في اليوم العالمي له.. التوحد بين أسرة مصرية وعراقية
كتبت - يسرا سلامة:
في الثاني من أبريل منذ عام 2007، يتضامن البعض مع مرضى التوحد "Autism" بإحياء اليوم العالمي للتضامن معهم، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا التاريخ، للتعامل مع الأطفال اللذين يحملون صعوبة في التواصل مع من حولهم، ومنذ بضع سنوات تداوم "مريم محمد" على رعاية ابنها الصغير "مالك حجازي"، فيما يعاني حسين أنور وزوجته من العراق مع طفليهما الحاملين للمرض، "مصراوي" استمع إلى قصتهما التي جمتعهما المعاناة.
الأوتيزم.. مرض "الصدفة" لأم مالك
بالمصادفة اكتشفت الأم الشابة المرض لدى ابنها، كما كثير من حالات التوحد، يدور الطفل حول نفسه، يقلب أدوات اللعب مثل العجلة، لا يتواصل بالكلام أو يلتفت إلى من حوله، نسبة 41% من التوحد لدى الطفل -وهو ما فسره الأطباء للأم بأنها نسبة مرتفعة- لم يكن كافيًا لاستيعاب مرض ابنها في البداية "كنت فاكرة عنده أنفلونزا وهتخلص"، الرفض في البداية من استيعاب معنى المرض لدى الأم استمر لثلاثة شهور، لتستوعب بعد عدم تحسن حالة "مالك" معنى المرض من البحث والتنقيب.
رحلات لم تنقطع، من طبيب إلى آخر، ذهبت فيها الأم الرؤوم إلى مراكز عديدة في محافظتها دمياط، بعد الطبيب الرابع اطمأن قلبها لحالة الطفل "مقدرش أسيبه لأي دكتور"، وبين مراكز خاصة – في ظل غياب مراكز حكومية في دمياط- تجول الأم مع طفلها، تطرق بابًا للعلاج وآخر للعلم عن المرض الذي يصيب طفل من كل 88 طفل بالعالم بحسب إحصاء للمركز الأمريكية، كيف تستعد كأم للتعامل مع حالة لم تسمع عنها من قبل، "كنت أول مرة أسمع عن مرض التوحد في حياتي"، تكلفة الجلسة الواحدة للتوحد 40 جنيها في المراكز الخاصة، كما تقول إن المركز المتخصص الوحيد للعلاج المجاني يقع واحد فقط في محافظة الإسكندرية.
لم تكن معاناة الأم من البحث عن مراكز للرعاية فحسب، بينما بدا ذلك في تفاصيل صغيرة بصحبة الطفل، مثل صعوبة تعوده على قضاء حاجته منفردًا، صعوبة في الأمر لم تفلح معه محاولات الأطباء، حتى أخذت الأم على عاتقها أن تعوده خطوة بخطوة، حتى انتقل تعلم الفطرة من الأم هو الأساس، ومنذ البداية تبحث مريم عن حلول وعلاجات بعد رحلتها مع فلذة كبدها "باخده معايا للمطبخ ولكل مكان في الشقة، زي ما كان بيعمل بعمل زيه في البداية عشان احمسه، الدكاترة من تحسن حالته قالولي تعالي اشتغلي معانا".
التحسن بقدر 50% تقييمه مريم للطفل ذي الست سنوات، والمقبل على الدخول إلى مدرسة للدمج – تجمع بين أطفال من مرضى التوحد وآخرين أسوياء- بعدما رفضت الأم على مدار السنوات السابقة إلحاق الطفل بمدارس تربية فكرية، فالتوحد ليس مرض عقلي، وتقول إن استجابة ابنها سريعة، ونسبة ذكاؤه مرتفعة، فيما تظهر مدارس الدمج حديثة العهد، لاستيعاب عدد محدد من أطفال التوحد وآخرين، تردف الأم إن في مدرسة ابنتها رأت طفل عرفت إنه مريض للتوحد، انكرت أحد المدرسات مرضه وأخرى اعترفت، تذكر أم "مالك" تلك القصة لما تراه من قبول أصحاب مرضى التوحد في وسط المدارس العادية.
منذ أربع سنوات، وتعكف الأم على التواصل بين العالم الواقعي والانترنت لتطوير أسلوب علاج ابنها، تعرفت من خلال الانترنت على طرق جديدة لمساعدة مالك على الاستجابة، ومنه وجدت أمهات يسرن في نفس درب العلاج، منهن من يخفون حقيقة المرض على من حولهم، ظنًا منهم إن التوحد عيبًا، ولما تراه أمهات أطفال الأوتيزم من معاناة رد فعل من حولهم، فالكثير يخلط بين مرض التوحد والتخلف العقلي "فيه ناس بتنرفزني، بتخرجني عن شعوري، كلمة (يا حبيبي ويا عيني) نفسيا صعبة عليا، أنا في الآخر بشر وبتضايق، ياريت الناس ما تعلقش أفضل من ردود أفعال جارحة" تظهر تلك ردود الأفعال عقب حركات لا إرادية من الطفل في المواصلات أو الأماكن العامة، بصرخة عفوية، أو حركة.
تحمل الأم كل الأمل أن تتحسن أحوال أطفال التوحد في يومه العالمي، تشارك فيه بمشاركة بسيطة تدعمها أحد الجمعيات لرعاية مرضى التوحد، بتغيير صورة البروفايل على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى اللون الأزرق، مساندًة للمرضى، الحملة التي يتبناها عدد من المتضامنين مع مرضى التوحد، من أجل التوعية بالقضية، والتي جذبت - بحسب مؤسس الفكرة- قرابة 11 ألف مشترك من بين أهالي التوحديين، وأيضا دائرة من المهتمين بقضية التوحد.
ويظهر مرض التوحد لدى الأطفال منذ سن الثانية إلى الثالثة من العمر، يؤثر على كيفية التكلم لدى الطفل، وأيضا المهارات الاجتماعية، تصعب استجابة الطفل مريض التوحد، مما يعرف بصعوبة الاستجابة مع الآخرين والتواصل معهم، ويؤثر التوحد أو كما يعرفه العلم باسم "الذاتوية" على سلوك الطفل، وكيفية التصرف في مواقف معينة.
في العراق.. طفلا "حسين" بلا رعاية
لا تفرق الجنسية بين معاناة المرض، ففي محافظة أربيل بالعراق يسكن الأب "حسين أنور"، يكفل ابنه روا "8 سنوات" وبنته نوا "7 سنوات"، الحاملان لمرض التوحد، معاناة أخرى تنزح على الطفلين والأسرة، بعد أن فسر الأطباء الأمر له بسبب زواجه من إحدى قريباته، في كل تلك السنوات لا تترك المعاناة منزل حسين، تحمل القدر الأكبر منها أمهم، "حياتها مدمرة، تعاني من كل شيء، فالأطفال لا يعرفوا قضاء حاجتهم، تنظفهم وتأكلهم وتغذيهم بصعوبة".
مرض التوحد لا يترك طفلي "حسين" بخطوة من التطور، وهذا بسبب عدم وجود مراكز للتدريب وتطوير مهارات وسلوك الأطفال، هذا في الوقت الذي توجد فيه مراكز حكومية وأهلية لكن مدربيها لا يهتموا بالقدر الكافي بالأطفال في العراق، بالإضافة إلى ارتفاع ثمن كُلفة الطفل الواحد، يقول الوالد لـ"مصراوي" "بياخذوا للطفل الواحد ٦٠٠ دولار، يعنى انا مثلا اذا اخلى أطفال بمراكز الأهلية لازم أعطى ١٢٠٠ دولار بالشهر، و انا مرتبى اقل من ٤٠٠ دولار".
منذ أن تسلل المرض إلى البيت العراقي، انقطعت صلة العائلة الصغيرة بالأقارب، واقتصرت الزيارات على مداومة أسبوعية للأطباء، منها أيضا كان الترحال إلى إيران ثلاث مرات للعلاج، يقول الأب أن الزيارة لم تفد الطفلين بشيء، لم تتوقف محاولات الأب والأم لمحاولة تدريب الأطفال بأنفسهم، الأبن "روا" لا يتحدث إلى الآن، ويتوقف طعامه على العدس والشاي، حسبما يقول الأب.
تحرم حالة الطفلين ولوجهم إلى المدارس، وعلى الرغم من أمر مؤسسة اليونيسيف إلى المدارس بالعراق بقبول أطفال مرضى التوحد، إلا أن الأب يقول إنه لا يوجد مدارس تلتزم بهذا الأمر، كما لا توفر الحكومة العراقية أي دعم "مع الاسف الحكومة ما تدعم أى طفل توحدى"، وفي اليوم العالمي للتضامن مع مرضى التوحد لا يحمل الأب إلا أمنية واحدة "أتمنى اشوف كل اطفال المعاقين والمصابين للتوحد قد شفوا، والحكومات تحس بمعاناة الأهالى التوحديين".
لم يقدم العلم حتى الآن علاج نهائي لمرض التوحد، فالطفل المريض يعيش مع مرض التوحد باقي الحياة، لكن تشير تقارير طبية إلى أن الكشف المبكر عن المرض يساعد الطفل أكثر على التعايش مع المرض، والاستجابة الأسرع في كثير من خيارات العلاج، النسبة المتقدمة لدى مالك تفتح أبوابا من الأمل لدى والدته، كما يملأ هذا الأمل كثير من الأسر التي ترعى طفل أو طفلة توحد.
فيديو قد يعجبك: