"الثانوية المحبوسة".. حلم دخول الجامعات مرهون "بالكلابش"
كتبت-إشراق أحمد:
التقط طلاب الثانوية العامة الأنفاس، بظهور النتيجة، فمنهم مَن استراح لاقتراب تحقيق هدفه، ومنهم مَن خاب أمله، ورغم إتمام الجميع تلك الخطوة في سبيل الوصول للجامعة، لكن بخلفية المشهد "الموسمي"، كان تأدية الامتحانات والحصول على الشهادة الثانوية بالنسبة للبعض أمل، يكسر به ظلمة المكوث بالسجن. ورغم اختلاف الأجواء إلا أنه بتحقيقهم النجاح، تسير أوراقهم مع نظرائهم إلى التنسيق، الذي يفتح أبوابه اليوم الخميس، يُقدم بعضها دون أصحابها، على أمل اللحاق بالمدرجات الجامعية لاحقا، وأخرى تنتظر لعل يكون المصير بالبراءة على لسان القاضي، محققا لرغبة الامساك بملف الدراسة وتقديمه بنفسه.
بين نحو 19927 طالب بالمرحلة الأولى للتنسيق وفقا لما أعلنته وزارة التربية والتعليم، ينتظر شهاب كمال بين طلاب شعبة علمي رياضة، ومصطفى المهدي بالشعبة الأدبية، تحقيق حلم دخول الجامعة، عله يهون عليهم وأسرهم ما أصابهم بدخول السجن، ورحلة الوصول لهذه النقطة بعد عناء تأدية الامتحانات.
شهاب.. حلم دخول الهندسة "محبوس"
كان "شهاب" في الصف الثالث الثانوي، بعمر 17 عاما، حين قبض عليه بينما بطريقه لدرس خصوصي في مادة اللغة الألمانية "أول جمعة من السنة الجديدة في 3 يناير 2014" يقول شقيقه شريف كمال، موضحا السبب كما أخبره أخيه الصغير، وروايات أخرى بأنه دخل ليصلي العشاء بالمسجد قبل الذهاب للحصة، وهو ما يتسق مع طبيعة الفتى الملتزم دينيا، ليخرج بعد انقضاء الصلاة، ويتم احتجازه فيمن القي القبض عليهم في إطار حملة قرب المسجد حسب قول "شريف".
96,7 % نسبة مجموع درجات "شهاب"، بعد أن اضطر الشاب الذي أتم عامه الـ20 بالسجن قبل نحو أسبوع، إلى تقسيم المواد على سنتين، بعد أن ضاعت عليه الامتحانات بعام القبض عليه "كنا فاكرين إنه هيطلع والأمور مش هتتطور لكده". درس ابن مدينة المنصورة ثلاثة مواد العام الماضي، من بينها ما حصل فيه على الدرجة النهائية، فيما استكمل بقية المواد هذا العام، وكان ضمنها مواد الرياضيات، تخصصه الدراسي الذي لم يتخلَّ عنه رغم ظروف احتجازه، لتحقيق حلم طفولته في الالتحاق بكلية الهندسة خاصة قسم الميكانيكا أو الكهرباء.
مر العام على ابن المنصورة، ما بين العرض على النيابة وتجديد الحبس الاحتياطي على ذمة قضية، يقسم أخيه أنه لا يعلم تحديدا تهمته بها تحديدا سوى قائمة لا تخلو من الانتماء لجماعة محذورة وإثارة الشغب وغيرها، لم يُخيَل لـ"شهاب" وأسرته أن الأمر سيصل للحكم عليه في ديسمبر 2014 بالسجن ثلاثة أعوام، لذا اتخذ الشاب قراره أن ينهي دراسته الثانوية داخل السجن "قولنا له أجلها لغاية ما تخرج لكنه رفض" كما يقول أخيه، مشيرا إلى تفوقه الدائم قبل دخوله السجن، لذا كان متوقعا لأسرته رغم أجواء الاحتجاز أن يستمر في تميزه "شهاب طلع الأول على مدرسته السنة دي" بفرحة عبر شقيقه، مضيفا أن هذا ما انساه مشقة انهاء إجراءات تأدية امتحاناته.
انقضى نحو الشهر حتى الحصول على رقم جلوس خاص بـ"شهاب"، مشاوير لا تنتهي بين المدرسة، الإدارة التعليمة، ومصلحة السجون بالقاهرة، رسوم رسمية وأخرى "عشان الورق يخلص". أكثر ما ارهقه بها النظرة التي يرمقها بعض الموظفين حين يعلمون أن الطالب "مسجون سياسي"، كانت كفيلة بإشعال غضب "شريف" على أخيه، لكنه في الوقت ذاته لا ينسى أخرين حال موظف الإدارة التعليمية، الذي يؤدي دوره "ملوش في أي حاجة وكان بيساعد كل الناس عشان تخلص ورقها"، فمداومة متابعة سير الأوراق هو ما ساعد على اتمامها حتى يؤدي "شهاب" الامتحانات.
مصطفى.. السجن قبل شهر ونص من الامتحان
كذلك الحال مع مصطفى المهدي، فلم تنته إجراءات تمكينه من أداء الامتحانات إلا قبل أيام قليلة من بدأها كما تقول شقيقته آلاء المهدي. قبل نحو شهر ونصف من امتحانات الثانوية العامة قُبض على "مصطفى". "أنا مستقبلي ضاع خلاص" أول الكلمات التي نطق بها لوالده، حين استطاع الاتصال بهم فجر اليوم الثاني من احتجازه، لتعلم الأسرة مكانه بقسم ثان المنتزه –الإسكندرية- وفقا لأخته. كان طالب الفرقة الثالثة بالطريق لحضور حفل زفاف بعد انتهاء حصة الدرس الخصوصي ووضعه لأشيائه بالمنزل، والنزول مرة أخرى، حينها أبصر "خناقة"، لكنها لم تكن عادية كما حكى لهم صديق له رافقه لكنه استطاع الهرب.
مع تحول الأمر إلى قضية، والمثول أمام المحكمة خلال أيام قليلة بتهمة الانتماء لجماعة محظورة والتظاهر دون ترخيص، قام والد "مصطفى" ومحاميه بالسعي لاستخراج اجراءات تأديته لامتحاناته داخل السجن. محاولة ضغط الأم وعائلة مصطفى لتأدية الامتحانات هي ما جعلته يمتثل للفكرة "كان الأول يفضل يقول أذاكر ليه أنا خلاص ضعت.. البلد ضيعت مستقبلي.. مش عايز أبقى حاجة"، قبل أن يصر يوما على تجاوز الثانوية العامة، بل وبمجموع يؤهله للالتحاق بكلية الإعلام.
إحدى "ليالي السمر" بالسجن هي ما دفعت "مصطفى" للرغبة في الالتحاق بكلية الإعلام كما تقول شقيقته، إذ جلس السجناء بقسم ثان المنتزه في إحدى الليالي يتحدثون "تخيلوا لو هيذعوا أخبارهم هتبقى إزاي ومصطفى هو اللي كان عامل المذيع" كذلك أخبر طالب الثانوي المحتجز أسرته، أنه تلك رغبته للكتابة والحديث عن أحوال السجناء، لذا حزن حين علم أن نسبة مجموعه 86,95%.
في مساحة لا تتجاوز الأربعة ×6 أمتار يمكث "مصطفى" برفقة نحو 60 آخرين كما تقول شقيقته، الكتب الدراسية لم يتمكن من الحصول عليها إلا بعد دفع المال لأمناء الشرطة كحال كل ما يريدون إمداده به من طعام وملابس حسب قولها. أما المذاكرة ففي السجن لا مُعين سوى زملاء الزنزانة "معاه جوه دكاترة وناس متعلمة كانوا بيساعدوه".
لكن التحصيل كان خلال نحو الساعة والنصف ينتقل بها "مصطفى" في عربة الترحيلات، من قسم الشرطة إلى سجن برج العرب حيث لجنة الامتحانات ثم يعود مرة أخرى، لتتكرر الرحلة طيلة أيام الامتحانات، مما جعله لا يستطيع الغفوة بتلك الأيام "مكنش بينام تقريبا عشان يعرف يذاكر في الطريق"، وتتذكر شقيقته إحدى المرات التي كان يُطمئن بها والدهم عما أبلاه في الامتحانات، فغلبه النعاس بينما يتحدث.
7 لجان لامتحانات الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، هو ما خصصته مصلحة السجون للطلاب المحتجزين وفقا لتصريح لها يوم الاثنين 6 يونيو المنصرف، دون إعلان عن عدد الطلاب الذين يؤدون الامتحانات لهذا العام، فيما بلغ عدد طلاب الثانوية العامة ممن أدوا امتحانات العام الماضي 200 طالب كما جاء في تصريح سابق على لسان أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية لشؤون العلاقات العامة والاعلام.
بين لجنتي سجن وادي النطرون وطره كانت امتحانات "شهاب"، فإلى الأخير انتقل هذا العام. لم تكن معاناة الترحيل حاضرة لدي ابن مدينة المنصورة، بقدر السجن ذاته، إذ لم يكن متاح له المذاكرة إلا بأوقات معينة، تلزم أن تكون نهارا خاصة مع نظره الضعيف وتحطم نظارته في بعض الأوقات"الإضاءة كانت سيئة جدا وكانوا رافضين دخول الكشافات وحتى الأقلام كنا ساعات بنهربها عشان يذاكر ويمتحن"، غير أن أسرته تمكنت من إدخال "ولاعة بكشاف" هي ما كان يذاكر على نورها "شهاب" كما يقول شقيقه.
كذلك كان دخول الكتب الدراسية يلزم دفع الأموال "كانوا بيقولوا لنا الكتب ممنوعة رغم إنها مدرسية لكن كل مرة بندخل كتابين بالعافية"، وصار الأمر أفضل بسجن طره لوجود مختص بالشؤون الاجتماعية كما يقول "شريف" هو ما كان يسهل دخولها حسب قوله، وكذلك الحال مع التحصيل، إذ كان يعينه على شرح ما يجهله أيضا رفقاء السجن من خريجي الجامعات والأكبر عمرا منه، فضلا عن قيامه بدور الطالب والمدرس معا لتبسيط الأمور على نفسه.
لم يكن كلا من "شهاب" و"مصطفى" وحدهما في محبسهما من طلاب الثانوية العامة، فتقول شقيقة الأخير إن معه أربعة أخرين "اتنين في القسم واتنين بيجوا عليهم وقت الامتحان"، وجميعهم كانت نتائجهم متراوحة بين نسبة الستين والثمانين بالمائة.
"دوخة" الاجراءات
"الأسرة لو مبتجريش ورا ابنها مفيش حاجة بتتم" يقول أحمد المصيحلي رئيس شبكة الدفاع عن الطفل بنقابة المحامين، مشيرا إلى تعقيد اجراءات تأدية الطالب السجين للامتحانات والتعنت بها، "المفروض الموضوع ما ياخدش أسبوع لكن أحيانا أصلا الورق مبيخجرش من مصلحة السجون" حسب قوله، متذكرا حالة لأحد الطلاب من المفترض أن يخرج شهر يوليو الجاري، ففضلا عن عدم تطبيق معاملة السجن نصف المدة القانونية لم يحصل الطالب على رقم الجلوس إلا بعد شهرين من التقديم على الإجراءات، فيما لا يوجد ضمان لإحضار الطالب من محبسه لأداء الامتحان حسبما ذكر.
ويؤكد رئيس شبكة الدفاع عن الطفل أن مصلحة السجون هي المسؤولة عن كافة الإجراءات بدءً من الامتحانات، وكذلك في حالة التقديم لتنسيق الجامعات، فيما يقتصر دور ذوي الطالب على المتابعة بعد انهاء كافة الأوراق المطلوبة، مشيرا إلى دخول أسرة السجين في دائرة لا تقل عن تلك التي تحدث لتأدية الامتحانات، نافيا وجود إحصاء من قبل وزارة الداخلية ولا التعليم عن أعداد الطلاب المحتجزين، ولا محاسبة لمن تضيع عليهم سنوات دراسية بسبب إدارة السجون حسب قوله.
يفتح مكتب التنسيق أبوابه اليوم الخميس، أمام الطلاب، في اليوم الأول للتقديم، فيما لا تدري أسرة "شهاب" إن كان علم بنتيجته أم لا، عبر ما أرسلوه من نبأ مع أهل سجين آخر، حتى يحين موعد زيارتهم له، مطلع الأسبوع القادم، ليتلقف "شريف" من أخيه رغباته، التي لا يخرج أولى مراتبها عن كلية الهندسة، ليتولى إجراءات دخوله الجامعة، حتى خروجه يناير المقبل بعد اتمام أعوام ثلاثة داخل السجن، لعله ينطلق لحياة يأملها، بينما حملت جلسة مصطفى أمس الأربعاء، مصيره باستكمال إجراءات الالتحاق الجامعي وتحديد رغباته إن كانت داخل السجن أم خارجه، لتستقر على الحالة الأخيرة، بعد حكم المحكمة ببراءته، ويصبح الفاصل بينه وتقديم ملفه الدراسي بنفسه ما هو إلا أيام.
فيديو قد يعجبك: