بالصور- في النور والأمل.. 5 عازفات كفيفات "بيشوفوا" بالموسيقى
كتبت: يسرا سلامة وشروق غنيم:
نور ينقشع من الموسيقى، فتيات كفيفات عزمن على تبديد العوائق، تصدح الآلات بالأمل، ومن جمعية "النور والأمل"، انبثق أول أوركسترا للكفيفات بالعالم يعزفن الموسيقى الكلاسيكية، رحّبت بهن المحافل الدولية، أحيوا حفلات بالخارج، وقف الجمهور مشدوهًا، مُصفقًا ومُشجعًّا، فمنحهن طاقة تشبعن بها، مكنتهن من هزيمة ظلام مجتمعهن، وثقافته قصيرة النظر عن الأكفّاء، أو تهميش دور الأوركسترا، قابضات على الآلات كما يقبضن على أحلامهن، وهُنا تحكي العازفات غمار رحلتهن.
في شرق القاهرة بحي مصر الجديدة، تقع جمعية النور والأمل، تستقبل الكفيفات للتعلم، لا شروط سوى ألا تعاني من إعاقات أخرى لاختصاص الجمعية، عام 1961 طرحت "سمحة الخولي" رئيسة الأكاديمية المصرية للفنون بوزارة الثقافة وعميد الكونسرفاتوار القاهرة للموسيقى سابقًا - في جلسة مع مدير الجمعية وقتها "استقلال راضي"- فكرة إنشاء فريق موسيقي لإعداد الكفيفات لتعلم العزف الكلاسيكي، وتكون بشكل دراسة مزدوجة، مدرسة النور والأمل صباحًا ومعهد الموسيقى مساءً.
"زينب".. "أم الأبوا" من 48 عامًا
بقاعة "سمحة الخولي" بقلب الجمعية، تتخذ "زينب خليل" مقعدًا اعتادت عليه منذ ثماني وأربعين عامًا، ترتدي خمارًا كبيرًا، وتحمل بكلتا يداها آلة "الأبوا"، وفي فمها قمع صغير جدًا في نهايته ريشة، يساعد في توزيع الهواء على كل منافذ الأبوا، "بحكي للآلة اللي مبعرفش أقوله لحد.. بحكيلها وتحكيلي"، تحكي زينب عن آلتها، التي أصبحت بفعل الزمن الابنة والحفيدة والرفيقة، بعدما ظلت وحيدة بين جدران الجمعية.
تنقطع زينب أحيانًا عن الجمعية للذهاب إلى شقيقها وأولاده في القاهرة، تحكي قليلًا عن الفريق، وعن الآلة التي تقول أن لا أحد يعلمها، وتعرفها بإنها الآلة التي ظهرت مع عبد الحليم في فيلم "شارع الحب"، عازفًا عليها مقطع موال، تستطرد زينب "الأبوا محتاجة نفس منتظم لإنها آلة نفخ"، تثمن احترام البلدان بالخارج لعزفهن "برة ترمي الإبرة ترن، وبناخد سوكسيه جامد، بحس إني فرحانة وربنا كرمني بمستقبل كبير".
وكأنه بالأمس، تتذكر "زينب" أولى خطواتها في فرقة النور والأمل، منذ عام 1968، كانت في الصف الأول الابتدائي، بعدها بعام كانت وسط امتحان تؤديه الجمعية لكل الفتيات الكفيفات، لتلتحق بالفريق الموسيقي وتصبح مع لقاء بالأبوا في عام 1974، منذ ذلك الحين تصف الفريق بإنه "بينحت في الصخر"، من أجل لحن تملؤه البصيرة، "طبطبة" من رئيسة الفرقة آنذاك "سمحة الخولي" تذكرها زينب "في السنة التانية ليا.. جت طبطبت عليا الدكتورة سمحة وهمست لي: انتي يا زينب هيبقى لك مستقبل عظيم، كانت طيبة وبتشجعنا".
حفلة في كل شهر كانت تذهب إليها "زينب"، كان يستقبل الفريق مدير المعهد "بيطمن على مستوى البنات والمدرسين بنفسه"، وكان يستقبل الفريق أيضا زوارًا من مختلف المحبين، أما الآن فتعد زينب "أم الأبوا" في الفرقة، تستقبل كل عام الفتيات الجدد لتعطيهم من روحها وخبرتها مع الآلة، وذلك منذ ثماني سنوات "كل بنت بعلمها إزاي تعزف، وبشوف استعدادها.. الأبوا آلة صعبة مش سهلة واللي بيعرفوا يعزفوها يتعدوا على الصوابع".
ببضع فتيات بدأ الفريق، ثم بخمسة عشر فتاة في أول حفلة، خرجن الفتيات بآلاتهن لأول مرة في حفل بدار الأوبرا المصرية عام 1972 في مقره القديم، عام بعد عام أصبح الفريق يزداد عددًا، يخضعن للاختبار السماعي لمعرفة قدرتهن على العزف والقبول في المعهد الذي يبدأ من الصغر، يتمرّن على النوتة والسلم الموسيقي واختيار الآلة، قبل أن يلحقن بفريق الكبار الذي يعد نواة لأوركسترا كبير يجوب العالم بآلاته وأحلامه.
مروة.. عازفة خارج احتفالات الدولة
بدأت "مروة سليمان" العزف في "أوركسترا النونو"، بينما تدرس بالصف الثالث الابتدائي، تدرّبت على مبادئ الآلة وقطع موسيقية قصيرة، وبالتدريج انضمت إلى "أوركسترا صغير"، صعودًا إلى أوركسترا النور والأمل، وبالتوازي مع دراسة الموسيقى، كانت تدرس بالمدرسة لكن بالبرايل.
تُفضل مروة السفر بالخارج لإحياء حفلات، بل تنتظر هذه الفرصة بين فترة وأخرى، تتشبَّع بطاقة كبيرة خلال العزف بالخارج، التصفيق يعلو مُنتصف الحفل، فتطمأن أكثر، يتلاشى الارتباك، وتبدأ التركيز، يخالجها أكثر من شعور، الانبساط، والمسئولية من أجل تمثيل بلدها بشكل جيد، والحزن أيضًا، لعدم الاحتفاء بهن داخل مصر .
أضفى السفر والعزف طِباع شخصية لمروة، الدقة، وتحمُل المسئولية، السفر بالخارج دون وجود أهلها، يدفعها إلى تعلم الاعتماد على النفس، وعدم خذل فريق جماعي تنتمي له، قررت الالتحاق بكلية "ألسن إنجليزي"، مما مكّنها من مساعدة الفريق عند السفر بالخارج، من خلال اللغة، والتواصل مع الجمهور، والعازفين.
عندما تعود مروة إلى أرض الوطن، تكون مُحمّلة بالحكايات عن تجربتهن، و"بلاد برّة"، يتهافت الأقرباء من أجل معرفة كيف تبدو تلك البلدان، حتى أبسط التفاصيل مثل طبيعة الطقس، يُعزز من ذلك شعور مروة بما تفعله، "بحس إن أنا بحكي لهم على حاجة جديدة مش عندهم، ببقى فخورة وأنا بثبت نفسي".
وفي عام 1987 كان العازفات أصبحن 34 عازفة، قدمن حفلة على مسرح الجمهورية، تغطية إعلامية كبيرة حظت بها الحفلة، كانت سببا في الحفل الأول للفريق خارج مصر في العام التالي في فيينا بالنمسا، لتصدح آلات الفريق حتى الآن في خمس قارات بواقع 28 دولة، 14 دولة أوروبية، وخمس دول عربية، وثلاث دور أسيوية وكندا وأستراليا.
تهيم عازفة الكمان بمقطوعة الدانوب الأزرق حبًا، تمنحها بهجة، فيما يُعَّد عمَّار الشريعي أكثر من مجرد عازف، بل شخص وهب الأمل لكل كفيف بأنه يستطيع تحقيق حلمه، لكن انتابتها الحسرة عند مشاهدة حفل افتتاح قناة السويس "استغربت ليه مبنعزفش في حدث زي ده؟ ".
"المجتمع ليس لديه ثقافة عن الشخص الكفيف"، تُعاني مروة وأصدقائها من المُعاملة "كمواطن من الدرجة الثانية"، تشكو عدم تصديق المجتمع لهُن "أحد العازفين بالكونسرفاتوار لم يصدق بأن الكفيف يستطيع العزف بالأوركسترا"، يمتد هذا خارج إطار الموسيقى، تحكي أن صديق كفيف اختار كيفية استخدام المكفوفين لشبكات التواصل الاجتماعي، موضوعًا لتحضير دراسات عليا بكلية الإعلام، لكن الدكتور رد عليه: "أذا كان أنا مبستخدمش النت، الكفيف هيستخدمه إزاي؟".
بصبر وتؤدة تسير الحياة في دنيا الأوركسترا الهادئ، يتعلم الفتيات في كل مجموعة على كل آلة على حدة، فالفريق ينقسم مجموعات كل مجموعة لآلة، ثم يتدربن كأوركسترا مع بعضهن البعض لتحقيق التناغم كفريق، تردف آمال فكري رئيس مجلس إدارة الجمعية لـ"مصراوي"، أن تلك المرحلة الأصعب، أن يتواصلن بشكل جماعي كوحدات والآلات معا دون بصر، ودون مايسترو على المسرح، بلا نوتة وبلا مايسترو ينشدن أفضل المقطوعات، تصبح أجملها كما حدث في اليابان، حين يعزفن مع مبصرين، ويخرج المايسترو الياباني موجها التحية لهن، لا يفرق الجمهور بين من يعزف مبصرًا كان أم كفيفًا، تذكر آمال "برة هما زي الملكات، لكن ساعات وزارة الثقافة بتتعبنا عشان جوازات السفر، وبنضطر نطلبهم تبرُع بسبب التأخير".
شيماء.. عازفة بدرجة مدرسة إنجليزية
"شيماء يحيى"، 32 عامًا، تحمل عينان جميلتان لكن لا ترى بهما، بسببهما تأخر معرفة أهلها، في العام السابع وطأت شيماء أرض الجمعية، في أيامها الأولى سمعت صوت ألحان يدوي في فلكها أكثر من مرة، ظلت تنزل مرة تلو الأخرى، حتى عرفت طريق فريق الأوركسترا، الذي أصبحت واحدة من أهم عازفاته لآلة الكمان، منزلها كانت ترن به ألحان أم كلثوم وعبد الحليم، ما شجعها على الالتحاق بالفريق.
شيماء خريجة الألسن تدرس الانجليزية لفتيات المعهد الصغيرات، تعهد إليهن أن يتحدث الانجليزية بطلاقة، ثم تقوم بدور العازفة، تهيم شيماء شغفاً بموتسارت؛ لولعه بالكمان "بينططني من جمال اللحن"، تعشق رياض السنباطي، " كل مؤلف ياخدني معاه في سكته ومعظم الشغل اللي بلعبه بحبه"، وجذبتها ألحان الرقصة الهندية حين زارتها مع الفريق، ومع الكمان "بحس إني طايرة في السما.. صوت الكمان بيحاكي النفس البشرية، بيحسسني إني بسمع كل الكائنات، ومسكتها عجبتني جدا، تقدري تحركي جسمك كله معاها"، تردف شيماء.
تحلم بأن تلقى الأوركسترا نفس ما يلاقيه من تقدير كما في الخارج بداخل مصر، أن يساعد الفريق مصر اقتصاديا "ليه مش موجودين في اعلانات تجذب السياح؟ خاصة أن الموسيقى تخاطب الوجدان وتتعدى اللغات"، تنشد الاهتمام من وزارات مثل وزارتي الثقافة والشباب، "ليه ما نعملش حفلات لتحسين الذوق العام؟"، وتتمنى استكمال دراستها العليا بالخارج، كما تحلم بترجمة مؤلفات عربية للإنجليزية والفرنسية.
من خارج الجمعية تجد شيماء التشجيع من صديقاتها لتفوقها "نفسنا نبقى زيك"، تحاول الفتاة أن تصد ما تراه "صورة هزلية" عن الكفيف في المجتمع يقدمها الإعلام، تصطدم بواقع لا يليق بالمعاق في المجتمع "بنوك كتير لا تفتح حسابات للمكفوفين لإن شرط فتح حساب بنكي إنك تكون عاقل، طب إحنا ما بنشوفش بس بنفهم"، ترى الفتاة أن ذلك يتنافى مع التحضر الذي وصل إليه العالم :"ليه لما أروح حتة أحس إني حالة استثنائية أو إن الناس "بتمن عليا بالخدمة؟".
تخفف الموسيقى من آلام مجتمعها "دايما بتخليني أذاكر أحسن، وأكون سبب في سعادة الناس"، تؤمن أن الموسيقى غيرتها للأفضل "كنت شبه انطوائية على المذاكرة، إنما الموسيقى حببتني أجرب حاجات جديدة، وأكون اجتماعية، خلتني شخصية متحدثة، جريئة، معتمدة على نفسي، مكاني في الأوركسترا زي طفل وربيته وصعب اتخلى عنه".
"الاحساس الموسيقي" يُعد شرطًا أساسيًا لقبول الفتيات إلى المعهد، يتدربن على كل الآلات، الوترية والنفخ والخشبي وآلات والايقاع، الذهاب إلى المسارح والجامعات ظلت عادة لديهن، غير أن كثرة الحفلات الخارجية تدفعهن للتركيز على المقطوعات الغربية الكلاسيكية دون الشرقية.
عثمان.. مايسترو النور والأمل
كجرس الفرحة، يضرب موعد التدريب للفريق في الساعة الثالثة عصرًا، يدوي في وسط الدار، تتقافز فوره الفتيات، منهن من انتظرت الموعد لتلتقي بآلتها، ومنهن من انتظرن هنا في بهو الدور الأول، المقابل لقاعة سُمييت باسم مؤسسة الفريق سمحة الخولي، يحملن الآلات للتدريب وتبادل الحديث حتى حضور المايسترو على عثمان، يجلسن كل في موقعها بحسب الآلة، في قلب القاعة يلتف في دائرة عازفات الكمان، على يمينهن عازفات الكونترباص، وفي الخلف يأتي الأبوا وآلات الإيقاع.
"أنا كوتش.. مبعتبرش نفسي مايسترو هنا"، هكذا يُعرَّف علي عثمان، مايسترو أوركسترا النور والأمل نفسه، فالفتيات يحفظن النوتة، يتولى تدريب كل مجموعة آلات على حدة، ثم يدمجهن في بروفات الأوركسترا، أما في الحفلات، يتأكد من جاهزيتهن، يقول اسم المقطوعة، ثم يتوارى بجانب المسرح، لا يقف أمامهن، إلا أنه أهّل كل فتاة لأن تقود نفسها.
يقف المايسترو على المسرح مشدوهًا، ينبهر من قدرة الفتيات على العزف بدقة، منبهرًا من قدرتهن على التركيز بشكل أكبر في الحفلات الخارجية، "مفيش حفلة خلصت بدون تسقيف يهّد المسرح"، يقود عثمان حاليًا 45 فتاة، يشعر بثِقل حينما تقرر إحداهن ترك الأوركسترا، "خسارة كبيرة"، لكنه يحاول في حالة الزواج إقناع الزوج بأن وجودها في الأوركسترا يرفع من شأنها اجتماعيًا، بالإضافة إلى العامل المادي بسبب المكافأة الشهرية التي تتلقاها كل عازفة.
التكوين الجسماني هو الفيصل في اختيار آلة كل فتاة، حتى تخضع كل فتاة للاختبار عن الآلة المناسبة لها، الأيادي الطويلة والرفيعة تناسب الوترية، تنظيم النفس وترتيب الأسنان لآلات النفخ، ومنذ التسعينات يقود عثمان الفريق، "لأنهم يستاهلوا"، ويتمنى أن يصل عدد العازفات إلى 60 شخصًا حتى يصبح أوركسترا سيمفوني متكامل، مما يمكنه من إحياء حفلات في المدارس والجامعات، ويرى أن ذلك يعتبر حافزًا للطلاب، ويبعث لهم برسالة "تقدروا تعملوا اللي عاوزينه".
منى.. عشرينية في درب الكمان
كان خال "منى سعيد"، ابنة السبع سنوات حينها، سببًا في التحاقها بالجمعية، وبالتوازي انجذبت إلى مدرسة الموسيقى بعد الاختبار "مكنتش اعرف يعني ايه موسيقى أصلا، لكن عندي فضول أعرف"، وفي عمر التاسعة كان لقائها الأول مع الكمان، ففي الاختبار السماعي تأقلمت مع الآلة عن طريق المصادفة، وأصبحت في الصف الأول الإعدادي متقنة تمامًا للعزف عليها في دنيا الظلام.
منى في عقدها الثاني منسقة أيضا لفريق الطلائع من الفتيات الجدد، تكن أول الحاضرات، وآخر المغادرات، تمد يد العون للصغيرات، تنقل لهن حب الكمان، ساعدها في ذلك المايسترو الراحل "أحمد أبو العيد"، معرفة طريقة برايل للنوتة، وصلت منى إلى أول عام جامعي بكلية الآداب بجامعة عين شمس وهى تحمل دبلومة الموسيقى، أصبحت أيضا معلمة للكمان تتقاضى راتبا من المعهد، تنسق منى وقتها بين المذاكرة والتدريب على الآلة بعدها، وفي أيام الإجازات تتفرغ كليا للصديقة الوترية.
"بحس إني مبسوطة وأنا بعزف، لكن بكون مبسوطة أكتر لما أحس إن الجمهور مبسوط".. حفلات عديدة في الخارج وداخل مصر شاركت فيها الفتاة مع الفريق، ذاك الإحساس من الجمهور الأسود الذي يصل بتصفيق متتالي يدفع الفتاة وزميلاتها إلى المزيد من الألحان، تشعر بالضيق حين تقابل الحفلات في مصر بعدم إنصات من الجمهور، يؤثر على أدائها، "كل ما كان الاحترام والإعجاب والتصفيق أكتر بيكون أدائنا أعلى"، تردف الفتاة "تعبنا على المسرح بيكون ولا حاجة لما يشجعنا الجمهور".
"منى.. خريجة آداب وعازفة كمان، وبتلف العالم".. بروح تملؤها الفرحة يعرف منى أهلها أو أخواتها الأربعة بهذه الطريقة، تنبسط أسارير الفتاة، تشعر باستغراب المستمع أن تلك الفتاة تفعل كل هذا، تحلم بأن يصعد الأوركسترا إلى مراتب عُليا بالمستقبل، ولها حلم شخصي بالارتباط من شخص لا يحرمها من التواصل مع المعهد والكمان، يتفهم حبها للموسيقى.
"بحس إنهم بيعملوا إعجاز".. "بنشعر إن مفيش مستحيل".. "بنات النور والأمل هم الهرم الرابع لمصر".. تعليقات وردت إلى آذان الفتيات من رحلات خارجية، للفريق الذي يعتبر أول فريق لكفيفات يعزف الموسيقى الكلاسيكية، تؤكد مدير الفريق على المعلومة أن هناك مثلا فريق في تايلاند يعزف موسيقى محلية فقط، لكن فريق أوركسترا النور والأمل له السبق في هذا، يستقبل المعهد الآن الجيل الرابع من الفتيات، بعدما ودع الفريق على مدار الأعوام الماضية كثير من فتياته، السبب الأكبر هو الزواج، ومع صعوبة التوفيق بين حياة العزف ومتطلبات الحياة الزوجية لامرأة كفيفة.
تقول آمال إن الجمعية تستقبل الفتيات من كل الأوساط، الريفية والصعيد والقاهرة الكبرى، هنا يندمجن في قلب الألحان، يفقدن الإحساس بالظلام طالما مست الموسيقى أرواحهن مرات ومرات، تعثر في تمويل الجمعية، التي تعتمد بشكل أساسي على التبرعات، بعد ثورة يناير، لجأت الدار إلى جمعية "مصر الخير" للمساندة "الحمد لله احنا لسة ماشين والجمعية شايلة البنات".
هبة.. أعباء تذوب بالموسيقى
من إحدى حجرات الجمعية، تنساب موسيقى الأوركسترا، تتمنى هبة أحمد، أن تحجز مقعدًا في المستقبل به، تكبر وتكون جزءًا من الفريق، فشلت في اختبار آلة الكلارينت لمشكلة في النَفَس، فتصبح الكمان آلتها "جت من عند ربنا".
الموسيقى طريقًا إضافيًا للحلم الأساسي، "كان حلمي من وأنا صغيرة أكون مترجمة"، تذهب يوميًا إلى كلية الألسن تتلقى محاضراتها، ويومي الأحد والثلاثاء، تحضر بروفات الأوركسترا، قد يستغرق حفظ قطعة موسيقية ساعة، وفي أحيانٍ أخرى أسبوع، فيما تخصص وقتها يومي الاثنين والأربعاء من أجل حضور أوركسترا الأطفال لمساعدتهن في بداية طريقهن "لازم يبقى في حد كبير يسند معاهم".
تجارب كثيرة خاضتها هبة في الأوركسترا، وخلال سفرهن إلى الخارج، لا يغيب عن ذاكرتها إحدى الحفلات التي كانت في فرنسا، حيث عزفن مع فرقة فرنسية من المبصرات، بجوارها كانت تجلس عازفة تقرأ النوتة، وتنتبه لإشارات المايسترو، بينما هُن يعزفن على الغائب، وفي حالة انسجام، تعتبر هبة أنها التجربة الأفضل في حياتها، إذ أثبتت أنه يمكن دمج الأكفاء في المجتمع، دون الشعور بالاختلاف.
أصبحت الموسيقى بالنسبة لهبة هي الوسيلة التي تتواصل بها مع العالم، سواء أكفاء أو مُبصرين، لا تعبأ بالكلمات التي تُقال حولهم "الكلام زمان كان بيزعلني"، وكلما خفتت طاقتها، ولم تتحمل ضغط الدراسة مع الموسيقى، يسندها أهلها بالتشجيع، تُعيد تنظيم وقتها، ثم تذوب كل الأعباء مع الموسيقى.
تدور الحياة وسط الجمعية بين آلات وتعلم، من فترة لأخرى تودع الفتيات واحدة منهن للزواج، تأخذها الحياة من دنيا العزف، منهن من فترة قصيرة تذكرها رئيس الجمعية، عندما طلب كفيف يد فتاة وتم عقد القران وسط عزف الفتيات، والتقطت فتاة دُفا فرحا بالصديقة، ودموعا تقطر في سرية على وداع عازفة محترفة، ومنهن من تعود بزيارة تحن فيها إلى أيام العزف والحكايات، تردف واحدة من المساعدات في الفريق "الجواز بيسرقهم من الفرقة".
فيديو قد يعجبك: