تحويلات المصريين للخارج.. بين "نار" البنك و"التحايل"
كتبت-رنا الجميعي وشروق غنيم:
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر، بسبب انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار، وكل ما يترتب على ذلك من مشكلات يقابلها المصريون بالداخل، فإن المصريين بالخارج، الذي يتراوح أعدادهم ما بين 9 و10 ملايين، يوكّل إليهم مهمة الدعم للوضع الاقتصادي، لكنها نظرة لا يراها كثيرون ممن هم بالخارج، حيث يعيش أعداد منهم مغتربين لتوفير المال لأهلهم ولمستقبلهم أولًا، لينتحي التفكير عن الوطن وشعاراته جانبًا، فيما يلجأ المغتربون لوسيلتين هما البنك والوسيط، الممثل للسوق السوداء، ما يضعهم تحت تعسف الإدارات البنكية، أو لا يلقوا بالًا للأزمة الحالية، ويستطيعوا التربح بشكل أكبر من خلال السوق السوداء.
من خلال عدد من القصص، يروي المصريون بالخارج أساليبهم في التعامل مع التحويلات، والقواعد التي يضعها البنك للقيمة المالية المحولة لمصر.
"أنا براعي ربنا في البلد دي"
يعمل محمود معوض في دراسات الجدوى والتحليل المالي بإحدى شركات السعودية، فيما يحوّل لأهله المبلغ النقدي عن طريق البنك، ورغم أنه يعلم الفارق بين القيمة النقدية المحولة عن طريق البنك، والأقل من التحويل عبر السوق السوداء "يعني لو أنا عاوز أحول 1000 ريال، البنك هيديني 2350 جنيه، إنما السوق السودة هتديني 3100"، لكنه يسير في الطريق الذي يراه صائبًا "أنا براعي ربنا في البلد دي"، ولا يحيد عنه، رغم عمله الذي يجعله عُرضة لمقابلة من يحولون عبر السوق السوداء "كان فيه واحد أدامي محول في ساعة واحدة أكتر من 20 مليون".
يعرف معوض أن القيمة المالية التي يُحولها المصري بالخارج تتحدد حسب وظيفته وراتبه، وكلما ارتفع مرتبه تمكّن من تحويل مبلغ أكبر "يعني لو راتبه 2000 ريال يقدر يحول 10000"، لكن البنك، حسب حديث معوض، يقوم بالاستعلام عن الشخص، إذا ما تكررت عملية التحويل "بس طبعًا محدش بيروح البنك إلا قليل جدًا".
مع تأزم الوضع الاقتصادي لمصر، ظهرت دعوات تُناشد المصريين بالخارج لمساعدة البلاد، ترى فيهم جزء من سُبل الحل لفك الأزمة، خاصة ممن يعتقدوا أن الحال الاقتصادي للمصريين بالخارج أفضل كثيرًا، وهو ما يراه معوض حقيقة "لو كل واحد برة حوّل 100 ريال كل ست شهور هتعمل رقم".
"فوت علينا بكرة"
يختلف عنه في وجهة النظر أحمد عبد الفتاح، الذي يعمل بإحدى شركات الاتصال في الإمارات، لا تفرق معه الطريقة التي يُحوّل بها، سواء بالبنك أو عن طريق وسيط "شهر كدا وشهر كدا"، لكنه يُحاول الالتزام باستخدام البنك لرغبة والده في ذلك "بابا مُصر على البنك عشان الأزمة الاقتصادية، أنا مش مقتنع بس بعمل اللي بقول عليه".
لا يقتنع عبد الفتاح بتلك الطريقة، فقد واجهه تعسف البنك عندما تأهب للسفر خارج مصر "لما احتاجت للدولار وقتها مرضيوش، فبضطر اتصرف، يبقى اقتصاد ايه اللي هشجعه"، يُحوّل الشاب العشريني لأهله مع بداية كل شهر، ولكن مع تأزم الوضع الاقتصادي، صار التحويل في اليوم العاشر في الشهر "لما عرفنا إن سعر الدولار بينزل أول الشهر، لأن كل التحويلات بتتم في الوقت دا، فبقينا بنتأخر".
يُقابل والده على الناحية الأخرى مُشكلة استلام الحوالة، إذا كانت بالدولار "ساعات بيتنحوا، والبنك يقوله معندناش فوت علينا بكرة عشان يزهقوا، وأبويا يقولهم طب خلاص هاتوه مصري"، يقول عبد الفتاح إن تلك الإشكالية لا تحدث دومًا "لما بيكون مبلغ صغير مبتحصلش الأزمة دي".
طوال عام يرسل مجدي عامر، أموالًا من السعودية، حيث يعمل، إلى أهله، هُنا في مصر، عن طريق صرافة أو بنك، يحاول مُساعدة أسرته، ويخفف وطأة الأعباء المادية، فيرسل لهم مرتين في الشهر مبلغًا، وهي الفترة المسموح له بها، فيما تتحدد قيمة المبلغ وفق المُرتب الذي يتلقاه عامر هُناك. يؤثر ذو الثلاثين عام، إرسال الأموال إلى أهله بالدولار "بساعد البلد وبدخلَّها عملة صعبة من غير مجهود، وبساعد أهلي في نفس الوقت"، لكنه يشكو من تعامل البنك المصري مع الأمر، "ساعات بيرخموا على الأهالي ويحاولوا يدولهم الفلوس بالمصري، في أهالي بتصمم تاخد فلوس بالدولار، وفي أهالي غلابة بيوافقوا بعد كلام البنك إن مفيش غير الفلوس دي"، ويستنكر حصول البنك على 3 دولار كرسوم، "أنا هنا بيتاخد مني 20 ريال رسوم، لكن البنك في مصر ياخد رسوم ليه؟ هو يادوب هيسلم أهلي الفلوس".
يضيق "عامر" ذرعًا بالظروف التي دفعته بعيدًا عن الوطن "أنا اتغربت عن أهلي في الأساس عشان الفلوس، وعشان البلد مساعدتنيش في حاجة"، يجد "عامر" في ذلك عزاءً في تبديل أهله للدولار بالسوق السوداء، حتى يكون المبلغ أكبر، معوضًا عن غربة ابنهم، وعن الظروف المعيشية.
ظروف مُشابهة يتكبّدها "محمد حامد"، الذي طار إلى الإمارات، تاركًا ورائه أسرته الصغيرة، من أجل عمل، وغد أفضل "أسرتي اتحرمت من الدعم أو التموين عشان مسافر"، وهو ما دفعه للعمل بشكل مُكثّف، من أجل إرسال مبلغ "محترم" شهريًا إلى أسرته "ببعت عن طريق البنك، بس بالدولار"، يضيف حامد، الذي لا يعبأ بأزمة الدولار الموجودة في مصر، أو دعوات أبناء الخارج بمساندة مصر عن طريق العملة الصعبة، يهتم فقط بسّد احتياجات أسرته، وتهيئة أحوال معيشية جيدة، من خلال الأموال التي يرسلها، لذا فإن "السوق السوداء" ملاذ أسرته لتبديل الأموال، "مهما كان الفرق في الفلوس، أسرتي أولى بيه".
فيديو قد يعجبك: