فعلية وإن لم تر حصادها، فبدلا من التوصيات النظرية، ألحقت دراستها بنصوص مشروع قانون لمكافحة الفساد، خرجت للنور قبل أيام، لتدفع نادي مستشاري قضايا الدولة، للعزم على إرسال نسخة منه لمجلس النواب.
أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية لمكافحة الفساد عام 2003، غير أن مصر صدقت عليها عام 2005، ومنذ ذلك الحين لم يُصدر قانون عملا بذلك التصديق، وهو ما أثار حفيظة "عبير"، فضلا عن قلة المراجع والدراسات القانونية الجنائية في مكافحة الفساد، والحديث المتكرر عن الفساد دون فعل، كل ذلك منحها العزم للعمل على دراسة بحثية تصل لتفسير هذا "السنين اللي فاتت أكدت قد إيه أحنا في أمس الحاجة لقانون بيجرم صور الفساد في مصر".
31 مادة وضعتها صاحبة رسالة دكتوراه "المواجهة الجنائية للفساد" في مشروع قانون، تقول إنه يلائم الأوضاع في مصر، التي وجدتها مختلفة عن البلاد المطبقة لقانون مكافحة الفساد "أحنا الفساد مستشر في كل قطاعات الدولة"، لذا أصرت على وضع صور مغايرة عن المعروفة بالقانونين، تشمل الفساد السياسي، موقنة بأن "لو قدرت اضبط الفساد في مجتمع الساسة هقدر اظبط كل القطاعات".
لم تفصل "عبير" الواقع عن نصوص القانون المقترح، فوضعت نصب عينيها دائرة الفساد المحيطة بها ذاتها في كافة الشؤون، والتي لم تخلُ رسالتها منها، لذا جعلت أولوية هدفها من الرسالة ومشروع القانون، هو تعظيم لفظ "الفساد" في النفوس، ليصبح وصم على من ارتكب الجرائم.
الرشوة الانتخابية، البلطجة، التمويل الخفي للأحزاب وغيرها.. صور لجرائم ضمتها المستشار "عبير" في مشروعها القانوني المقترح، ولم تغفل وضع جرائم مثل تهريب الأثار، والاتجار بالمخدرات كجرائم فساد، وكان لهذا جدل مع لجنة مناقشة رسالتها، إذ أن هناك قانون يجرم ذلك، لكنها ترى أن مثل تلك الجرائم لا تقل أثرا وأهمية عن غسيل الأموال "الأثار جزء لا يتجرأ من مفهوم الدولة ولابد يكون المساس به يرقى لمسمى الفساد"، لذا كان لمثل تلك الجرائم الاقتصادية شق مختلف بمشروع القانون.
كل صورة للفساد أضافتها "عبير" في المشروع، كانت لها فلسفة خاصة إلى جانب الحجة القانونية، فعن الاتجار بالمخدرات، رغم إقرار قانون العقوبات لعقوبة الإعدام على تلك الجريمة كما تقول، غير أنها رصدت زيادة في معدلات ارتكابها، مرجعة ذلك لعدم تطبيق العقوبة "القاضي غالبا مبيلجأش للعقوبة القصوى بيهرب منها"، لذا استماتت في وضعها ضمن نصوص القانون، منطلقة من البعد التاريخي، المسجل لاستخدام الاستعمار الانجليزي لزراعة المخدرات كوسيلة لاحتلال الدول، لذا وضعت حجتها بأن تلك جريمة ليست مفسدة للمجتمع فقط، لكن "استعمال للدول الخارجية لإضعاف الدولة" حسب تعبيرها.
المشكلة ليست في ندرة النصوص العقابية كما تقول ابنة حقوق المنصورة، لكن في آلية تطبيقها، في ظل وجود "انحراف تشريعي"، مشيرة إلى قانون العقوبات، الذي نص على عقوبات لصور الرشوة، وغسيل الأموال، الاختلاس، والوساطة والمحسوبية، الاتجار بالنفوذ، تلك الجرائم الواردة بالاتفاقية الدولية، غير أن العلة كما أوضحت تكمن في أن "هناك قوانين تحمي الفساد"، إذ يواجه الجرائم الداخلية، والنصوص المحاربة للفاسد الإداري تطبق بانتقائية "بتطبق على الموظف الصغير لما ياخد عشرة جنيه رشوة لكن اللي بياخد مليار ويهرب بيها منعرفش نجيبه".
يتيح قانون مكافحة الفساد التعاون الدولي للقبض على المجرمين كما تقول "عبير"، وعدم وجوده كان عقبة في العديد من القضايا المهمة خلال السنوات الماضية "زي موضوع استرداد الأموال"، مشيرة إلى أنه رغم تطبيق الدول العربية الأخرى لقوانين مكافحة الفساد مباشرة عقب تصديقها على اتفاقية الأمم المتحدة -المغرب، تونس، العراق، فلسطين، الأردن، اليمن، الجزائر، السعودية- وكذلك ما نص عليه الدستور المصري في المادة 218 "تلتزم الدولة بمكافحة الفساد... ووضع استراتيجية وطنية" غير أن جهة رسمية لم تتحرك من أجل ذلك.
5 جهات رقابية لها اختصاصات مكافحة الفساد "كل واحدة بتتدخل في عمل التاني" لهذا لا ترى مستشار قضايا الدولة فاعلية لتلك الهيئات، فيما تعتبر أن الأمر يحتاج لإجراءات خاصة يجعل لمثل تلك الجرائم مسمى قانوني "يكون في نيابة ومحكمة مختصة لنظر القضايا وقوانين وتعاون دولي"، مؤكدة أن تلك القضية مرهونة بإرادة القادة السياسيين "لو عاوزين يكافحوا الفساد هتتطبق النصوص".
عقوبة قضايا الفساد مختلفة كذلك في المشروع المقترح، إذ ترى "عبير" أن السجن وحده لا يكفي، وكذلك قانون التصالح الجنائي الذي يستغل لحماية الفساد كما تقول، رغم فاعليته إن وُجه لطريق آخر "في مصر بيطبق التصالح عن ضعف وليس عن قوة.. لكن المفروض أبقى اقادر أطبق عليك العقوبة لكن عشان مصلحة البلد أكتفي أني أخد فلوسك مش أقول لك هات كام مليون وتعالى والمتهم عارف أن مفيش قانون هيحاسبه"، مؤكدة أن تلك الوسيلة ذات جدوى خاصة مع الفساد الاقتصادي، مشيرة إلى إمكانية الدمج بين العقوبة الجنائية والاقتصادية "مش هستفيد حاجة لما مجرم يدخل السجن ويطلع يكمل".
قلق انتاب صاحبة رسالة دكتوراه "مكافحة الفساد" مع اقتراب انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب "خفت يناقشوا مشروع قانون فالرسالة تتحرق"، غير أن المشرف على رسالتها، أحمد شوقي أبو خطوة -أستاذ القانون الجنائي والعميد السابق لكلية حقوق المنصورة- الذي تكن له الفضل في انهاء الرسالة، إلى جانب عدد من أصحاب الخبرة، طمأنوها أنه لن يحدث شيء، وهو بقدر ما أسعدها بعد تأخر موعد المناقشة، غير أنه أدخل الحزن والتوجس بنفسها، خاصة بعد إعلان العزم على إرسال نسخة من مشروع القانون لمجلس النواب، "هل ضمن أولويات المجلس مكافحة الفساد؟" تساءلت "عبير" ولا زالت تنتظر إجابة.
أكثر ما تخشاه المستشار بقضايا الدولة ليس التدخل في مشروعها القانوني، والإخلال بنصوصه، بل "الشو الإعلامي" كما تقول، أن يأخذ الأمر بعض الوقت في الحديث عنه، ثم ينفض المولد ويبقى الحال على ما هو عليه.
فيديو قد يعجبك: