إعلان

"أرواح مُعلقة على جبل الحظر".. مواطنو سيناء تحت نيران الطوارئ

06:50 م الإثنين 23 مايو 2016

 كتبت - دعاء الفولي:

منذ عام خاض "عيد التورباني" طريقه من مدينة العريش وحتى جبل الحلال حيث يقطن، ساعتان أو أكثر قضاهم الممرض ذو الست وثلاثين عامًا بين أحضان الجبال حتى وصل لمنزله ليجده قد هُدم. كانت الطوارئ المفروضة على سيناء منذ 2014 سببًا كافيًا لخروج "التورباني" من منزله بصحبة أسرته، صارت الحياة قاسية لدرجة يصعب معها التعايش، فيما وافق البرلمان الثلاثاء الماضي، على تمديد العمل بالطوارئ ببعض مناطق سيناء لثلاثة أشهر، للمرة الرابعة، تذكر "التورباني" الحسرة التي باغتته حين اختفى البيت "كنت مشيت غصب عنّي بس كان لسة عندي أمل أرجع بعد ما الدنيا تهدى".

أحداث شهر أغسطس من العام 2013 كانت خطًا فاصلًا، إذ أصدر المستشار عدلي منصور حينها قرارًا بحظر التجوال لـ14 محافظة ضمنها شمال سيناء، ولم تنتهِ وطأة الطوارئ منذ ذلك الحين، لكن مستوياتها تفاوتت تِبعًا للحوادث المختلفة؛ فتم تجديدها مرة أخرى بقرار رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، ثم بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ إبريل 2015، الذي جاء في نص مادته الأولى "أن تُعلن حالة الطوارئ فى المنطقة المحددة شرقًا من تل رفح مارًا بخط الحدود الدولية وحتى العوجة، وغربًا من غرب العريش وحتى جبل الحلال، وشمالا من غرب العريش مارًا بساحل البحر وحتى خط الحدود الدولية فى رفح، وجنوبا من جبل الحلال وحتى العوجة على خط الحدود الدولية".

undefined

الطوارئ في أضيق الحدود

بعدما أعلن الرئيس مطلع مايو الجاري، تمديد الطوارئ، تم إحالة القرار إلى البرلمان لمناقشته وفقًا للمادة 154 من الدستور، ورغم موافقة أغلبية المجلس على القرار، إلا أن بعض النوّاب دعوا لضرورة أخذ ظروف المواطنين في الاعتبار، وتطبيق الطوارئ في أضيق الحدود، وتيسير دخول وتداول السلع ونقل المرضى والمصابين، وقد وعد المستشار مجدي العجاتى، وزير الشئون القانونية، بعرض تلك المطالب على الحكومة، والنظر في تعديل مواعيد الحظر خلال شهر رمضان والتي تبدّأ من الساعة الواحدة حتى الخامسة صباحًا بالعريش، ومن السابعة مساءًا حتى الخامسة صباحًا برفح والشيخ زويد.

على عكس "التورباني" لم تتسن لـ "سامح محمد" فرصة ترك مسكنه بالعريش. يعايش يوميًا مضايقات على الكمائن "ممكن ضابط يتنرفز من شكلي فيقعدني جنبه شوية لكن الدنيا بتسلك"، يضطر أحيانًا لتأجيل الخروج من مكان لآخر إذا ما اقترب ميعاد الحظر، فتلك الساعات تكون مسرحًا للعمليات المسلحة حسبما يقول الشاب ذو الست وعشرين عامًا "بالعكس العمليات بتحصل وقت الحظر وبتبقى فرصة أكبر لزرع العبوات".

undefined

يتفهم الطبيب حسام الرفاعي، عضو مجلس النوّاب عن دائرة العريش، حرص الدولة على محاربة الإرهاب، لكنه تحدث في البرلمان عن حق مواطني المحافظة في الحياة بصورة أفضل. المشاكل التي تلاحق آل شمال سيناء عدّدها النائب بداية من صعوبة التحرك، وحتى الاحتجاز نتيجة الاشتباه في إطار الطوارئ أو القتل الخطأ، وأضاف "الرفاعي" في تصريحات لمصراوي أن "الإجراء الأمني في المطلق هو وسيلة لتحقيق الأمان وليس هدف في حد ذاته ولازم يبقى في أضيق الحدود".

مع بدايات تطبيق الطوارئ لم يكن غضب "سامح" كبيرًا، لكن مع عدم حدوث تطور في ردع المسلحين كما يرى، زاد استيائه "الدولة ماشية بخطتها الأمنية من ٢٠١٣ لغاية دلوقتى خساير قواتها الأمنية بتكتر مش بتقل وده أكبر دليل على فشل قانون الطوارئ فى إحداث أى تغيير أمنى".

يعاني النائب "الرفاعي" بشكل أساسي عند عبوره كمين "الميدان"، الموجود بمدخل مدينة العريش "المكان بقى ربع حارة وبنركن بالساعتين عشان نعدي"، وسائل التفتيش المُستخدمة قديمة لا تُساعد على إتمام العملية سريعًا، وأحيانًا يتعدى الأمر مجرد ساعات الوقوف الزائدة، إذ يذكر استيقاف بعض سيارات حاملة لأنابيب الغاز لثلاثة أيام بكمين "الميدان"، بينما حاجة القاطنين بالعريش كانت شديدة لأي مصادر للوقود، حسبما يحكي "الرفاعي".

undefined

تعرض كمين "الميدان" إلى محاولة تفجير في يناير الماضي، كما حاول مسلحون إطلاق نار على الجنود به، لعل ذلك ما يجعل الإجراءات الأمنيّة فيه مُشددة للغاية، لكن ذلك لا يشفع في بعض الأوقات "لو اتأخرت عن ميعادك ووصلت الساعة واحدة تبات على الكمين للصبح.. في حالات مريضة مبتقدرش تروّح عشان الكمين مقفول" كما يقول "سامح"، فيما يظل السفر بالنسبة له من العريش لأي محافظة أخرى عذابًا، يذكر الشاب السيناوي رحلته من العريش للقاهرة منذ أسبوعين، والتي استغرقت أكثر من ثماني ساعات، معظمها على العبّارة والكمائن.

ضحايا الطوارئ

عقب ابتعاد "التورباني" عن بيته بجبل الحلال لم ينقطع عمّا يحدث هناك، فلازالت عائلته تعيش بالمنطقة. الإسماعيلية كانت مُستقر المواطن السيناوي حين رحل أواخر 2014. قبل سفره بأسابيع وقع حادث كان القشة التي قصمت ظهر البعير "واحد قريبنا وقع اتعور في حادثة.. ومات لأن مفيش إسعاف"، بحكم عمله كممرض حاول "التورباني" عمل اللازم لكن دون وجود الطبيب ما كان من الممكن إنقاذه، خطط الأب لأربعة أبناء-أكبرهم عمره ست سنوات- للرحيل "وصل بينا الحال إني مكنتش بعرف أخرج أروح لجاري.. مفروض أعيش في الظروف دي إزاي؟".

منزل الممرض الثلاثيني كان ضمن 12 بيتًا آخر تم دكّهم عقب حادث تفجير كمين كرم القواديس 2014، إذ حدث ذلك نتيجة إقامة كمين آخر يمر بمنطقة سكنه، حسب قوله. لا تأتي مناسبة حتى يُكرر فيها إن ترك منزله كان القرار الأصعب الذي اتخذه في حياته "العمر واحد والرب واحد انا مش مهم بس عيالي ملهمش ذنب"، توالي ضحايا العمليات المسلحة من الجنود المصريين يُصيب "التورباني" بحزن أكبر، لكنه يحمل إثبات آخر -حسب قوله- أن الأمور في سيناء لا تؤول للأفضل، ويبقى المواطنون الأكثر عرضة للخسارة تحت الطوارئ، بشتى الطرق.

"جوز خلتي اتضرب برصاصة طايشة من مجند ومات"، يحكي "سامح" أن ما مرّ به قريبه حدث مع بعض جيرانه بالعريش وأصدقائه من مناطق أخرى بسيناء، وبينما يبقى أعلى سقف للخسارة هو ضياع الأرواح، يلاحق وصم الإرهاب والطوارئ سكان شمال سيناء.

undefined

الوضع ليس قاتمًا في عين حسن الأسطى -القاطن بالعريش- كالآخرين، فعلاقته جيدة بقوات الكمائن "وهما عارفين مين اللي كويس ومين اللي لبش"، أزمة مكان الإقامة في البطاقة الشخصية لم تظهر في السنوات الماضية فقط "من ساعة ما عملت البطاقة من أربعين سنة والحال معصلج معانا في التفتيش عشان احنا منطقة حدودية".

أن تكون سيناوي

في المقابل يعاني الممرض السيناوي "لما بعدي على الكماين في أي حتة في مصر بحس إني من تل أبيب مش مصري"، إذ يبدأ الأمر بالتفرس في ملامح وجهه، أسئلة عن تفاصيل تحركاته، وقد ينتهي باحتجازه لساعات أو أيام في أقرب مديرية أمن، وفي تلك الحالة لا يبقى له سوى الدفاع عن هويته بكلمات أصابته بالملل لفرط تكرارها "والله يا جماعة احنا بنحب بلدنا زيكوا.. انا أهلي حاربوا في سينا ومات منهم ومحدش مبسوط بالموت والبهدلة ومش كل عرب سيناء خونة وجواسيس".

ما يُقال عن أهل شمال سيناء يُصيب "سامح" بالسخرية "مفيش حد بيشوف المسلحين إطلاقاً وأى حد بيتكلم إنهم وسط الأهالى وبيتم التستر عليهم معندوش بـ 2 جنيه مخ فى دماغه"، من جانبه يقول "الأسطى" إن المسلحين لن يظهروا في العلن ولا يتجولون في وضح النهار كما يُروج البعض، يتطلع "الأسطى" لتحسين صورة سيناء قليلًا، فبُحكم عمله في تأجير الشاليهات، يدعو من يعرفهم للذهاب للعريش، مؤكدًا لهم أن من يعيش خارج المحافظة يُضخم الوضع دائمًا.

في ظل الطوارئ، يسعى "الرفاعي" وآخرون لتحسين الوضع الخدمي المتراجع بسيناء كنوّاب بمجلس الشعب، لكن ذلك لا يُلقي بأثره على كلٍ من "الأسطى" و"سامح"، إذ يرى الأول أن نوّاب المجلس "في أجازة من زمان وكل واحد ييجي يقول هعمل لكوا ومفيش حاجة"، بينما لا يؤمن الأخير بأن مطالب نوّاب البرلمان بتضييق حدود الطوارئ والحظر سيؤدي لنتيجة "البرلمان بياخد إجراءات صورية بس عشان يحسسونا إنهم مهتمين".

undefined

لا يمتلك أحد عصا سحرية لحل أزمة الطوارئ في شمال سيناء، سوى رغبات تتبادر لذهن البعض بتخفيف وطأة الوضع بالجلوس لمائدة الحوار، وإن بدا ذلك مُستحيلًا "الدم هيفضل يجيب دم.. واحنا اللي هنفضل ندفع التمن"، يقول "التورباني". رغم أن حلمه بالعودة لازال قائمًا، لكنه بات يعي أن الرجوع للمنزل في ذلك الوضع ومحاولة التأقلم، يستلزم ميولًا انتحارية وليس فقط حس المغامرة.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان