بالصور- "مصراوي" يحاور منقذي سمالوط من كارثة القطار المحترق
كتب- محمد مهدي:
الجو خانق، الساعة الواحدة ظهرًا، وجه ناظر محطة قطار سمالوط يتفصد عرقا، لكنه لم يبرح مكانه على رصيف المحطة، يتابع حركة القطارات في الثلاثاء الماضي، يتأكد من مرورها بسلام، يكسر اعتيادية عمله بالحديث مع مساعده، قبل أن يرى على صفحة وجهه ملامح الذعر، لم يسأل، وجه عيناه سريعًا شطر القضبان ليجد عربة مشتعلة في القطار القادم من القاهرة محملا بالسولار "مدرتش بنفسي إلا وأنا بجري مع الملاحظ أشوف فيه إيه" قالها "أحمد فاضل" ناظر المحطة الذي هرول مع زميله ناحية العربة، في محاولة لإنقاذ الموقف "لو النار وصلت لباقي العربيات كانت هتبقى كارثة وناس كتير هتروح فيها".
دون تفكير، اقترب "فاضل" مع مساعده "محمد عبدالعظيم" من مكمن الخطر، النيران تتصاعد من أعلى العربة، الصراخ من حولهم يصم الآذان، يحاولان الوصول إلى المنطقة المخصصة لفصل العربات عن بعضها، الوقت يمر، ألسنة اللهب تقترب من العربات الأخرى، مساعد السائق يُمسك بعبوات الإطفاء الصغيرة مصوبًا إياها إلى العربة لكنها لم تُجدِ نفعا "نزلنا على الأرض فصلنا العربية عن الجزء الخلفي للقطر" ثم أخبرا السائق بضرورة التحرك بالجزء الأمامي للقطار الذي يضم 5 عربات من بينهم العربة المشتعلة للحفاظ على الأعداد الباقية من الحريق "الوضع كان مخيف.. العربية الواحدة فيها 40 طن سولار".
تحرك القائد بباقي عربات القطار مبتعدًا عن الجزء الخلفي، اللهب يلتهم العربة، الهواء يُزيد من سطوته على المشهد، لم ينتظر الناظر ومساعده التقاط أنفاسهما، انطلقا من جديد ناحية السائق والعربات الباقية، التوتر يملأ الأجواء، انتظار النجدة ورجال الإطفاء رفاهية لا يسمح بها الظرف، يقول محمد عبدالعظيم :"قررنا نفصل العربية عن العربيات الباقية في الجزء الأمامي.. لأن الخطر لسه موجود"، فيما يطالبهم من حولهم من المتواجدين في المحطة من المواطنين الخروج من قَلب الجحيم حتى لا يحدث لهما أية مكروه "الواحد مكنش في دماغه ينفجر ولا يحصله حاجة.. كنت بفكر أنا والناظر ننقذ الوضع ونحمي المكان والناس بس".
بجوار العربة المحترقة من جديد جلسا، انبطح ملاحظ المحطة على الأرض، بحث عن مكمن فصل العربة عن العربات الـ 4، وجده، بدأ في التعامل معه، النيران تتناثر من حوله تسقط بجواره، لا يلتفت، اهتمامه منصب فيما يعمله، ناظر المحطة يساعده بالتوجيه، سنوات عملهما معًا لـ 16 عامًا منحتهما فرصة ذهبية للتفاهم في لحظات الخطر بالنظرة والإشارة والكلمات المقتضبة "شغالين مع بعض من سنة 2000 ومن نفس القرية (أبوحسيبة) في طماي"، أخيرًا تمكن من عملية الفصل، أخرج رأسه من أسفل، سعيدًا، لكن رأى ما ألجم لسانه.
كأنه بركان صغير، لفظت العربة النيران خارجها "طار علينا النار بجازه"، دفع الناظر مساعده المندهش إلى أسفل حتى لا يُمسك به الحريق، غير أنه لم يتمكن من تفادي الكارثة "حتة نار وقعت على ضهري" سقط على الأرض يتلوى، أُصيب ذراعيه ووجهه وظهره بحروق شديدة "ومحمد أتصاب لما زقيته اتخبط في القطر.. بس صممنا نقوم ونتأكد إن العربيات التانية بعدت عن الخطر" بينما سُمع صوت سارينة سيارات المطافي، جاءوا بعد انتهاء الأزمة "أول ما وصلوا، الناس خدوني للمستشفى ومنها نقلوني على المنيا" ذكرها ناظر المحطة برضا.
بالقرب من العربة المثيرة للأزمة، انتظر "عبدالعظيم" حتى انتهاء رجال الإطفاء من السيطرة على الحريق "مردتش أمشي إلا لما أطمن" قاوم آلامه حتى تأكد من مرور الأزمة بسلام "بعدها روحت المستشفى.. جسمي كان مكسر"، وفي المستشفى تلقا الاثنين اتصالات الثناء والاطمئنان من قِبل وزير النقل ومساعديه ومدير هيئة التشغيل وتوافد الزملاء للحديث عن بطولتهما وموقفهما الشجاع "مش منتظرين تكريم أو مكافأة، احنا قومنا بدورنا، والمهم سلامة الناس".
فيديو قد يعجبك: