كيف كانت علاقة مصر بإسرائيل على مدى 60 عاما؟
كتبت-دعاء الفولي:
على مدى أكثر من نصف قرن تناوب الرؤساء على حكم مصر. وخلال العهود المتتابعة تفاوتت أشكال العلاقات مع إسرائيل، واختلف توصيفها، بين "الباردة" أو المتأججة بنار العداوة. وفيما لم تتضح بعد نتائج زيارة وزير الخارجية لإسرائيل خلال الأيام الماضية، يظهر تساؤل عما سيؤول له شكل العلاقات بين الجانبين المصري والإسرائيلي بالوقت الحالي.
الحرب تحكم..
قبل العدوان الثلاثي عام 1956، كانت علاقة مصر بإسرائيل قائمة على الترقب. لكن بمجرد إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، صارت إسرائيل هي العدو، إذ شاركت في العدوان الثلاثي على مصر، ثم حرب 67 بين مصر والأردن وسوريا من جهة و دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي انتهت بخسارة فادحة للدول العربية لم تُجبر إلا بانتصار 1973.
لم يعترف "عبد الناصر" بإسرائيل كدولة، ولم يُلمح إلى احتمال قيام تعاون بين مصر وبينها، إذ عرضت عليه دولة الاحتلال مرات عديدة إجراء سلام في مقابل عودة سيناء لكنه رفض، لأن ذلك لم يكن ليحدث بمعزل عن سوريا وفلسطين، لا سيما مع خسائر فاضحة تكبدوها عقب الحرب.
سلام باطنه العداء
كانت حرب 1973 التي انتهت بانتصار مصر على دولة الاحتلال، خير شاهد على حالة عداء استمرت بين الدولتين، في عهد الرئيس محمد أنور السادات، غير أن ما حدث بعد ذلك ربما غيّر نظرة البعض لتلك العلاقات.
في 22 أكتوبر 1973، أصدر مجلس الأمن بالأمم المتحدة قرارا برقم "338"، والذي دعا جميع الأطراف المشتركة في القتال الدائر وقتها "إلى وقف اطلاق النار بصورة كاملة، وإنهاء جميع الأعمال العسكرية فورا في مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار، وفي المواقع التي تحتلها الآن"، غير أن عدم تنفيذ جميع بنود ذلك القرار وعرقلة مباحثات السلام التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية وسيطا فيها بين مصر وإسرائيل، كل ذلك أدى لإعلان السادات عن ذهابه إلى الكنيست الإسرائيلي في نوفمبر 1977.
"إنني ألتمس العذر لكل من استقبل قراري، بالدهشة، بل الذهول. بل إن البعض، قد صورت له المفاجأة العنيفة، أن قراري ليس أكثر من مناورة كلامية للاستهلاك أمام الرأي العام العالمي، بل وصفه بعض آخر بأنه تكتيك سياسي، لكي أخفي به نواياي في شنّ حرب جديدة"، كان ذلك جزء من خطاب الرئيس الراحل، الذي أكد أن رحلته تلك تتعلق بتحقيق السلام العادل بين الطرفين، قائلا: "ولقد أعلنت أكثر من مرة ان إسرائيل أصبحت حدثا واقعا اعترف به العالم".
لم يكن يمر عام حتى وقّع "السادات" مع إسرائيل اتفاقية كامب ديفيد، التي أقرت السلام بين البلدين بشكل واضح، مقابل شروط نصت عليها بنودها.
عقب "كامب ديفيد" لم يكن يمكن القول إن مصر في مرحلة "صداقة" مع إسرائيل، بل تصالح قوامه المصالح المتبادلة، حسبما يقول دكتور محمد أبو غدير، أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الأزهر، مؤكدا أن العالم وقتها لم يستوعب ما فعله السادات "لولا مبادراته مع إسرائيل لما عادت لنا سيناء كما حدث مع الجولان السورية".
من جانبه يرى دكتور جهاد عودة، أستاذ العلاقات الدولية، أن الفوائد التي حاول "السادات" الحصول عليها من إسرائيل، أثناء المعاهدة، لا تعني نسيان ما حدث في حرب 73 أو قبلها "أحيانا تضطر الدول المعادية لبعضها أن تتحد لأجل المصالح".
مبارك وإسرائيل..
في 14 أكتوبر جاء محمد حسني مبارك لسُدة الحكم، عقب اغتيال السادات. وما أن بدأت مدته الرئاسية حتى بادرت إسرائيل بعرقلة عملية الانسحاب الكامل من طابا، حسب اتفاق "كامب ديفيد"، ما أدى لتشيكل اللجنة القومية للدفاع عن طابا، وكان دورها استعادة طابا عن طريق اللجوء للتحكيم الدولي في سويسرا، وقد نجحت في ذلك حينما اعترفت اللجنة أن طابا مصرية في سبتمبر 1988.
"ربما ما حدث في طابا يُعتبر نقطة جيدة في صالح مبارك" حسبما يقول "عودة". لم تحمل تلك الفترة العداء بين الدولتين بقدر التعامل بطريقة الند بالند، إلا أن فترة حكم "مبارك" طغى عليها ما يُسمى بـ"السلام البارد" بين مصر وإسرائيل، على حد قول خبير العلاقات الدولية.
ذلك السلام لم يكن يحمل ودا أو عداء ظاهرا، وإنما واجبات دبلوماسية فقط بين الدولتين، يُدلل "عودة" على
ذلك بأن "مبارك" لم يذهب لإسرائيل طوال فترة حكمه، إلا خلال جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.
غضب وتعويض
جلبت ثورة يناير معها غضب محبوس في نفوس الشباب من إسرائيل، إذ نادت تظاهراتهم خلال 2011 بقطع العلاقات معها وسحب السفير، وتزامنا مع ذلك كانت خطوط الغاز المصرية الممتدة لعسقلان بإسرائيل يتم تفجيرها مرارا من قبل مُسلحين، وأدى ذلك لحدوث جفاء بين السلطة حينها المتمثلة في المجلس العسكري، وبين دولة الاحتلال التي طالبت فيما بعد بتعويض من مصر قدره 4.7 مليار دولار.
وكان ذلك الجفاء الممتد عبر عامي 2011-2012 قد أعقبه غضب إسرائيلي، ناتج عن وقف تصدير الغاز المصري لها بقرار من الحكومة المصرية في إبريل 2012، ما أدى لرفع أسعار الكهرباء في إسرائيل، كما ذكرت عدة صحف إسرائيلية وقتها كصحيفة "يديعوت أحرنوت". كذلك نوّهت صحيفة "معاريف" أن القرار يؤكد أن القادم من القاهرة سيكون أسوأ.
"مرسي" صديق أم عدو؟
مع بداية فترته الرئاسية، تعهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، بالحفاظ على معاهدات مصر الدولية، ومن ضمنها معاهدة السلام مع إسرائيل. علاقة "مرسي" بإسرائيل لم تتعد مجرد كونها دولة تقبع في الجوار، وكان لا يذكرها اسما في خطاباته بل يُشير لها بكلمات مثل "طرف دولي"، ما أثار غضبا واسعا ضده من الجانب الإسرائيلي والأمريكي، وأوحى ذلك التعامل بعداء رابض بين الرئيس المصري وإسرائيل، إلا أن خطابا تم تسريبه شرح أشياءً مختلفة عن ذلك.
في السابع عشر من أكتوبر 2012، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" خطابا وجهه "مرسي" إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، حمله عاطف سالم، السفير المصري في إسرائيل، وجاء فيه: "لما لي من شديد الرغبة في أن أطور علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ بلدينا، قد اخترت السيد السفير عاطف محمد سالم سيد الأهل، ليكون سفيرا فوق العادة، ومفوضا من قبلي لدي فخامتكم". لكن أكثر ما أثار الجدل وقتها، هو عبارة "عزيزي وصديقي العظيم" التي قيلت بمستهل الخطاب، ما دفع الرئاسة المصرية إلى التوضيح أن نص الرسالة دبلوماسي وموحد على جميع الدول دون تفضيل.
عام من حكم "مرسي" ليست فترة كافية للحكم على شكل العلاقات بين مصر وإسرائيل، كما يرى أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الأزهر، ويضيف "أبو غدير" أن ما يُزيد الحكم صعوبة هو عدم استقلالية مُرسي "فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين لها يد بقراراته بشكل أو بآخر".
فكّر كأنك إسرائيل
"ممتازة" هو التوصيف الذي أطلقه "عودة" على شكل العلاقات الحالي بين مصر وإسرائيل. فقد قال إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يعي أهمية وجود علاقات استراتيجية جيدة "لأن مصر وإسرائيل مشتركتان في محاربة الإرهاب الموجود في سيناء.. فإن لم يتعاونا ستطالهم ناره"، وأوضح "عودة" أن مصر "مضطرة" للتعاون مع إسرائيل، فيما ويستطرد دكتور "أبو غدير" قائلا إن الأذكى هو من يُفكر بعقل عدوّه، ولا يُغلق باب التفاوض على مكاسب قد يستطيع الحصول عليها.
وكانت زيارة الوزير سامح شكري قد أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر البعض أن توقيتها غير مناسب، وقال آخرون إنها "تعبر عن عودة التطبيع مع إسرائيل". وكان الرئيس "السيسي" قد أتى على ذكر القضية الفلسطينية الإسرائيلية في خطاب ألقاه في مايو الماضي، إذ دعا إلى مبادرة سلام بين الطرفين، مؤكدا أن "السلام الدافئ" بين الطرفين لن يتحقق إلا إذا كان هناك مساعي لحل للقضية الفلسطينية.
فيديو قد يعجبك: