كيف يعيش "بطل لامبيدوزا المصري" في ايطاليا؟.. والدته تجيب
كتب - أحمد الليثي ومحمد مهدي:
بين ليلة وضحاها، رجحت المقادير كفة الصبي من مُظلم إلى مُبهر، ومن غضب الرياح والأمواج والمجهول إلى طمأنينة المستقبل. مجرد صبي لم يتخطَ عامه الثالث عشر ضمن ملايين كادحة، لا يأمل سوى بلُقيمات يُسندن صُلب عائلته المنسية في أقصى شمال مصر؛ شقيق يعاني ألم المرض وأب لا يملك حيلة وأم تواجه الحياة في شجاعة، فيما قرر هو أن يضحي مخلصًا لهم.. ففتحت له الدنيا أبوابها.
من رقم غير معروف، يأتي صوت "أحمد" مرتين يوميًا عبر الهاتف، يُهدهد فيهما قلق والدته، يُطمئن قلبها، يمنحها صورة كاملة عن تفاصيل يومه في بلاد "الطليان"، والحياة الجديدة التي ينعم بها هناك "بيقول إنهم بيعاملوه أحسن معاملة ومخصصين له مترجمة". اهتمام بالغ تلقاه الصبي الصغير منذ وطأت أقدامه أحد شواطيء إيطاليا، احتفظوا بركاب المركب الخشبي الذي سافر فيه لبضع أيام قبل أن يختاروا من يبقى ومن يغادر "إيطاليا رجعت الشباب الكُبار.. والقُصر خَلتهُم هناك".
لم تزل ذاكرة أحمد تَطِن بتفاصيل لا تنسى؛ يستعيدها في حديثه مع أمه متعجبًا من تغيرات الزمن، صباحه الذي يبدأ بإعداد كتب المدرسة وإلى جوارها أكياس الفيشار، خطواته المتعبة أمام باب المدرسة، الصبية لا يلقون بالاً إلا للعب وهو يشغل باله شئٌ وحيد "هل تساعد بضعة نقود في إنقاذ الأسرة من عسرتها؟". ساعته التي يضبطها لبيع الفيشار فيما يسبقه رفاق الدراسة لحضور الطابور، درجاته المقبولة "على الحروكروك" بفعل ساعات العمل عقب يوم دراسي طويل يختمه بالذهاب صوب البحر لصيد السمك الزريعة "طول عمره مختلف عن أخواته.. هو جرئ وقلبه جامد.. مبيخفش، بيحب يغامر ويخش بقلبه في الغريق".
يجلس أحمد الآن وسط وجوه تكسوها الحمرة، تعلمه إحداهن اللغة الإيطالية، وتشير له مترجمة العربية ألا يتوتر، يسأله شاب عن الرياضة التي يجيدها فيرد بتلقائية "السباحة" ويسأله آخر عن لعبة يتمنى تعلمها فيجيب بعد صمت "البوكس"، في اليوم التالي يدخل ضمن شباب إيطالي إلى أحد الأندية ليكون عضوًا في كلتا اللعبتين.
"باستا" كانت أولى الكلمات التي يناغش بها أسرته بعد تعلمه جزء من اللغة الإيطالية "بيتمنظر علينا بكام كلمة حافظهم" تقولها الأم ضاحكة، تنصت له طوال المكالمة الهاتفية، صوته يحمل بهجة الكون، وسعادته بعالمه الجديد تمنحها راحة خالصة "قاعد في مكان كويس وقدموله في مدرسة وهيبدأ الدراسة قريب"، تسأله عن صحته دائمًا، فيمرر لها مدى الرعاية التي ينعم بها هناك.
بريق الحياة التي دُفع فيها ابن كفر الشيخ لا تلهيه عن سِر خوضه لمخاطرة السفر إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية، مئات الأميال التي تفصل بينه ومصر، لم تغيره، يتساءل "أحمد" طوال مكالمته مع أمه عن حال شقيقه، يتابع حالته عن كثب "ويكلم أخوه على طول"، يداعبه بذكرياتهما سويًا، فيما لا يناديه شقيقه إلا بكلمة واحدة "حبيبي" حالمًا بسفره ذات يوم إليه "لأنه عرف إن العلاج هناك نهائي".
لا يستقبل "أحمد" أية زائرين في مسكنه بإيطاليا، ترفض الحكومة طلبات وسائل الإعلام هناك لمقابلته، في محاولة لإتاحة حياة طبيعية للطفل الصغير، غير أنه سُمح لشخص واحد زيارته منذ أيام "مقابلش غير السفير المصري" للاطمئنان عليه، فُرصة تتمناها والدته التي ينخلع قلبها عند انتهاء الوقت المُحدد للاتصال الهاتفي معه "كنت أحب نسافر وأشوفه طبعًا" تقولها الأم بينما الشوق ينهش قلبها لكنها على أي حال لا تتمنى عودته إلى مصر "أحب يكمل تعليمه ويحقق كل أحلامه.. ولما ربنا يأذن هشوفه".
فيديو قد يعجبك: