"المظلومين على حِس الثانوية العامة".. أوائل الدبلومات الفنية يتحدثون لمصراوي
كتبت - دعاء الفولي وإشراق أحمد:
في الوقت الذي تتوالى فيه أخبار تسريبات امتحانات الثانوية العامة، وتوشك النتيجة على الظهور، ارتاحت نفوس طلاب الثانوية الفنية بإعلان نتيجة الأقسام الثلاثة-الصناعي والتجاري والزراعي- وحقق بعضهم تفوقا لم يتم الالتفات له كما ينبغي، متجاوزين صورة ذهنية سيئة عن طلاب التعليم الفني، بحصولهم على المراكز الأولى على مستوى الجمهورية بمجموع درجات تجاوزت نسبة بعضها 95%، مصراوي تحدث إلى أوائل الثانوية الفنية، عن صعوبات واجهتهم خلال الدراسة، وأحلام لازالت تنتظرهم عقب انتهاء تلك المرحلة.
عمر.. أول الجمهورية يحلم بالهندسة
كان مجموع عمر شريف بالمرحلة الإعدادية يؤهله للالتحاق بالثانوية العامة "كنت جايب 290 من 300 يعني حوالي 98%"، غير أنه فضل الالتحاق بالتعليم الفني. نصيحة والده بأن يتبع نهج شقيقه الأكبر، واقناعه بأنه الأفضل في توفير فرصة بسوق العمل، فضلا عما يمر به التعليم بالثانوية العامة من مشاكل؛ كلها أمور دفعت الفتى للاستجابة والبحث عن أفضل المدارس التي يمكن الالتحاق بها، فكانت المدرسة الثانوية الفنية لمياه الشرب والصرف الصحي بمسطرد.
أول أمس سجلت نتيجة الثانوية الفنية اسم "عمر" في المركز الأول على طلاب التعليم الصناعي، بحصوله على مجموع 592 درجة من اجمالي 600 درجة، أي بمعدل 98,7%. استقبل ابن بنها الخبر عبر مكتب الوزير مصدوما، حتى أنه أعاد الاتصال بنائب الوزير للتأكد من النبأ الذي كان تحقيقا لحلم تمناه طيلة ثلاثة سنوات.
كان ذهابا وإيابا لا يغيب عن "عمر" أمنية أسرها في نفسه، بأن يكون بين أوائل الجمهورية بالثانوية الفنية، يبذل جهد مضني من أجل تلك اللحظة التي يغير بها نظرة الناس عن طلاب التعليم الفني، يكتم حزنه من كلمات كثيرا ما ترددت على مسامعه من المعارف "دخلت صنايع كده مستقبلك ضاع خلاص"، أحيانا ينفذ صبره فيذهب معاتبا والديه "ليه دخلتوني صنايع"، فيما يلاحقونه بالحث على الصبر حتى ينال ما يريد.
رغم توقع صاحب المركز الأول بالثانوية الفنية بأن يكون بين الأوائل، لما استشعر من بذله الجهد في المذاكرة، إلا أن أول شيء قام به هو إخبار والديه أنهم كانوا على حق حينما طالبوه بالصبر والاجتهاد،"دلوقت الكل جاي يبارك ويقول أنت كنت على حق. كده هيتوفر لك مكان وتشتغل" يقول "عمر" لمصراوي عن رد فعل المحيطين به إزاء تفوقه بعد كان التأنيب هو لسان حالهم.
يقول "عمر" إن الوضع في التعليم الفني مختلف، فلا حاجة للدروس الخصوصية كما المتعارف عليه بالتعليم الثانوي العام حسب قوله، والاعتماد بعد الطالب يكون على المدرس، وإن كان لا يستنكر عدم الاهتمام بالتعليم العام في مجمله، لكنه يشيد بمدرسته، التي يعتبر أنها لعبت دورا في تفوقه، نظرا لالتزام مدرسيها بالشرح وتطبيق ما يدرسونه بشكل عملي "كنا بنروح محطات الماية ونشتغل بإيدينا"، مشيرا إلى أن أقل طالب بمدرسته حاصل بالإعدادية على مجموع 93%، وهو السبب الذي جعله يلتحق بالمدرسة الثانوية الفنية لمياه الشرب والصرف الصحي دون غيرها.
دون تردد يقول "عمر" إنه يريد الالتحاق بكلية الهندسة، محددا هدفه بدخول قسم الكهرباء أو الميكانيكا، معتبرا أن اللحظة التي تكبد من أجلها قطع مسافة لنحو الساعتين يوميا من بنها إلى مدرسته، تمكنه الآن من القول "طلاب التعليم الفني مش ضايعين زي ما المجتمع بيبصلهم".
"دينا".. "بتوع التجارة مش فاشلين"
رفض كبير واجهته دينا إبراهيم، الحاصلة على المركز الأول في دبلومة الثانوية الفنية التجارية، من الأهل حينما أخبرتهم بقرار عدم دخول الثانوية العامة "شايفة نفسي في تجارة وهنجح فيها"، ظلت الفتاة تُردد ذلك لنفسها طوال خمس سنوات قضتهم بالمدرسة "الناس فاكرة إن تعليم التجاري سهل. احنا كان بيطلع عنينا".
13 مادة درستهم "دينا"، بين نظري وعملي. تقول إن الشق الأول يحتاج لتطوير ضخم "المناهج من عشرين سنة متجددتش"، تذكر الفتاة التي درست بقسم "جمارك" أن رسوم دخول وخروج البضائع لمصر اختلفت على مر السنوات "لكن احنا لسة عندنا في المناهج من أيام ما كنت الرسوم جنيه أو أقل"، كما أن الجزء العملي ليس موجودا "أحنا مروحناش زورنا أي جمارك فبقينا بنتخيل الوضع بيتم إزاي على الأرض".
حصلت "دينا" على المركز الأول عن فئة الخمس السنوات في الثانوية التجارية، والسابع على مستوى الجمهورية بمجموع 95.7. وتغيرت نظرة أسرتها كثيرا "عرفوا إن العبرة مش بالثانوية العامة وخلاص". تنوي الفتاة دلوفت كلية التجارة، مستكملة مسيرتها من النجاح، وسائرة على درب أختها الأكبر التي سبقتها بنفس المجال، وكانت سببا رئيسيا جعلها تُحبه أيضا.
"مصطفى".. في انتظار دخول "الهندسة"
لم يكن يريد مصطفى محمود أن يكرر تجربة أخيه الأكبر مع الثانوية العامة "دخلها ومتبسطش". أراد الشاب أن يخوض رحلته الخاصة مع الثانوية الفنية، ويتخصص في برمجة الحواسيب.
خلال خمس سنوات قضاها "محمود" بالمدرسة الفنية التجريبية لتكنولوجيا المعلومات، وضع نصب عينيه هدف وحيد "إني أدخل كلية هندسة"، لذا لم يتنازل عن ترتيبه بين الأوائل في الدراسة "سنة رابعة وتالتة كنت طالع التاني"، لا ينفي ذلك الصعوبات التي واجهها الشاب، ففضلا عن آراء تُقلل مما يفعل، كانت المواد الدراسية لا تؤهله لسوق العمل بشكل كبير.
مكالمة تلقاها "محمود" أول أمس من وزير التربية والتعليم زادته أملا أن يدلف الكلية التي يريد، إذ أبلغه بحصوله على 97.9 %، ليكون بذلك الأول على فئة دبلوم الدراسة الفنية الصناعية، نظام الخمس سنوات، إلا أنه حتى الآن لا يعرف هل سيتم تكريمهم أم لا "محدش بلغني بحاجة".
"محمد".. صديق الكيمياء المتفوق
فرص العمل هي ما دفع محمد جمال أبو الفتوح، الخامس على الجمهورية، لدلوف التعليم الفني الصناعي، وتخصص في فئة "الانتاج الحربي"، فثمة تعيينات يحصل عليها الخريجون تابعة لمصانع القوات المسلحة. مع بداية الدراسة أبهره وجود أقسام جديدة بمدرسته، تم افتتاحها منذ سنوات قليلة "قسم كيمياء.. رسام صناعي.. سباكة معادن.. cnc ودة قسم بيدرب الناس تشتغل على الآلات مش بإيدها".
كان "أبو الفتوح" خارج المنزل، حين اتصل به والده مُخبرا إياه بنتيجة الثانوية "جبت 96.3%"، ورغم فرحته إلا أن "أبو الفتوح" انتظر ذلك الخبر بعد اجتهاد ثلاث سنوات في الثانوية الصناعية، فئة الإنتاج الحربي، حتى أصبح الأول على تلك الفئة، والخامس على مستوى الجمهورية بالنسبة للتعليم الفني.
وقع اختيار الشاب على قسم الكيمياء، الذي يؤهله ليكون فني بمعمل، لكنه لم يتوقف عند ذلك الحد، فقرر أن يدرس المواد الخاصة بمعادلة الثانوية العامة، التي تؤهله لكلية الهندسة قسم كيمياء "كنت بذاكر المواد بتاعتي والفيزياء والكيمياء والانجليزي بتوع الثانوي"، وجد "أبو الفتوح" فروقا ضخمة بين مناهجهم ومناهج الثانوية، فالثانية أصعب بمراحل حسب قوله "احنا بناخد قشور من المواد العلمية لأن دراستنا معتمدة على العملي أكتر لكن هما بيدرسوا تفاصيل كتير جدا".
الشق العملي في دراسة "جمال" كان هو الأفضل "كنا يومين ونص نظري ويومين ونص عملي بنطبق اللي درسناه"، لاسيما وأن المناهج التي دُرست له تابعة لوزارة الإنتاج الحربي بالاشتراك مع التربية والتعليم. لم تخلُ السنوات الثلاث من أزمات، فيذكر الشاب أن امتحان اللغة العربية لذلك العام كان من المفترض أن يُحذف منه أسئلة الأدب والبلاغة بالنسبة لفئة التعليم الفني، لكن فوجئ الطلاب بوجود سؤالين في الفرعين "عليهم 12 درجة"، فلم يحلهما أحد، وكانت النتيجة خصم الدرجة منهم كما علم "جمال" فيما بعد "مع إننا ملناش ذنب إن الوزارة لغتهم ورجعوا في كلامهم تاني"، تلك المشكلات المتعلقة بالمنهج لم تكن ضخمة مقارنة بنبرة الإحباط التي لمسها الشاب في مَن حوله.
"انت بتذاكر ليه يبني.. ده انت صنايع.. كدة كدة مش هتكمل" تكررت تلك الجملة على مسامع الأول على فئة الإنتاج الحربي، سواء من الأصدقاء أو غيرهم، إذ كان البعض يستخفون بقدراته حين يتحدث عن رغبته في دخول الهندسة "بس أظن إن الأوائل أثبتوا إن بتوع الثانوية الفنية مش فشلة واكيد هنعمل حاجة حلوة للبلد". في المقابل كان الترحيب سيد الموقف بعدما ذهب "جمال" لديوان وزارة التربية والتعليم، حيث تم إخبارهم أنه سيتم تكريمهم ولكن مع أوائل الثانوية العامة.
آية.. تركت الثانوية العامة لتحقيق حلمها
أسبوعان فقط مكثت بها آية رضا بالثانوية العامة، قبل أن تقرر التحويل إلى الثانوي الزراعي،لم تعلم حينها أن خيارها هذا سيجعلها بعد ثلاثة أعوام بين المكرمين على مستوى الجمهورية، لبلوغها المركز الأول على مستوى طلاب التعليم الزراعي بنسبة 91,4 %.
"لقيت أننا بناخد دروس في كل حاجة وبنتعب ليل ونهار وفي الآخر نلاقي نفسنا في معهد خدمة اجتماعية أو أداب" لهذا السبب التحقت "آية" بالثانوية الفنية عازفة بإرادتها عن الطريق الذي يتخذه الغالبية العظمى، عاقدة تصورها الخاص "لقيت فرصتي في التعليم الفني أفضل"، وأعانها على ذلك تقبل أسرتها لاختيارها.
ورغم أنه لم يكن أمام "آية" سوى مدرسة فوة الزراعية للالتحاق بها في مدينها بكفر الشيخ، لعدم وجود مدارس ثانوية صناعية خاصة بالبنات في مدينتها، وكذلك عدم رغبتها في الالتحاق بالتعليم التجاري، إلا أن ذلك زادها إصرارا على الاجتهاد للتفوق بدراستها، التي تقول إنها ستظل تفخر بها، حتى بات تغيير صورة التعليم الفني هدف تضعه الفتاة صوب عينيها "عشان اثبت لكل واحد بيقول إن اللي بيدخلوا تعليم فني ناس فاشلة، لأ احنا بنجتهد وبنطلع من الأوائل، وممكن نبقى دكاترة ومهندسين ويكون لنا فرصة عمل أفضل من اللي بيدخلوا الثانوية العامة".
لم تحصل ابنة كفر الشيخ على أي من الدروس الخصوصية إلا في الشهر الأخير "بالمواد التقيلة" كما تصف، وهي الفيزياء والكيماء، التي حرصت أن تدرسهم باختيارها تخصص فني معمل، لحبها للمواد العلمية. وترجع "آية" السبب في هذا إلى المدرسة والمعلمين.
ورغم أن مدرسة فوة الزراعية هي مدرسة حكومية بالأساس، لكن الفتاة تكن الامتنان لكل مَن بها، متذكرة دور محمد حسن الزيني مدير المدرسة، الذي كان يتبنى الطالبات بتشجيعهم من خلال تكريم المتفوقات منهن ودعمهم معنويا بمنحهم جوائز رمزية وماديا "لو مش فاهمين حاجة في المنهج، كان يجيب المدرس في مكتبه ويقعده معانا ويشرح لنا تاني اللي احنا مش فاهمينه".
أحلام كثيرة تراود "آية" لكن أبرزها هي أن تنال لقب دكتورة، إذ تحلم الفتاة بعمل معادلة دراسية والالتحاق بالطب البيطري، رغم اقتصار الرغبات للحاصلين على دبلوم التعليم الزراعي على كلية تربية أو زراعة، لكن تأمل بعد لقائه بالوزير واطلاعه على الأمر أن تتغير الأمور، خاصة وأنه بالتعليم الزراعي يتم دراسة مواد تتعلق بالطب البيطري لذا تعتبر "آية" أن مَن مثلها سيكون لديه خبرة بذا المجال لدراستهم السابقة له حسب قولها.
إلى جانب أمنيتها الشخصية، تأمل "آية" في الاهتمام أكثر بالتعليم الفني، معتبرة أنه بإمكان المتخرجين منه خدمة المجتمع فيما لا يتجاوز أعمارهم 18 عاما "يعني أنا خلصت ثانوية بس ممكن اقدر باللي درسته افتح مشروع منحل مثلا". مشيرة إلى أن مَن لم يستطع الالتحاق بالجامعة يستطيع العمل "يعني مش هيبقى في بطالة" حسب قولها.
بتفوق "آية" في الثانوية كسرت الحاجز النفسي للمحيطين بها عن التعليم الفني كما تقول؛ إذ جاءتها ابنة خالتها الحاصلة حديثا على الشهادة الإعدادية مبدية رغبتها في الالتحاق بالتعليم الزراعي بعد أن كانت من الرافضين بدعوى أن "الثانوية العامة أحسن"، ليتأكد يقين الفتاة أن الاهتمام بالتعليم الفني يحتاج لتحسين الصورة.
فيديو قد يعجبك: