إعلان

طوابير اللبن المُدعّم.. رضيع يصرخ على أبواب الحكومة

02:35 م الأحد 24 يوليو 2016

طوابير اللبن المُدعّم

كتب- شروق غنيم ومحمد زكريا:
مقابل أحد مخارج محطة "جمال عبد الناصر" بمترو الأنفاق، أناس تتراص في طابور طويل، على رصيف مزدحم، تعلو أحد جوانبه لافتة كُتب عليها "الشركة المصرية لتجارة الأدوية"، وإشارة لصيدلية تحمل اسم "الإسعاف". عايش "مصراوي" الواقع عن قُرب، في محاولة لتفهم أسباب الزحام، وحاور رجال وسيدات، التزم كل منهم طابوره الخاص، حاملين شهادات ميلاد وأكياس فارغة، في انتظار أن تمتلئ بعبوات ألبان الأطفال، بعد أن تعثّر أغلبهم في الحصول عليها من وحدات صحية وصيدليات تتبع محافظاتهم، فيما لم يجد البعض الآخر مفرًا من الوقوف طويلًا في حر شديد من أجل الحصول على بضع عبوات بأسعار مناسبة لأطفال رضع.

قدِم سيد محمود من محافظة بني سويف بحثًا عن اللبن المُدعّم من أجل طفلته، في صيدلية الإسعاف بالقاهرة، حيث لا يجد اللبن المُدعّم في مراكز صحة المحافظة. "بقالي 7 شهور باجي الصيدلية هنا، بسافر كل أسبوع عشان آخد حصة اللبن". يحصل محمود على 3 عبوات من اللبن أسبوعيًا، يبلغ أسعارها مجتمعة 54 جنيهًا "السعر غالي عليا طبعًا، بس أرحم من علب اللبن اللي في الصيدليات، العلبة الواحدة بـ60 جنيه".

وفي طابور طويل، يصطف محمود حمدي قرب نهايته، يتبادل الحديث مع أحد الأقارب الذي صاحبه عن الزحام الشديد وارتفاع درجة الحرارة "أول مرة أجيب من هنا".. يتحدث ابن الغربية عن أولى تجاربه مع طوابير اللبن المدعم، لم يعتد مثل ذلك الزحام "كنت بجيبها من طنطا مش مدعمة بـ 81 جنيه"، لا يلتفت إلى معاناة السفر والحر، كل ما يهمه الحصول على الكمية المطلوبة لأجل 4 توائم "بنات بنت خالتي وتعبانين لأنهم اتولدوا بعد 8 شهور". عبء ثقيل تحمله الأسرة طبقًا لـ"حمدي"؛ نتيجة ارتفاع أسعار العبوات "أبو العيال عامل في السعودية وتعبان وحالته على قده".

وتوضح مسئولة بالصيدلية لـ "مصراوي"، إنه بالإمكان الحصول على اللبن من مراكز الصحة في المحافظات، وتضيف: "لازم يكشفوا على الأم الأول، عشان يتأكدوا إن عندها مشكلة في الرضاعة، وبعدين بيصرفوا لها علب اللبن المدعم، العلبة الواحدة بـ3 جنيه، لكن لو صرفت علب من مركز الصحة، مينفعش تيجي تاخد من الصيدلية هنا".

ويفسر محمد فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، سبب الأزمة؛ حيث ترجع إلى تأخر وزارة الصحة في إبرام الصفقة الجديدة للألبان الصناعية، مُردفًا: "هناك مناقصة في شهر يوليو الماضي، رسيت على الشركة المصرية، لكن الوزارة لم تدعمها من أجل إدخال القطاع الخاص، -رغم أن الشركة المصرية هي المنوطة بذلك منذ 40 عام، ثم تقدمت الشركة المصرية في مناقصة أخرى بشهر أكتوبر الماضي، وقدّمت الشركة المصرية 27 جنيهًا لعبوة اللبن، بينما قدمت الشركة الخاصة 31 جنيه للعبوة، ولم تعتمد أيضًا الوزارة هذه المناقصة، إلا بعد تدخل رئاسة الجمهورية، فتم اعتماد 18 مليون عبوّة بدلًا من 21 مليون مثلما حدث في السنوات الماضية، برغم زيادة نسبة المواليد سنويًا".

وأضاف فؤاد لـ"مصراوي" أن إجمالي المواليد في مصر يبلغ 2.3 مليون سنويًا، ويوجد 17% من الأطفال مستحقين للألبان الصناعية، أي أنه من المفترض توقيع صفقة بموجب 30 مليون عبوة لبن، لكن في النهاية تم توقيع صفقة على 18 مليون عبوة فقط، وهو ما أثار الأزمة، متابعًا: "لأول مرة في تاريخ مصر يتم صرف الاحتياطي الاستراتيجي من الألبان، كما يحدث هذه الأيام".

"البطاقة وشهادة الميلاد"؛ هما شروط الحصول على اللبن المُدعّم من الصيدلية. وكل أسبوع يحصل والد أو والدة الطفل على 3 عبوات. هناك مرحلتان، المرحلة الأولى تُصرف للأطفال من الشهر الأول إلى السادس، ويبلغ سعر العبوة 17 جنيهًا، والمرحلة الثانية من الشهر السادس إلى الثاني عشر، ويبلغ سعر العبوة 18 جنيهًا، أما المرحلة الثالثة تُصرف من صيدلية أخرى بالخلفاوي، حسب روايات المصطفين.

نفس المعاناة يتكبدها "عم رمضان" نتيجة قدومه من الفيوم، غير أن انخفاض سعر العبوة مقارنة بسعرها السوقي أجبر عامل البناء على المجيء إلى القاهرة "بجيبها بـ 59 من هناك". قبل ذلك كانت الوحدة الصحية بالفيوم وجهته الأولى "بجيب العلبة من الوحدة الصحية في الفيوم بـ7 ج"، إلا أن تغير الوضع قبل شهر "في رمضان قالولي جه واتصرف، روح اشتكي الحكومة، وأمبارح قالولي مجاش"، لا يعرف الرجل الأربعيني سبب الأزمة غير أنه يتذكر قبل سنتين "كنت بجيبها من أكتوبر لابني الكبير بـ17ج ومن غير طوابير".
في إبريل الماضي أعلن الدكتور أحمد عماد الدين راضي، وزير الصحة والسكان، زيادة منافذ توزيع ألبان الأطفال من 608 إلى 1005 منفذ، وأشار إلى أنه تم مراعاة التوزيع الجغرافي لتكون المنافذ متوفرة بكل إدارة داخل كل محافظة، وأكد أن "المخزون من ألبان الأطفال يكفي لمدة 4 أشهر".

وعن تهافت المواطنين من المحافظات على صيدلية الإسعاف، من أجل صرف عبوات اللبن، يقول "فؤاد" إن "الإسعاف" صيدلية "الشكوى"، بحيث أنها يتوافر بها الأدوية أو الألبان التي يوجد بها نقص، وهو ما سبب كل تلك الطوابير في الفترة الماضية، لافتًا إلى أن الوضع سيختلف من شهر أغسطس المقبل، فالألبان الخاصة بالأطفال من يوم إلى 6 أشهر، لن تكون متوفرة في صيدلية الإسعاف، أو الصيدليات العامة، بل ستكون متوفرة في مراكز الطفولة والأمومة، من خلال ألف ومائة منفذ، وسيتم توزيعها على الأسر بحد أقصى 2 علبة، وبحد أدنى علبة واحدة.

كما أشار رئيس "الحق في الدواء" لـ"مصراوي" إلى أن الوزارة تحاول استدراك ذلك الخطأ، من خلال إبرامها صفقة مع شركة أمريكية، وسيصل أول مليون عبوة لبن صناعي من نوع "إيجي ميلك"، خلال الأيام المُقبلة، وستُطرح في الصيدليات العام بسعر 33 جنيه للعبوة الواحدة، بدلا من الألبان الحرة الموجودة بسعر 50 جنيه، مما يخفف عن المواطن أزمة الألبان المُدعّمة، وارتفاع سعر الألبان الحرة.

ورغم اصطفاف الرجال في طابور طويل، كان للسيدات الحضور الأقل "الحمد الله النهاردة رايق، اليومين اللي فاتوا كان الطابور ضرب نار"، تقول إحداهن، وتضيف: "في رمضان فضلت واقفة لغاية 3 الفجر، وأغمى عليا من الزحمةّ".

إحدى المشكلات التي تواجههن عدم توافر اللبن بعض الأيام، خصوصًا المُقبلات من مناطق سكنية بعيدة عن الصيدلية "أنا جيت إمبارح وقالوا لي مفيش لبن، تعالي بكرة المغرب"، وتردف إحداهن "لما بنتصل على التليفون عشان نعرف نيجي إمتى، نادرًا لما حد بيرد".

بعض السيدات رفضن الحصول على نوعية لبن المرحلة الأولى وهو "نيكتاليا"، نظرًا لحالة أطفالهن الخاصة، بحيث يسبب لهم هذا النوع أثارًا سلبية، ونصحهم الطبيب بعدم تناوله.
"البلد مخنوقة" كلمات عبر بها رأفت علي عن ضيقه وتأففه من الأوضاع، الاصطفاف في طابور طويل لساعات لا يؤثر على عمل صاحب شركة الإلكترونيات الخاصة بمنطقة الخصوص بالقليوبية "بس إللي متوظف هيعمل إيه"، كما لا يمانع تقديم المساعدة للآخرين "اللي مش معاه شهادة ميلاد وعايز علبة ممكن اديهالوا".

على العكس تمامًا واجه محمد اللحامي الوقوف الطويل بالابتسامة والرضا "أصل لو أضايقت هيحصل أيه ولا حاجة، لازم أضحك عشان لو مضحكتش مش هاجي تاني".

فيديو قد يعجبك: