لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هدم مسرح السلام.. "قفل الستار على الذكريات"

02:07 م الخميس 16 يونيو 2016

مسرح السلام

كتبت-رنا الجميعي:

للأماكن حياة، زمن آخر خاص بهم، بعيدًا عن واقع خارجي، تتولد تفاصيل متجددة دومًا، يصنعها أشخاص وضعوا أقدامهم داخله، بعضهم يُصبح جزءًا من المكان، وهُناك من يعبر به دون أن يبالي بصنع ذكريات داخله، وآخرون يمروا خفيفًا، لا تُغرز آثارهم على أرضه.

مع تداول صور هدم مسرح السلام، بالإسكندرية، حتى توالى معها زخم من الذكريات، حالة من الحنين تسرّبت بين صفحات "السوشيال الميديا"، والتعبير عنها بصورة "البلدوزر" القائم بجوار موقع المسرح المُقام على البحر، مع ذكر المسرحيات التي استضافها منذ السبعينيات وحتى بداية الألفية؛ من مسرحية مدرسة المشاغبين، ريا وسكينة إلى الزعيم.

1

 عشرين عام هو عُمر تاريخ كابتن راجي أحمد مع مسرح السلام، شلة الأصدقاء الذين اعتادوا التجمع هُناك، كان عنوانهم "لما نيجي نقابل بعض نروح على المسرح من غير معاد"، في أيام التسعينيات التي خلت من الهواتف المحمولة، يسرد راجي بداية دخوله "سنة 95 كان عندي 13 سنة، دا أول تعامل ليا مع المسرح".

لم يقتصر المبنى على كونه مُجرد مسرح بالنسبة لراجي، بل على العكس، كان السبب الرئيسي لقدومه إليه هو الالتقاء بأصدقائه، فبالإضافة إلى عرض المسرحيات، انقسم جزء من المبنى إلى كافيتريا و"جزء للبولينج والبلياردو"، صارت هذه الأجزاء تحديدًا مساحة لقضاء الشباب فيه أوقات فراغهم "الكافيتيريا كانت أشبه بصالون ثقافي"، فيها تناقش الأصدقاء بالسياسة وتبادلوا الكتب، وظلّت هكذا حتى لحظة بداية الهدم، حيث يتضح بالموقع الأزرق من خاصية تحديد المكان أن العديد قضى أوقات اللعب به، يملأوه بضحكاتهم وتنافسهم في البولينج والبلياردو.

2

درس راجي بأكاديمية الطيران المدني بالقاهرة، وخلال الأجازات مع عودته مُجددًا إلى الأسكندرية، اعتاد الذهاب مُبكرًا إلى المسرح ليُذاكر هناك، يصف المراقب الجوي المُجتمع الصغير الذي تكون بالمسرح "معظمهم شباب صغير، وفضلت الفئة دي من الناس هي اللي تيجي لحد دلوقت"، نوع من "الأرستقراطية"، حسب وصف راجي، كانت عليه الكافيتريا الخاصة بالمسرح، أرائك يغلب عليها اللون الزيتي، وخشبها بني، كما اتسمت أسعار المشروبات بالزهد.

"أول مكان ابني عمر يلعب فيه".. يحكي راجي كيف ظلّ مسرح السلام مكانه الأول، ليمارس ابنه الصغير اللعب فيه، حيث تأسس بالمسرح ملاهي صغيرة للأطفال، فصارت الأجيال التي كبرت مع الزمن ترافق أُسرها، يتذكر راجي كيف تعاهد مع الفتاة التي أحبها على الزواج في كافيتريا المسرح، وكيف جاءا سويًا بعدما زين إصبعيهما خاتم الزواج عام 2011، حتى رافقه ابنه بعد ذلك "المكان دا كان كل حد فينا بيحلم فيه بحاجة، بنت عاوز يتجوزها أو شغلانة عاوزها، تسعين في المية من الخطط اللي قولناها اتنفذت".

 المسرح.. حياة

بطريق كورنيش البحر في منطقة مصطفى كامل يقع مسرح السلام، وفي أحد العمارات المقامة أمامه تسكن بيان العطار، ولأكثر من عشرة أعوام ظلّ يصل إلى سمعها المسرحيات المعروضة، سواء كانت للكبار أو للصغار، حيث يوجد مسرح للعرائس ملحق بالمبنى، "كنت بسمع المسرحية كل يوم طول ما بتتعرض، ورغم كدا مكنتش بزهق".

كذكرى لصيقة بذهن بيان، تحفظ كيف اصطحب والدها أمها أثناء شهر العسل لمشاهدة مسرحية "الواد سيد الشغال"، ظلّ الأب يقص تلك الحكاية أمام أبنائه، ويتلوها المرة بعد الأخرى، ليصير مسرح السلام جار السكن والذكريات، ورغم صغر عمر بيان التي لم تتعد العشرين عام، إلا أنها شاهدت به عدة مسرحيات منها "دو ري مي فاصوليا"، كما اصطحبت أفراد عائلتها لمسرح الصغار أكثر من مرة، لترى الليلة الكبيرة، وسنوحي.

تناثرت معلومات عن مسرح السلام بموقع "فيس بوك"، لكن لا يوجد عنه معلومات رسمية على شبكة الانترنت، حتى موقع "ويكيبديا" لا يعترف به، وفي تصريح للمخرج "خالد جلال"، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، يقول إن المسرح يتبع القوات المسلحة منذ إنشاؤه، تحديدًا المنطقة الشمالية العسكرية، ولا يتبع الدولة، كما يؤجر لأصحاب القطاع الخاص، غير أن "ديوان المعماريين" نشر عن المسرح على صفحته الإلكترونية، إن المعماري "سمير ربيع" هو من أنشأه، حينها كان يعمل بالهيئة الهندسية وتم تأسيسه بالستينيات.

"بحس إنه حياة وصيف وسياح وناس مبسوطة ولعب للأطفال".. تصف بيان المشهد الذي اعتادت وجوده، لطالما اصطحبت أفراد عائلتها القادمين من الخارج إلى هناك، "أهلي لما بييجوا من برة بيكونوا معلمين الطريق بيه"، شاهدت الفتاة أفلام عديدة خلال السينما الصيفي أيضًا، أربعة أعوام فصلتها عن آخر مرة ذهبت فيها هناك، حيث وصل إلى حالة من التردي "كنت لما أقعد، ايد الكرسي من كتر ماهي مش متصنفرة بتخربش ايدي". 

شاهد راجي مسرحية واحدة هناك "وأنا صغير شفت مسرحية لمحمد نجم مع ماما وجدو"، ظلّ كيان المسرح بحال معقولة حتى بداية الألفينيات، حسب حديث شاب، وخلال عام 2005 تم تجديده "بيضوه وفضل بنفس اللون البينك المعروف بيه، الأنتريه اللي بقعد عليه من زمان فضل زي ما هو بس اتصلح، وفضل المكان بنفس الشكل"، بعد ذلك بدأت حالة من الإهمال تسود المكان، إلى أن وصل لما هو عليه "من برة بقى شكله وحش" يقول راجي، وهو السبب الذي جعل بيان تبتعد عنه "هو مكنش بالشكل دا".

3-(2)

ظلّ كابتن طيار حسن جودة جارًا للمسرح لعشرة أعوام، حتى سنة 2007، شاهد من مسكنه أبطال مسرحية الزعيم في وقت استراحتهم "كان بيبقى فيه مكان ورا المسرح بيرتاحوا فيه"، لكن بالنسبة للكابتن فلم يتعلق به "هو مكنش أثري عشان أزعل عليه"، يرى أنه طالما تردى الحال به فالأفضل هدمه، وبناء شيء أفضل "مينفعش نسيب كل حاجة عشان نفضل عايشين جوة ذكرياتنا".

 بين أروقة الفيس بوك ضمن تداول رواده خبر هدم المسرح، أنه سيتم بناء فندق بدلًا منه، لا يرى جودة أن هناك عيب يقع على ملاك المسرح "ايه المشكلة لما واحد دي تكون أرضه هيهدها ويبني عليها"، تؤكد بيان أن خبر الفندق صحيح "لينا جيران ضباط في القوات المسلحة قالولنا إنه هيتبني فندق بداله".

من غير معاد

"مفيش سكندري محضرش مسرحية ريا وسكينة على مسرح السلام".. تعود دكتورة رجاء الغمراوي، أستاذة الإذاعة والتليفيزيون، بذكرياتها عنه، حينما سمعت عن المسرحية في بداية الثمانينيات "ودي كانت المرة الأولى اللي شادية تمثل فيها مسرح"، حجزت هي وأصدقاء المدرسة الثانوية التذاكر قبلها بشهر ونصف، "كان اقبال رهيب لدرجة إنه كان فيه كراسي خارجية عشان تكفي الناس".

"كنت هبكي لما شفت شكله".. تقول دكتورة رجاء حينما شاهدت المسرح بالفترة الأخيرة، حينما رافقت أبنائها للملاهي المجاورة له، معترضة على خبر الهدم "كل دول العالم بتعمل صيانة دورية"، كما تستغرب التضاد بين رغبة المثقفين في تزويد أعداد المسارح، فيما يحدث العكس.

مع ارتباطات كابتن راجي بعد الزواج، لم يذهب للمكان بشكل يومي كما كان، "أنا بشتغل أسبوع وبأجز أسبوع"، وخلال وقت الأجازة يمر بكافيتريا المسرح، يجلس هناك ليشرب قهوته التي اعتاد عليها، يتصفح الانترنت على هاتفه، حتى التفت ذات يوم ليجد أمامه صديقه الذي لم يُقابله منذ 22 سنة، هدم المسرح يمس راجي كأنه مكانه الخاص "لما تتهدم أماكن زي دي كأنك بتصدر طاقة سلبية لآلاف الشباب".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان