حكاية "اللي مالهمش ضهر" في قضية رابعة.. 3 أعوام من الحبس الاحتياطي
كتبت-رنا الجميعي وهاجر حسني:
739 متهم داخل قضية واحدة، ظلوا لأكثر من عامين داخل السجون، لم يلقوا القاضي مرة واحدة خلالهم، ليستمع إليهم، حتى كان يوم 12 ديسمبر من عام 2015، لتكون أولى جلساتهم، اشتهرت تلك القضية بأسماء بعض متهميها من بينهم "محمد بديع"، المرشد العام للإخوان، والقيادي بالجماعة "محمد البلتاجي"، إلا أن هناك متهمون آخرون لا ناقة لهم فيها ولا جمل، صودف تواجدهم بالقرب من ميدان رابعة العدوية، حسب روايات ذويهم، لتُصبح جناية في نظر الشرطة، يٌقبض عليهم، ويتواروا وراء القضبان لثلاثة أعوام، ضمن حبس احتياطي تجاوز مدته القانونية، هؤلاء الأشباح بالقضية قرروا جمع بعضهم، وليطلقوا على أنفسهم "مجموعة العشرة.. احنا اللي مالناش ضهر"، هكذا استغاثوا بالصحافة يومًا خلال إحدى جلسات قضيتهم المعروفة باسم "فض رابعة".
تُطالع الأخبار من حين لآخر بقضية "فض رابعة"، التي على الأغلب يتم تأجيلها لأسباب مختلفة من ضمنها تعذر نقل المتهمين، أعمار تُبدد خلف السجون دون حكم نهائي، من بينهم عشرة متهمون حاولوا الاستغاثة لكي يٌسمع صوتهم، عبر رسائل تُنشر بوسائل الإعلام الإليكترونية، من بينها رسالة كُتبت خلال شهر رمضان الماضي "احنا العشرة اللي لسة محبوسين في سجن طرة رغم إن ضباط الجهات السيادية اللي حققوا معانا أكدوا على أن التحريات الأمنية كلها تؤكد براءتنا من أي تورط في عنف، لكن مازلنا محبوسين للشهر ال35 على التوالي، داخل الزنازين لثالث رمضان محرومين من فرحة العيد مع أهلنا"، وبنهاية كل رسالة يُكتب أسماؤهم بالإضافة إلى أرقامهم داخل السجن: أحمد رزق حسين، عمرو محمد زهران، ضياء أحمد عبد الرحمن، أحمد محمد الصفطي، إيهاب محمد الجندي، محمد طه محمود، تامر خميس صياح، محمد السعيد راجح، محمد السيد عبد الغني وأحمد محمد علي، وفي هذا التقرير يستعرض مصراوي قصة أربعة من بينهم.
الصدفة وحدها جمعت بين الأربعة، ايهاب الجندي، تامر خميس، محمد السيد عبد العزيز، وضياء أحمد عبد الرحمن حيث تواجدوا بالقرب من ميدان رابعة العدوية، صبيحة الفض، كل منهم لظروف مختلفة، ليصير يوم الرابع عشر من أغسطس عام 2013، يوم محوري في حياتهم، يختلف بعده عما قبله، ولينتهي كل منهم للقبض عليه، وعدم معرفة أهله لمكانه سوى بعدها بأيام.
يعمل محمد عبد العزيز في محل "اكسسوارات" في طيبة مول، هكذا يحكي شقيقه عبدالله، نزل الشاب العشريني وقتها للعمل لكنه لم يتمكن من ذلك، قبض عليهم أحد الضباط وألقي داخل البوكس، ولم يتمكن أهله من معرفة مكانه سوى من خلال أحد المتهمين برفقته الذي توصل إليهم "عرفنا إنه في قسم في التجمع"، حضروا أمام القسم لكن الضباط أنكروا وجوده بالداخل، أكثر من 1000 يوم قضاهم محمد متنقلًا بين سجن أبو زعبل ثم سجن طرة، وُجهّت إليه 11 تهمة منها "التجمهر واستعراض القوة والقتل العمد مع سبق الإصرار"، خلال الثلاث سنوات وكّل الأهل أحد المحامين للدفاع عنه "خد فلوس كتير ومكنش بيعمل حاجة"، حتى أوصى محمد بألا يستعينوا بأحد "قالنا حرام الفلوس دي على الفاضي"، ظلّ الشاب العشريني يتم التجديد له ب45 يوم دون النظر في قضيته، يستنكر عبدالله "طيب يدوه حكم لكن ميفضلش كدا، قضية ايه اللي بتاخد 3 سنين".
محمد هو الأخ الأكبر لأسرته، وعليه تحمّل مساعدة والده المريض، فبجانب دراسته بمجال نظم معلومات، عمل بأحد محال الـ"اكسسوارات" الشهير، وتمكن من توسعته "بقى له فروع"، لا يحلم الشاب سوى بالسفر للخارج، كما يقول أخيه، "هو معملش حاجة وعاوز يبعد بقى عن البلد دي، على الأقل يبقى فيها عدالة".
يفتقد عبدالله أخاه الأكبر، إلا أن أشدّ ما يجعله يحس بالوحشة، أثناء لعبه الكرة بنادي الإعلاميين، تعوّد أن يكون محمد ضمن مقاعد المتفرجين، لكنه الآن يمارس اللعب في المرحلة النهائية، يرى أهالي زملائه مهللين لهم، فيما تبحث عيناه عن أخيه بين الجمهور، فلا يجده.
ظهرت أولى رسائل العشرة في الرابع من شهر إبريل الماضي، يُطالبوا فيها المستشار "حسن فريد"، قاضي الدائرة 28 جنايات التي تنظر القضية، بالموافقة على دخول ممثلين لهم إلى مكتبه قبل بدء الجلسة "وذلك لبضع دقائق لنعرض مظلوميتنا، ولعدم وجود محام، وحتى المحامين الموجودين لا يعرضوا حقيقة مصيبتنا لأنهم لا يهتمون بأكثر من الشهرة والأتعاب الباهظة جدًا وبالشكليات القانونية فقط لا غير"، كذلك يرغبوا في تخصيص قفص لهم، موضحين أنه لا علاقة لهم بالتجاوزات التي تصدر أثناء الجلسة، خاتمين رسالتهم بأنه "ليس من العدل أو الإنسانية أن يتوقف خروج المظلوم -والذي لم يتورط أبدًا في أي أعمال عنف أو مخالفة للقانون- من خلف الأسوار على احتمال واحد فقط وهو تدهور الحالة الصحية والاقتراب من هاوية الموت".
أكثر من أربعة رسائل بعث بها المتهمون إلى وسائل الإعلام، بإحدى خطاباتهم يُعرفوا أنفسهم بـ"نحن مجموعة شباب لا يزيد عددنا عن أصابع يدك عزيزي القاريء، نعاني بسبب حبس احتياطي في قضية كبيرة، ورقمها 34150 لسنة 2015 جنايات مدينة نصر، وبعد 1000 يوم من دفننا أحياء بدأت محاكمتنا في قضية اعتصام رابعة أمام قاضي لا يعرف عن حالة كل واحد فينا شيئًا"، في كل جواب يُرسله المتهمون يحكون فيه ملابسات القبض عليهم، والتحقيق معهم، يستجدون تأييد الرأي العام لهم، حتى أن إحدى الرسائل كانت بعنوان "ننتحر لكم".
تمكّن ضياء عبد الرحمن بإحدى المرات من الخروج للقاضي، حاول أن يُسمعه قصته وحكاية الشباب العشرة، دقائق قليلة لكنها لم تسعفه لنفاد صوته إلى ناظر الجلسة، تقول شقيقته "نهى"، فالأعداد الكبيرة من المتهمين، وغالبيتهم من المنتمين إلى جماعة الإخوان، يعملون على تصدير حالة من اللغط لا تمكن البقية من الظهور، فيتوارى المتهمون العشرة دون أضواء كاميرات وسائل الإعلام، تغيّر ضياء كثيرا، كما تذكر أخته، "كان عنده أمل، كانت الدنيا لسة أدامه"، رغم أنه خريج الحقوق لم يكن له عمل ثابت، وغير مقيد إلى الآن بنقابة المحامين، لكنه "كان بيسعى، وبيشتغل في العمل التطوعي" حسب حديث نهى، أما الآن فلم يتبقى أي أمل داخل صدره "لما بقوله إنك بقيت مهمل أوي في نفسك، يقولي لما أخرج من القبر اللي أنا فيه".
القدر قاد ضياء لميدان رابعة، عمله بموقع توصيل الكتب "هات وخد" اقتاده لمدينة نصر عشية الفض، ثُم موعد في الصباح جعله ينتظر بالقرب من الميدان بدلًا من العودة والمجيء بعد ساعات قليلة، ليلقاه أحد الضباط ويقبض عليه دون تهمة محددة، لم ينتم الشاب الذي وصل لعامه الثلاثين داخل السجن إلى جماعة الإخوان، فيما تعرّض لضغوط أثناء الحبس لينضم إليهم، مما جعله يختار البقاء بالحبس الانفرادي لعامين ونصف، تضيف نُهى أن التحريات أثبتت عدم انتماء ضياء للجماعة، حسب ما ذكره لها أحد محامين مكتب الحقوقي جمال عيد.
تُحاول نهى الآن الوصول لنسخة من التحريات، حتى يتسن لها تقديمها أمام المجلس القومي لحقوق الإنسان، "الأمان" هو أكثر ما تفتقده الفتاة، "ليا أخ كبير وجوده كان بيحسسني بالأمان"، أما الآن فيقبع هذا الأخ وراء الأسوار لثلاثة أعوام تامة، لم ترى وجهه فيها سوى بضعة مرات.
ضمن هؤلاء المتهمون أيضًا كان تامر خميس، الذي لم يكن يعلم أن قطعه لمسافة قصيرة من مدينة نصر حيث يقطن والعباسية ستكون سببًا في القبض عليه، وقضاءه سنوات بالحبس الاحتياطي، يقول شقيقه محمد، ميول الشاب الثلاثيني السياسية لم تكن قوية، ولم يرغب في المشاركة بالاعتصام، والقبض عليه كان مجرد حظ عثر كما يروي أخوه، كما أن عمله اليومي لن يساعده على التواجد في الاعتصام، ولن يمكنه من التكفل بأسرته "هو بيشتغل سباك يعني بيكسب قوت يوم بيومه، وكمان عنده طفلين 10 سنين و5 سنين".
3 سنوات يقضيها تامر في الحبس الاحتياطي منذ فض اعتصام رابعة العدوية، لم يحضر أي جلسة لمحاكمته خلال العامين الأولين "اتحددله كذا جلسة وكل مرة كان بيجيلهم ورقة في السجن بإنها اتلغت وتم التجديد 45 يوم تاني"، ويعاني تامر ما يعانيه أمثاله من المحتجزين على ذمة قضايا سياسية فيقول شقيقه "احنا بنزوره كل 15 يوم أو 3 أسابيع والله أعلم باللي بيحصل جوه، بس أوضاعه الصحية سيئة"، بالفعل تعرّض تامر لأزمة صحية بالكبد، مما اضطره لعمل عملية.
حتى الآن فإن الوضع القانوني لتامر غير واضح المعالم فمنذ القبض عليه وهناك شبهة خطأ في الإجراءات، حسب حديث شقيقه، "محضر النيابة مش مكتوب هو كان بيعمل ايه بالضبط، مكتوب بس انه اتاخد من ميدان رابعة، ضرب حد لأ، قل أدبه على حد برضه مش مكتوب أي حاجة، والمحامي دايما يقولنا وقت ما يجي مزاجهم يخرجوه هيخرج".
الوضع يتشابه كثيرا مع إيهاب الجندي، الذي تم القبض عليه أيضًا بالقرب من ميدان رابعة العدوية "كان راكب الميكروباص وجاي من الشغل على البيت في كوبري القبة، السواق وقف ونزل كل الناس علشان خاف يعدي بالقرب من الاعتصام"، ترجل إيهاب من الميكروباص ليبحث عن وسيلة أخرى تقله إلى بيته وفي هذه الأثناء استوقفه أمين شرطة، وبدأ في سؤاله عن هويته "طلب منه البطاقة، وطبعا الأمين خده وركبه سيارة الشرطة"، تروي شقيقته أم هناء.
تنقل الشاب الثلاثيني منذ القبض عليه بين قسم الشروق وسجن أبو زعبل ثم سجن طره في النهاية، ومنذ القبض عليه وحتى الآن لا يعرف سبب بقاؤه في السجن طوال هذه الفترة "هو ملوش في حاجة واحد كان راجع من شغله في المطبعة"، حاول أهله العثور على أي إثبات لوجوده في عمله اليومي أثناء فترة الاعتصام وبالفعل توصلوا للدليل، ولكنه لم يكن مجديا "جبنا جواب من الشغل إنه كان موجود والجواب ده موثق في الشهر العقاري وقدمناها كذا مرة ومفيش فايدة".
خلال تلك الفترة الطويلة التي قضاها الجندي داخل السجن، يجد أشقاؤه صعوبة في التواجد كل زيارة، فلكل منهم أسرته وعمله والذي يصعب الأمر عليهم "أنا عندي 3 أولاد وكان عندي طفل صغير لما اتقبض عليه وخلال الفترة دي كنت حامل، ده غير إن والدي ووالدتي متوفيين".
تُؤجل الجلسات أو يُستمع فيها للأشهر من بين المتهمين، فيما يظل من لا ظهر لهم دون صوت مسموع، سوى محاولاتهم للبقاء والصراع، من خلال رسائلهم يقولون نحن هنا، لعلّ استغاثاتهم تصيب مرة، يُخبرون القارئ في جواب لهم "كل ثانية تمر علينا تنهب بعضًا من أرواحنا وقلوبنا وعقولنا، وتتداعي أجسادنا التي كانت تتمتع بحيوية الشباب قبل ألف يوم.. فما بين آلام العظام والمفاصل الدائمة في أجساد عمرها بين عشرين وثلاثين عامًا، وبين الإصابة بالجلطة أو فيروس سي أو التهابات القولون وقرحة المعدة أو الفشل الكلوي أو الضغط والسكر وما بين محاولة الانتحار ومحاولة أحدنا أن ينتصر لأن تفكيره البسيط أوهمه بأن ذلك هو باب الخروج الأخير من نفق الظلم القاتل".
فيديو قد يعجبك: