مصراوي يحاور الفلسطينية المشاركة في أحدث جهاز لمرضى الشلل النصفي
حوار- إشراق أحمد ومحمد مهدي:
في الحديث عن فلسطين، لا تتوقف الكلمات عن مَن قدموا ولا زالوا يبذلون ما استطاعوا، ليذودوا به عن الأرض المسلوبة، في شتى المجالات يضربون بأيديهم الأبواب، معلنين بقاء موطنهم مادام بنَفَسّ أهله بقية، بين الحين والآخر يبتل الريق بسيرة فلسطيني، يبزغ في الأفق، وهو ما حدث قبل نحو أسبوعين حين أطل وجه ابنة القدس يارا نجدي، بخبر فوز فريق أمريكي بالجائزة الأولى في مسابقة الإمارات الدولية للروبوت والذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان، لتطويره هيكل صناعي لمرضى الشلل النصفي.
جاءت ابنة مدينة سلوان، لتكون العربية الوحيدة بين 12 شخص مثلوا فريق الجامعة الأمريكية UC Berkeley المتخصصة بالهندسة الميكانيكية، في الدورة الأولى للمسابقة، التي كانت بها "يارا"، ضمن فريق العمل الفائز بين 20 عربي ودولي تأهلوا للدور نصف النهائي، في المسابقة التي أقيمت مطلع شهر فبراير في مدينة دبي، وشارك بها 664 فريق من 121 دولة حول العالم.
مصراوي تواصل عبر البريد الإلكتروني مع المهندسة الفلسطينية، المقيمة في أمريكا قبل ست أعوام، لتتحدث عن الابتكار وكيف يخدم الناس، مشاركتها في تلك التجربة، سفرها للخارج، الصعوبات التي واجهتها، ردود الفعل التي تلقتها عقب الجائزة، أحلامها، وطموحها كشابة فلسطينية لم يتجاوز عمرها 23 مُنحت الفرصة لدخول مضمار العلم والتكنولوجيا.
بداية.. حدثينا عن الجهاز الذي شاركت في تطويره وحصل على الجائزة ؟
جهاز الهيكل الاصطناعي أو القدم الذكية، هو نظام هيكلي خارجي متكامل بما فيه من تقنيات متطورة ومعقدة.
وكيف يمكنه مساعدة المرضى؟
يهدف الجهاز إلى تخفيف محنة المصابين بالشلل النصفي حيث يساعدهم على استعادة بعض القدرات التي تم فقدها وهي بالتالي تخفف من الإصابات الثانوية التي قد يصاب بها المقعد كالتقرحات وضمور في العضلات، ويمكن للجهاز أن يُغني عن مراكز التأهيل الحركي التي تحتاج إلى زيارات تأهيلية طويلة المدى، بالإضافة إلى تكلفتها العالية.
هل هناك توقيت محدد لاستخدامه؟
يستخدم خلال فترة زمنية قصيرة هي الفترة التي تكون بين بدء تشخيص الحالة وفترة الشلل الكامل التي تلي الاصابة إذا لم تعالج علاجا سليما.
حدثينا عن شكل الجهاز.
الجهاز شكلا عبارة عن روبوت متحرك، يثبت بالقسم الأسفل من جسم المصاب، ويأخذ أوامره عن طريق الأزرار الإلكترونية بالتحرك إلى الأمام أو الخلف أو الوقوف.
من أين جاءتك فكرة المشروع؟
فكرة الهيكل الاصطناعي أو القدم الذكية نشأت منذ 25 عاما على يد البرفسورKazerooni من جامعة بيركلي UC Berkeley وعلى مدار هذه السنوات كان العمل والتطوير دائمين، وتكللت الجهود بالنجاح في كثير من النواحي.
ومتى بدأ دورك تحديدًا؟
عندما التحقت بالجامعة ذاتها راقت لي الفكرة كون الجهاز إذا ما تم تطويره جيدا سيكون حلا مثاليا للمصابين بالعجز الحركي في الجزء الأسفل من الجسم.. وهذه الحالات كثيرة في محيطنا العربي لما تعانيه المنطقة من ظروف صعبة، وفي عام 2009 حقق الجهاز نقله نوعية ليصبح شبة جاهز لخدمة البالغين الذين يعانون من صعوبة حركية، وقد انضممت لفريق العمل على الجهاز كمشروع متطلب لدراستي الجامعية.
حدثينا عن فريق العمل؟
نحن فريق مكون من 12 مهندس و مهندسة، أصحاب درجات علمية مختلفة: بكالوريوس، ماجستير، ودكتوراه، وكذلك تخصصات علمية متنوعة. منا متخصص بالهندسة الميكانيكية، ومتخصص بالبرمجة بالإضافة إلى استشارة من جامعة ستانفورد الطبية من قبل الدكتورة جيسيكا روز، أي أن فريق العمل فريق متكامل كلّ يطور من جهة تخصصه.
هل هناك ثمة دافع لخوضك تلك التجربة؟
لسبيين أولهما أنني منذ طفولتي أحلم بأن أخترع جهازا يساعد ذوي صعوبات الحركة أو المصابين بالشلل بالتحرك بحرية وممارسة أعمالهم اليومية من مشي وقيام وجلوس وحتى قيادة السيارات دون الحاجة إلى مساعدة خارجية من أحد وكذلك الاستغناء عن الكرسي المتحرك، هو صيت البروفسور كاربوني ورغبتي في العمل معه و التدرب تحت اشرافه.أما السبب الثاني هو صيت البروفسور كاربوني و رغبتي في العمل معه والتدرب تحت اشرافه.
وكيف جاءت الفكرة بالتقدم للمسابقة؟
تبنت الفكرة ودعمتها ماديا شركة SuitX، وعندما علمنا بجائزة الإمارات العربية المتحدة، الروبوتات و الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان، التحقنا بها، وبفضل الله عندما حققنا النصف نهائيات لفئة الروبوتات المتسابقين من أنحاء العالم تم استدعائنا إلى دبي لعرض الجهاز و قدراته. وفي النهائيات تغلبنا على منافسين أقوياء من بينهم جامعة MIT وحصلنا على الجائزة الأولى بالمسابقة وقيمتها مليون دولار ترصد لتطوير الجهاز.
هل توقعتي الفوز بالجائزة؟
كنا على علم بقوة مشروعنا كما كنا على ثقة كبيرة بعملنا، و تأثير هذا الجهاز على الإنسانية و خاصة الأطفال وقدرته على إحداث فرق إيجابي عند ذوي الاعاقات الحركية. لكن كانت المنافسة قوية والمشاريع المنافسة شديدة التطور، مما جعلنا في ترقب مستمر، وزادت حدة المنافسة في التصفيات، وبعد العروض الحية للجهاز وقدراته في مدينة دبي للإنترنت، أثبت الاختراع جدارته وكفاءته وتم اختيارة ليفوز بالجائزة الكبرى.
(فيديو شرح لما يقدمه ابتكار القدم الذكية تشارك به الفلسطينية يارا نجدي كأحد أعضاء الفريق)
متى وكيف تلقيتِ خبر فوزك بالجائزة؟
تم إعلان الفائزين بالمسابقة بعد أن قدمت جميع الفرق عرضها و تم التوصل إلى نتيجة، حيث قدم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء و حاكم دبي الجائزة شخصيا إلى فريقنا.
ماذا عن ردود الفعل بالفوز؟
على الصعيد الشعبي يفوق التوقع، جاءتني التهاني من مختلف أنحاء العالم إلا أن أكثرها تشجيعا من الأخوة العرب الذين أود أن اشكرهم لما غمروني به من دعم. أما بلدي فلسطين والتي لم يغب عن ناظري شعبها طوال فترة دراستي، فتعجز كلماتي عن شكرهم لثقتهم وتشجيعهم لي، وكانت أرفع رسالة تهنئة وصلتني من وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني ومجلس أمناء جامعة القدس المفتوحة ورئيس الجامعة.
تلك الجائزة الأولى التي تفوزين بها؟
هذه أكبر وأعلى جائزه علمية أفوز بها حتى الأن، أثناء دراستي في الولايات المتحدة والتي لا تزيد عن 5 سنوات، لكنني حصلت على جوائز أكاديمية وعلمية أخرى في العلوم والرياضيات، وإن شاء الله الأفكار والمشاريع القادمة تحظى بنفس الدعم.
هل هذا ابتكارك الأول أم سبقه مشاريع أخرى؟
سبق هذا المشروع انضمامي إلى العديد من كبريات المشاريع، خلال دراستي بالجامعة، منها مشروع لتطوير جهاز يهدف إلى التقليل من قوة ارتطام المركبات الفضائية بالأرض أثناء هبوطها، بتمويل من وكالة ناسا الأمريكية. أيضًا محاكاة الفكرة وتبسيطها لتصل إلى طلاب المدارس، ومشروع لتطوير سيارات باستخدام الطاقة الشمسية، ومصغر لقطار يمشي بسرعة تقارب سرعة الصوت بالتحليق فوق السكة ودون ملامستها المسار يدعى الهايبرلوب (Hyperloop)، كما شاركت مجموعتي بمسابقة تكساس لأفضل تصميم بدعوة من سبيس اكس (SpaceX) برئاسة ايلان مسك (Elon Musk) مدير شركتي تسلا (Tesla) و سبيس اكس، إلا أن مشروع "القدم الذكية" أو "الهياكل العظمية الخارجية المتاحة للأطفال الذين يعانون من اضطرابات عصبية " كان أكثرهم تأثيرا عليّ لأهميته المباشرة للإنسانية.
ما الفرق بين ابتكاركم والأطراف الصناعية المعروفة؟
الهيكل الصناعي الخارجي لا يستبدل أطراف الإنسان، كما الأطراف الصناعية، بل يعززها من خلال تحريكها أليا بعد تركيبها فوق أطراف الشخص المستخدم، ويتفوق على الأجهزة الأخرى بسهولة استخدامه وأمانه كما أنه الأرخص سعرا والأخف وزنا مقارنة مع غيره.
لماذا تخصصت بمجال الهندسة، وخاصة تكنولوجيا الروبوتات؟
الهندسة وعلم الروبوتات هو طموحي منذ كنت بالثانوية العامة، درسته لثقتي أن الهندسة الميكانيكية وعلم الروبوتات بالتكامل مع التكنولوجيا الحديثة قادرة على إحداث فرق ايجابي يصب في خدمة الإنسانية.
تدرسين في جامعةUC Berkeley بأمريكا فمتى تركت فلسطين؟
غادرت فلسطين رأسا بعد أن اتممت دراستي الثانوية بالكلية الإبراهيمية في القدس في عام 2010.
ما أكثر الصعوبات التي تواجهها شابة فلسطينية تخوض مجال الابتكار والعلم بالخارج؟
لا يوجد صعوبات بالمعني المحبط، إنما هي معيقات عادية كتلك التي تواجه أي طالب غادر وطنه واتجه إلى بلاد جديدة للدراسة. لكن مَن كان طموحه عال تتذلل المعيقات أمامه، وأود الإشارة إلى دعم والداي والأهل والأصدقاء من الوطن وخارجه، فقد كان له فضل كبير في تجاوز الصعوبات.
بذكر والداك، هم يعملان بالمجال الأكاديمي، حدثينا عن تأثيرهم ودعمهم لك؟
والداي هما الأساس المتين الذي اعتمدت عليه بعد الله، وعملهم في المجال الأكاديمي أثر على نشأتي وإخوتي، الحاصلون أيضا على شهادات علمية عالية في هندسة الحاسوب، فوالدي هو البروفسور سمير النجدي، الحاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة UC Davis، ويعمل حاليا نائبا لرئيس جامعة القدس المفتوحة للشؤون الأكاديمية، وكان المثل الأعلى لي والمرشد والداعم النفسي والمادي، أما والدتي فتحمل شهادة الدكتوراه في الرياضيات وأساليب تدريسها، وتعمل أستاذ مساعد بجامعة القدس أيضا، وقد كانت مصدر إلهامي خاصة أيام الامتحانات أو في آخر أيام تسليم المشاريع حيث تكون الأعصاب مشدودة، دائما كنت اتخيلها بقوة إرادتها أمامي تشجعني وتدعمني.
معروف عن الفلسطينيين تحديهم لكافة الظروف التي يفرضها عليهم الاحتلال، فما أقسى ما واجهتيه في القدس وكان يعطيك دافعا؟
كون بيتي ومدرستي –راهبات الوردية الابتدائية والكلية الإبراهيمية الثانوية- تقعان على مشارف الأقصى، فقد ولدت في مدينة سلوان، وهي محاذية للحائط الجنوبي لسور القدس القديمة، لذا كان الاحتكاك يوميا بين المواطنين المقدسيين وجيش الاحتلال، وقد عايشنا ظروفا صعبة إبان الانتفاضة الأولى والثانية، فالاعتقالات والمضايقات والحواجز كانت يوميه، ولم تزدني المعاناة إلا تحد وعزم للتفوق والنجاح لخدمة شعبي ووطني بما حباني الله من مقدرات عقلية وتسهيلات مادية.
لا يوجد شخص يسعى لعمل شيء جيد ولا يواجه ما يثبط عزيمته، فما هي اللحظات التي شعرت بها بالإحباط؟
لم تكن لحظات إحباط بقدر ما كانت لحظات عمل متواصل ليل نهار، والبعد عن الأهل، كل ذلك يدعو إلى الشعور بالضغط النفسي لكن أبدا لم يكن إحباطا، فبرأيي أن أي خطوة وإن لم تكن ناجحة تماما هي خطوة تقدم نحو النجاح.
في رأيك ماذا تحتاج فلسطين من أبنائها في الوقت الحالي سواء بالداخل أو الخارج؟
فلسطين تحتاج محبة وإخلاص أبنائها وأن يقدم كل منا ما يستطيع في مجاله. فهي بحاجة إلى المهارات والعقول كما هي بحاجة إلى كل من يقف ويدافع عنها في كل الميادين والحقول. هناك الكثيرون ممن يحملون أفكار إبداعية وينتظرون الدعم المعنوي والمادي.
هل توقف العمل على الابتكار أم أن هناك خطوات جديدة؟
نعكف حاليا على تطوير الجهاز ليصبح متوفرا لدى الأطفال الذين يعانون من إصابات عصبية في الدماغ نتج عنها شللا كليا أو جزئيا في القدمين.
ماذا تنوي في الفترة القادمة من حياتك العملية؟
الأفكار كثيرة وما هذه الجائزة إلا خطوة نحو الهدف، وبشكل عام فطموحاتي تدور حول استخدام مهارات الروبوتات لتسهيل حياة الإنسان أينما كان.
فيديو قد يعجبك: