في "عزاء" حريق العتبة.. غابت الحكومة وحضر "القهر"
كتب- رنا الجميعي ومحمد زكريا:
مازال المشهد أساسه الدُخان والدمار، سيارات إطفاء تتوزع بين أول الشارع وآخره، حواجز أمنية تمنع دخول الناس، لكن منطقة الرويعي لها أكثر من مدخل، أحدها مفتوح لمرور العابرين، يمصمصون الشفاه لرؤيتهم دلائل الحريق الكبير، بين ثلاثة مباني احترقوا عن آخرها، مخازن تفحمت بالكامل، ودخان مازال ينبعث من خلفية أحد العقارات، انتصف اليوم الثالث لحريق العتبة، يقف أفراد الأمن المركزي بجوار الحواجز، بيديهم زجاجات مياه تروي عطشهم في هذا النهار، بينما يقوم رجال الإطفاء والضباط بأدوارهم، لازال أصحاب المتاجر المدمرة يبعثرون نظراتهم في حسرة وأسى، ظهر بينهم شباب يغطون أوجههم بالكمامات، وأيديهم بالقفازات، ممسكين بأكياس سوداء لحمل القمامة المتكتلة بالمنطقة، محاولين المساعدة، لا أثر لمسئولي الحكومة، فيما يحصد الخاسرون بقايا تجارتهم، وينقلوها داخل أشولة بيضاء.
دشّن "أبانوب عماد" فعالية على الفيس بوك باسم "ساعدوا أهل العتبة"، بالفعل تجمّع عدد من الشباب، مصطحبين الأكياس السوداء والكمامات والقفازات لتنظيف المنطقة، استأذن أبانوب من أحد الضباط غير أنه رفض، مُقترحًا عليهم العمل خارج الكردون الأمني، هو ما تم بالفعل، بدأوا بتجميع القمامة المتراكمة بجانب رصيف الشارع، تعيث أقدامهم في مياه المجاري، ويُحاول اللحاق بهم صحفيين ومُصورين، لتسجيل المشهد، قدمت "انجي ممدوح" للمساعدة حالما عرفت، تقوم بإمداد الراغب في العمل بقفازات أحضرتها معها، تُسرع انجي الخُطى وراء الشباب المُتعجلين، غير أنه لم يتسن لها استكمال ما رغبت فيه، حيث جاء أحد التُجّار ليعلن رفضه لوجودهم.
قدم الحاج مُصطفى صالح، صاحب ورشة لم يتضرر سوى الواجهة، مُعلنًا رفضه لوجود الشباب "لما يكون شايل شوال وماشي وراه حد بيصوره يبقى فيه هدف عنده"، حسب رأيه، تجمّع الناس حول الشباب مستمعين لحديث التاجر، يُحاول "عماد" إفهامه أن غرضه المساعدة فحسب، ولا حيلة له في الكاميرات التي تلاحقهم، غير أن الحاج مصطفى لم يقتنع طالما أن هناك "بلدوزر" يُمكنه التكفل بالنظافة في وقت معدود "اللي شالوه دا هييجي يشيله البلدوزر في ثوان"، انفض الجمع، كذلك الشباب تاركين ورائه أكياس محملة بالقمامة.
"أنا عارف إنه شباب متحضر لكن هيتبهدلوا، هيكوموا الزبالة ومش هنستفيد".. هكذا قال الحاج صالح معبرًا عن وجهة نظره في محاولة الشباب، ترّسخ لدى التاجر أن الإعلام لا يأتي بخير "اللي شفناه امبارح إن فيه اعلاميين بيكدبوا"، لذا لم يرغب في وجود أحد يجرّ ورائه وسائل الإعلام، يشرح الحاج مصطفى أن الحريق قدم في وقت سئ بالتحديد قبل شهر من رمضان "طول السنة عندهم أمل يسددوا ديونهم في رمضان"، لذا يتمنى ممن يريد مساعدتهم "يقولوا للحكومة والرئاسة إن القوات المسلحة تساعدنا وتصلح المنطقة بسرعة"، رافضًا أن يكون التعويض "5000 جنيه" كما أعلنت محافظة القاهرة، "البياع بياخد 100ج في اليوم يعني في الشهر 3000، وأقل محل فيه 10 بياعين، صاحب المحل يروح ينتحر بقى".
جلس الحاج "عبد المنعم صدّيق"، تاجر ملابس وأحذية، جانب الرصيف، ملامحه تُلوح بأسى وحزن، يحكي حينما سمع خبر الحريق وهو بمنشية ناصر، قدم مُسرعًا ليرى ما حدث، النار تأكل المخازن، ولا يلاحقها سوى سيارة مطافي واحدة، حسب روايته، لم يشهد حريق بالمنطقة منذ قدومه عام 1992، سوى حريق صيدناوي، الإثنين الماضي، لم ير أحد من المسئولين يتحدث معهم، فيما يستنكر بقوله "الحكومة هتعوض كل حد باتنين مليون يعني"، لا يعلم الحاج "صديق" ما يمكن عمله "إحنا ولا حول ولا قوة".
"محدش هيعوضنا ولا حد هيعمل حاجة بس هما يسيبونا ناكل عيش" يقول محمد عطية بائع أحذية وشنط جلدية جائل، يتحسر على بضاعته بأحد المخازن التى التهمتها النيران "معايا فاتورتين فى جيبى عدوا ال10000"، فيما يتمنى الرجل الأربعينى سداد ديونه "هجيب بضاعة واسدد الى عليا، اللي هيمنعنى يبقى بيقتلنى"، فيما انتقد "هاني" أحد الباعة المتجولين، غياب المسؤولين "مفيش مسؤول نزل أو حد اتكلم معانا"، لكن كل ما يشغل بال البائع الثلاثينى توفير قوت زوجته وأولاده "أنا كنت بجيب 60 أو70 ج فى اليوم دلوقتى هعمل أيه بعد ما الناس بيتها اتخرب".
على الفيس بوك أيضًا كتب "محمود"، وهو صاحب إحدى شركات الملابس، عن رغبته في مساعدة أحد البائعين، بمنحه "تي شيرتات" إضافية عنده "احنا بنعمل دا من وقت للتاني، بيفضل عندنا موديلات زيادة، بنوزعها على الجمعيات الخيرية"، فيما رأى أن الأولوية الآن لأهالي العتبة، وبالفعل توصّل لأحد البائعين متفقًا معه على عدد من الملابس التي سيمنحه إياها دون مقابل.
مازال الدخان يتصاعد منطلقة من إحدى النوافذ لبناية محترقة، فى الأسفل بقايا متفحمة لا يمكن تحديد هويتها من فرط السواد، الماء الناتج عن عربات الإطفاء لم يجف بعد، ووسط تلك الأجواء يتشارك ثلاثة بهمة حمل عدد من أجولة متراصة على الأرض، امتلأت بمنتجات جلدية لم تلتهمها النار بالكامل، "لينا مخزن ومحل ولع، والتلفزيون مش بيجيب الحقيقة" يقول علاء الذى لم يبلغ عامه العشرين، وبوجه ملبد بالسواد وملابس قضى العمل الشاق وسط الرماد على نصاعها، يقاطعة شريكه فى غضب عند السؤال عن إمكانية الحصول على تعويضات تحد من وطأة ما وصفها بالكارثة "بعد ما نخلص هفرش مكاني ولا هيشغلني حكومة ولا غيره"، يقول هذا وهو يقف بجوار محل تعلو واجهته "وعزتي وجلالي لأرزقن من لا حيلة له، حتى يتحير أصحاب الحيل".
فيديو قد يعجبك: