لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل كانت قناة السويس الجديدة "هدية مصر للعالم"؟

04:19 م السبت 06 أغسطس 2016

كتب - دعاء الفولي ومحمد زكريا:

منذ خمس سنوات استقر أحمد وحيد بأوروبا. وحين تم الإعلان عن بدء حفر تفريعة جديدة لقناة السويس في 2014، شعر ابن الـ31 عاما بالفخر والتفاؤل، ولكن بعد مرور عام على افتتاح القناة التي تم الترويج لها كـ"هدية مصر للعالم"، بدأ الأمل يتلاشى في نفس الشاب المصري. خلال العامين الماضيين دار الجدل حول مدى جدوى المشروع اقتصاديًا، رغم تقليص مدة العمل عليه من ثلاث سنوات إلى عام واحد، وفيما تحل الذكرى الأولى للمشروع، يتنقل مصراوي بين وسائل إعلام دولية اهتمت بتغطية المشروع، وعدد من المصريين عاصروا الحدث وشاهدوه بعيون أطلت من الخارج.

"هذه القناة ليست هدية مصر للعالم فحسب.. لكنها تُمثل تجسيد الأمل وتحويله لواقع ووجهة جديدة من خلال العمل"، جاءت تلك الكلمات كجزء من خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، في سبتمبر 2015، أمام الأمم المتحدة. لم تكن تلك المرة الأولى التي تتردد فيها الجملة، إذ كانت بطل الحدث أثناء الافتتاح، وجاءت على لسان رئيس الوزراء -حينها- إبراهيم محلب، وكبير مرشدي قناة السويس ناصر الزيات، وغيرهم، بالإضافة لاستخدامها من قبل إعلاميين مصريين.

طلبت الحكومة المصرية في أغسطس 2014 من المصريين شراء شهادات استثمار باسم "قناة السويس" هدفها جمع 60 مليار جنيه مصري لتمويل المشروع، وفي تلك الأثناء عايش عبد الرحمن أبو ضيف، استقطابًا دار مع بدء الحفر في المجرى الملاحي البالغ طوله 35 كيلو متر، ثم دفعه سبيل العمل للسفر إلى الخارج، ليزور أكثر من دولة أوروبية وأسيوية "هولندا وإيطاليا وإسبانيا الأردن وماليزيا وتايلندا"، إلا أنه لم يسمع أي نقاش دائر حول مشروع القناة الجديدة، حسبما يقول لمصراوي.

نفس الأمر وجده "وحيد"، فهو يعتقد أن التفريعة الجديدة لم تشغل بال سكان فيينا حيث يقيم. ورغم علاقاته الواسعة بمواطني العاصمة النمساوية بحكم عمله كطاهي بأحد مطاعم إلا أن "محدش بيتكلم في الموضوع ده خالص"، غير أن حديث الرئيس بخصوص "قناة السويس هدية مصر للعالم" أثار داخله تساؤل "لو قناة السويس الجديدة كانت لها أهمية عند العالم مش كان من باب أولى أن الدولار ينزل سعره شوية، وأن الجنيه يكون له أهميه عن كده؟".

صورة 1

في أغسطس 2015 تفاوتت تغطية الصحف الأجنبية لمشروع قناة السويس، إذ لجأ بعضها لتحليل الوضع، فيما احتفى آخرون، كما فعلت وكالة "سبوتنيك" الروسية التي نقلت عن رئيس مجلس الأعمال الروسي أن مصر "حديثة قادرة على مواجهة التحديات وإنجاز المشروعات الكبيرة التي لها تأثير على العالم"، بينما نقلت وكالة الشرق الأوسط عن صحيفة "كوريرى ديلا سيرا" الإيطالية، أن المشروع يعتبر إنجاز عملاق للتنمية الدولية.. و"هدية من مصر إلى العالم" وأن قناة السويس كانت دائما مصدر فخر وطني، وركزت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية على أرباح المشروع المُقدرة بين 5 إلى 13 مليار دولار.

رغم التغطية المتفائلة من قبل الصحافة الإيطالية، كان أحمد صبري المقيم هناك، له رأي آخر. فقد تابع بعض نشرات الأخبار التلفزيونية ملاحظًا أنها تتحدث عن وقائع اليوم والشخصيات المدعوّة فقط، وتهتم بحواف الحدث، حسب قوله.

لم يجد المهندس اهتماما من زملائه غير المصريين بالأمر. رغم ذلك فلا ينسى فضول زميلة إيطالية تابعت الخبر على التلفاز قبل افتتاح القناة بأيام ثم سألته عن المشروع فأخبرها بالتفاصيل.

منذ أعوام يتردد "صبري" على المدينة الأوروبية، إذ يقوم بتحضير ماجستير في الهندسة المدنية، ومع تتبعه للتصريحات الرسمية فقد تيقن مشروع قناة السويس ينقصه الكثير: "مفيش حاجة اسمها مشروع مدته 3 سنين فيتطلب إنه يخلص في سنة فيتعمل في سنة"، يقول المهندس إن تقليل وقت التنفيذ له اعتبارات كثيرة تحتاج دراسة، بعضها يقوم على حجم الأرباح العائد من ذلك التقليص، وهل سيعود اختصار الوقت على المشروع بضرر أم لا، مضيفا أنه لم ير أي دراسات تتحدث عن أسباب اختصار المدة.

تساؤلات "صبري" الاقتصادية المتعلقة بالمشروع احتلت جزء من اهتمام الصحافة العالمية، إذ نشرت جريدة الإندبندنت البريطانية تقريرا في العام الماضي، بعنوان "قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم لكن هل هناك حاجة فعلية لها ؟"، وأشار التقرير الذي أعدته روث مايكلسون- التى زارت مدينة الإسماعيلية المصرية قبل أيام من الافتتاح الرسمي- إلى أن الحكومة المصرية قدمت تقديرات شديدة التفاؤل لعائدات المشروع، موضحة أنه يضاعف حجم حركة العبور في قناة السويس، لكن التقرير نوّه أن الحركة بالقناة ليست بالكبيرة، فحركة التجارة العالمية والأوروبية بشكل خاص في تراجع منذ العام 2005.

صورة 2

في المقابل أصابت الفرحة أحمد محفوظ، المقيم بالإمارات، حينما سمع للمرة الأولى عن المشروع "كنا شايفين أنه جامد جدا". ورغم اضطلاع مندوب الدعاية الطبية لأحد شركات الأدوية بأبوظبي على تقارير أجنبية يزعم بها خبراء عدم جدوى المجرى الجديد نتيجة الركود الاقتصادي وانخفاض سعر البترول عالميًا، إلا أنه وجد فيه مشروعًا قوميًا "المشروع كان سياسي أكثر منه اقتصادي، لتثبيت أركان النظام بعد 30 يونيو، وكنا مرحبين بده لأن المنطقة كلها مفككة، فلما يكون في مشروع الناس كلها تتلم حواليه ويشغّل مصريين"، قال المصري ذو الـ35 عاما، مضيفًا أن الإعلان عن المشروع لاقى حفاوة أهل مدينة العين "كانوا فرحانين إن مصر ابتدت ترجع وتمسك نفسها لأن قوة مصر جزء من الأمن القومي الإماراتي".

عامان غيرا الكثير، حسبما يوضح "محفوظ". أصبح يرى أن حفر التفريعة قرار خاطئ "كان لازم يبقى في أولوية في الإنفاق، وكان ممكن يبقى في مشاريع قومية يلتف حواليها الناس لكن ليها جدوى اقتصادية أكبر"، مبررًا موقفه بأزمة الدولار وتخبط الأرقام المعلنة بخصوص إيرادات القناة "العشوائية دليل إن مكنش في حاجة مدروسة"، إذ وجد خريج كلية العلوم أن التصريحات الحكومية القائلة بإن "قناة السويس هدية مصر للعالم" حملت مبالغة "وفي الأساس التوصيف خاطئ، هي مش قناة جديدة.. هي تفريعة جديدة".

عقب 3 يوليو 2013، توترت العلاقات السياسية بين القاهرة وقطر، إلا أن محمود الطويل يعتقد أن الأمر اختلف على المستوى الشعبي، فخلال عام قضاه بدولة قطر تخلله افتتاح التفريعة الجديدة شهد ترحيب شديد من مواطنيها "اللي بيتقال عندنا في الإعلام مختلف، القطريين بيحبوا المصريين وبيدعموهم"، ورغم التضارب الشديد وقتها بشأن جدوى المشروع، إلا أن الطويل قال لنفسه "هنلاقي وظائف بـ5 أو 6 ألاف جنيه، والمصريين قالوا مستعدين نرجع وكفاية غربة"، غير أن ما أثار تعجب المهندس هو الإصرار على إنجاز المشروع في عام "المشروع الطبيعي يخلص في سنتين ونصف طبقا للرسومات والأعمال المراد تنفيذها، لكن هما طالبينه في سنة، فالضغط ده كان صعب".

صورة 3

"هدية مصر للعالم تكلفت 8 مليار دولار.. وربما لم تكن ضرورية"، كان ذلك هو عنوان موضوع نشرته صحيفة، واشنطن بوست الأمريكية، 6 أغسطس، الموافق للافتتاح. ركز التقرير على أن إنشاء القناة عام 1869 كان عاملا أساسيا في ربط أوروبا بأسيا، وتقليص المسافة بينهما للنصف، وكان وجودها أشبه بـ"نعمة" للاقتصاد المصري، فيما لا يبدو أن القناة الجديدة سيكون لها نفس التأثير على حركة التجارة، واعتمد التقرير على رأي دكتور أحمد كمالي- أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية- الذي أضاف أنه ثمة مبالغة في تقدير الفائدة من المشروع، وقال التقرير إن اتجاه مصر للحلول السريعة للمشاكل الاقتصادية قد تأتي بنتائج عكسية.

صورة 4

التحليلات الغربية المتباينة لافتتاح التفريعة، كانت محفورة بذهن أحمد إبراهيم الذي يعيش في سنغافورة منذ عشرة أعوام، إذ دأب على البحث والتنقيب بمجرد الإعلان عن المشروع. كانت سنغافورة هي المرآة التي يشاهد منها "إبراهيم" الحدث، فلكونها ميناء بالأساس ظنّ أن افتتاح المشروع سيترك اهتماما ضخما لدى الدولة الأسيوية، لكن ما وجده كان مخيبا للآمال: "كان في كلام عن القناة ساعتها بس بمنطق تحليلي وكان التساؤل إنه إيه لازمة التفريعة؟ هتوفر كام ساعة على الرحلات؟ طيب ما المجموعات اللي بيروحوا رحلات ملاحية بيقعدوا بالشهور فمش هتفرق معاهم كام ساعة" على حد قوله.

لم يكتفِ المهندس بمتابعة الإعلام، إذ طالع موقع شركة marine capital وهي من أكبر شركات الشحن في النطاق الأسيوي "كنت متخيل إنهم هيقولوا حاجة عن المشروع" لكنه لم يجد أي شيء، قبل أن يسمع تعليقا صوتيا لمدير الشركة نشره الموقع الاقتصادي "بلومبيرج" يقول فيه: "لا أعرف ربما ستكون للقناة الجديدة أهمية فيما بعد، ولكن السؤال هنا يدور حول مدى ارتباطها الوثيق بتخفيض تكلفة نقل البضائع"، واتفق تقرير نشره موقع straitstimes السنغافوري مع ذلك التساؤل، فأوضح أن الأولوية عند ملاك السفن هي تخفيض تكلفة الشحن وليس السرعة، إذ أن أحدهم لن يدفع المزيد من المال مقابل وقت أقصر من الانتظار.

صورة 5

بعد الإعلان عن افتتاح القناة لم يجد "إبراهيم" ردود أفعال متفائلة فـ"الناس اللي في سنغافورة بيطّلعوا وبيدوروا ورا التفاصيل". يقول إن آراء زملائه غير المصريين عادة ما تُركز على تراجع ملف حقوق الإنسان لدرجة كبيرة بمصر، وعدم شفافية متمثلة في إعلان الدولة عن علاج "الإيدز" دون سند طبي، موضحا أن المشروع نفسه يحوي علامات استفهام، فليس هناك دراسات جدوى رسمية تشرح تفاصيل التفريعة الجديدة، وهذا ما لاحظه من حديث أصدقائه في العمل، مضيفا أن سياسة الاحتفاء فقط دون تخطيط لا تُعطي عن مصر فكرة جيدة "لأن العالم كله بقى مفتوح على بعضه.. ومفيش حاجة بتستخبى".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان