لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

قبل موسم العيد.. مصراوي يحاور الجنود المجهولين لمنع التحرش في العاصمة

04:41 م الأحد 11 سبتمبر 2016

منع التحرش في العاصمة

كتبت-رنا الجميعي:

4 أعوام مروا منذ أن ظهرت حركة "بصمة"، تلك السنون التي انقضت من عمر مصر أيضًا، بكل ما مرت به من تبعات ثورة من مظاهرات كثيرة، وعام رئاسي واحد، وما تلى ذلك من أحداث عزل رئيس، ورفضه على مستويات عدة، ثُم عام رئاسي مؤقت حتى انتخابات حولت وزير الدفاع إلى رئيس انقضى عامه الثاني من إدارة البلاد، مع كل التموجات التي أبحرت خلالها مصر، كانت حركة "بصمة" وسط الناس تُحاول توعيتهم بمفهوم التحرش الجنسي، ثُم بقانون تجريم التحرش، الذي صدر في 6 يونيو 2014، ووصلت فيه عقوبة حبس المتحرش إلى خمس سنوات.

هُناك أوقات موسمية تمر بحركة "بصمة"، منها الأعياد، التي تُصبح "موسم" بالنسبة للمتحرش، هي فرصة بالنسبة له للاحتفال على طريقته في الشارع، لترويع الفتيات، تلك الأوقات تستعد قبلها الحركة للنزول، من خلال اتخاذ التصاريح اللازمة من الداخلية، وعمل تدريبات أمنية لمتطوعيها، للحد من حالات التحرش في الشارع.
يُحاور مصراوي، نهلة سليمان، مديرة المشروعات بالحركة، لمعرفة الملخص لأربعة أعوام من عمر الحركة، والوصول إلى ماذا يدور بعقل المتحرش، والمُبرِّر له من أهل "ايه اللي وداها هناك"، كذلك للعلم بماذا اختلف في عقول الناس عن التحرش منذ تبعات الثورة في 2012 وحتى هذه اللحظة، ودور الجنود المجهولين بالمبادرة في مكافحة هذا الجُرم.

"هتدخلي الميدان في أمان في يوم من الأيام".. هي "التغريدة" التي كتبها "عبد الفتاح الشرقاوي"، أحد المؤسسين، لنهال سعد، يُطمئنها بعدما تعرضت لتحرش جنسي في ميدان التحرير، أثناء إحدى المظاهرات، لم تكن مُجرد جملة كتبها عبد الفتاح ليبعث خلالها بالأمان الزائف في نفس نهال، لكنه بالفعل كوّن مجموعة من الأصدقاء، وبالاتفاق مع نهال أيضًا، بدأت المجموعة تُكون قوات تأمين في ميدان التحرير.

في ذلك الوقت كانت قوة ضد التحرش أو "أوبانتش"، موجودون بالفعل في الميدان، وبدأ تعاون مشترك بينهما "أوبانتش كانوا بيعملوا دوريات أمان مكونة من 13 شخص، لابسين جواكت زي بتاعة المرور ينزلوا بيها، كانت بتنور فالناس لما تشوفهم يخافوا شوية" أصبحت تلك السُترات ضمن ما يميز "بصمة" أيضًا، كلما نزلوا أثناء مظاهرات 2012 أو فيما بعد أثناء الأعياد.

1

لم يختلف أمر التحرش أثناء حماس الثورة أو فيما بعد حين خبى أثرها، حيث سجّلت مؤسسة "نظرة" في تقرير لها عام 2012، 200 حالة اعتداء جنسي في الميدان، فيما أشار أحد أعضاء "أوبانتش" بأحد اللقاءات أن حالات الاعتداء الجنسي، خلال يوم 30-6 بأربعة وستين حالة، وازدادت لتصل لـ 200 حتى يوم التفويض.

خلال عام 2012، تمحور عمل "بصمة" أثناء المظاهرات بالذات، التي تزايد خلالها حالات الاعتداء الجنسي، وأهم ما تدرب عليه المتطوعون هو "إن البنت تخرج من جوة الدايرة القاتلة دي"، تصف نهلة سليمان كيفية عمل المتحرشون، أنه مع زيادة أعداد الناس داخل الميدان، تجد الفتاة نفسها داخل دائرة من المتحرشين، والجميع يُحاول الإمساك به، هو فخ لا تعرف أين تذهب بعيدًا عنه، وحتى وإن جاء أحدهم لمُحاولة إخراجها قد يكون متحرش آخر.

تقول نهلة إنه ذات مرة وجدت أم وابنتها داخل تلك الدائرة عند سور المتحف المصري، حينها يكون عمل متطوعو بصمة هو تكوين دائرة أخرى حول المعتدين، "وكان الولاد متعلمين كام حركة آيكيدو"، ومع بعض الحركات للترهيب، يقوم عضو منهم بإخراج الفتاة بعيدًا ثُم يبدأ بقية الأعضاء في الابتعاد أيضًا، تكون متطوعو بصمة من الولاد فقط "كان المتحرشين بيتحرشوا بالولاد كمان وبينضربوا"، لذا لم يرغبوا أيضًا في أن تتطوع فتيات في أمر بهذه الخطورة.

تزايدت حالات الاعتداءات الجنسية داخل الميدان "فيه بنات بتتاخد في مدخل عمارة، وفيها بنات بتتقلع خالص، وفيه اللي انضربوا بآلات حادة في أعضائهم التناسلية"، ومع ذلك كان الحديث عن تلك الحالات شبه الممنهجة أمر يُنكره المتظاهرون، من باب سمعة الميدان، وعدم تشويه الثوار، "مع إن المتحرشين دول بييجوا من برة الميدان، مالوش علاقة بالثوار"، وفي رأي نهلة أن تلك الاعتداءات كان جزء منها لترهيب الفتيات حتى لا ينضممن للتظاهرات "جوة الدواير دي كان بيتقال للبنات اقعدوا في بيوتكم".

الإنكار هو رد فعل الناس سواء كانوا ثوارًا، أو لا، فمن "بلاش نسوء سمعة الميدان لسمعة مصر"، كانت الإجابة المشتركة، الأمر الجيد الذي تزامن مع زخم الثورة كانت أعداد المتطوعين، حيث وصلوا حينها لـ170 متطوع، ومع الحماس الذي خبا مع الوقت، يُمكن أن تصل الأعداد إلى 70 شخص.

على نحو دائم أقدمت الحركة على استخراج التصاريح اللازمة من وزارة الداخلية، تحديدًا من قسم مكافحة العنف ضد المرأة داخل قطاع حقوق الإنسان، والذي يستخرج من قسم طلعت حرب، المنطقة التي يعمل فيها المتطوعون أغلب الوقت، سواء أثناء المظاهرات، أو بعد ذلك خلال الأعياد.
2
قبل شهر من العيدين، الفطر والأضحى، تقوم الحركة باستخراج التصاريح للعمل "مينفعش نشتغل من غير تأمين المتطوعين ودي أهم حاجة"، لم يخلُ عام من تصاريح العمل، سوى آخر عام 2014 لنهاية عام 2015، وهو ما اضطر الحركة إلى اللجوء لأنشطة أخرى للعمل "مكنش ينفع في الوقت ننزل نعمل حملات في العيد عشان منتاخدش تظاهر"، لذا قاموا بعمل حملة طرق أبواب المحال التجارية، في منطقة طلعت ومقاهي شارع 26 يوليو، "وبدا مكنش فيه حاجة قانونية ضدنا".

جاءت الفكرة التوعوية لحملة طرق الأبواب للتحدث مع أصحاب المحال التجارية، توعيتهم بمفهوم التحرش الجنسي، وكانت فرصة أيضًا مع صدور قانون تجريم التحرش الجنسي، لتعريفهم به، "كنا بنقولهم ازاي يخلوا مكانهم آمن، وإنهم يعرفوا إنهم لو ساعدوا في القبض على متحرش هياخد عقوبة تبتدي من خمس شهور، دا غير إن البنات لما يعرفوا إن المحل دا آمن هيطمنوا ويعرفوا يلجأوا لحد".

تعتقد نهلة أن عدم الموافقة على استخراج التصاريح، واصدار قانون التجريم، الأمران مرتبط بالإرادة السياسية، "يعني قانون التحرش اتعمل لما كان في إرادة وقتها"، تقول نهلة إنه قبل اصدار القانون كان الأمر أكثر قتامة، "الأقسام مكنتش بتعمل محاضر".

خلال ذلك العام الذي لم تستخرج فيه بصمة التصاريح، لم يتمكنوا من التواجد في الشارع أثناء الأعياد، لكنهم قدروا على إحداث تأثير بواسطة "الكوميك"، أربعة شهور ظلّت خلاله طوابير الناس بمحطة مترو رمسيس تتبادل أمام قصة مصورة عن التحرش، تحلم فيها فتاة بشخص تحرش بها، تصحو من النوم لتختار ما الذي سترتديه اليوم، لتجد أن المتحرش مازال بعقلها، يعلق على اختياراتها "بنحاول نوضح من القصة إن المسألة دي مش بس بتأثر عليها بس.. دي بتأثر على المجتمع، فإذا كانت هي مدرسة مثلًا ممكن تطلع غِلّها في العيال".

"كنا بننزل كل كام يوم نشوف رد فعل الناس"، تذكر نهلة إن القصة استرعت انتباه الناس كثيرًا، حيث اتخذت حيز متسع كإعلان بالمحطة، وظلّت موجودة لأربعة أشهر، لكن مع محاولة "بصمة" لنقلها لمحطة مترو أخرى، تم الرفض من قِبل الأمن الوطني، "بسبب الزحمة اللي بيعملها الناس ادام القصة"، تتذكر نهلة تعليقات الناس التي سمعتها مع مرورها هناك "كان فيه اللي بيشتم، وفيه اللي بيقول برافو عليكو، دا غير بقى اللي كتبوا على القصة نفسها بالقلم"، من ضمن ما كُتب تعليق أحدهم بالموافقة عند جزء معين من القصة "كانت البنت بتقول يعني ألبس كدا يعني، وهي بتلبس ملاية كبيرة".

4 أعوام نزلت فيهم بصمة للشارع خلال العيد، كما ستنزل هذا العيد أيضًا، فبجانب التصاريح هناك تدريبات يقوم بها المتطوعون، الذين يتم حشدهم عن طريق استمارات التطوع، الاستعدادات تخص الكيفية التي يقوموا بها للتوعية، والرد على الأسئلة، "يعني مينفعش ييجي حد من المتطوعين بتوعنا يقول لبنت البسي طويل"، هناك طريقة معينة يتحدث بها المتطوع، عليه أن يكون مُلمًا بقانون تجريم التحرش، ومُدرك بحق الفتاة في المساحات العامة "يعني ميجيش يقول لبنت متنزليش في العيد، من حق أي حد ينزل في أي مكان وفي أي وقت".

4

هناك أيضًا التدريبات الأمنية التي تقتصر على الذكور، وهي لعمل دوريات أمنية يصاحبهم فرد أو اثنين من قسم شرطة طلعت حرب، ومهمتها تكون لتسليم المتحرشين، تقول نهلة إن الدوريات تعمل على تقليل حالة التحرش، حيث يمتاز المتطوعين معها بارتداء السواتر الملونة "بتعمل رهبة في المكان، بيكونوا 13 شخص مكشرين وماشيين بشكل معين".

خلال الأربع سنوات من الحركة لم يختلف التعامل مع التحرش كثيرًا، نعم ازداد الوعي أكثر بمعنى التحرش، بالإضافة إلى وجود قانون يُجرمه، لكن مازال هناك الكثير من العقبات المجتمعية بدءًا من البيئة المحيطة بالفتاة حتى المطبقين للقانون بأقسام الشرطة، حسب رأي نهلة، تتذكر مديرة المشروعات ما قاله لها أحد الشباب المتحرشين بمنطقة وسط البلد، أثناء حملة التوعية المقامة بالعيد، "قالي آه أنا عارف إن فيه عقوبة، بس دا موسم، أنا بكون كويس طول السنة".

أصبح شكل المتطوعين بـ"بصمة" خلال العيد معروف، يعلم المتحرشون بوجودهم داخل منطقة وسط البلد، بسخرية تتذكر نهلة ما قاله صبي صغير لا يتعدى عمره الـ 16 سنة لهم ذات مرة حين رآهم "أنا عايز أبصم معاكو"، تذكر نهلة أن تلك الفئة هي الموجودة بقوة خلال أيام العيد تتحرش بالفتيات، من يده مسكته الشابة العشرينية قائلة له "إنت عارف إن اللي عملته دا اسمه تحرش، وممكن أوديك دلوقت القسم والقسم يوديك الأحداث"، بدأت علامات الخوف تظهر على الصبي فرد عليها "أنا آسف والله"، ثُم أشار إلى الورق الخاص بحملة التوعية "طب أنا ممكن آخد ورقة أديها لأختي".

3

في رأي نهلة أن تلك الفئة من الولاد الصغار، تكونت عقلياتهم من خلال مشاهدة التليفزيون، و ما يصدره من قوالب تسئ للنساء، ليخرجوا بهذه السلوكيات، التي تُقلل من شأن الفتيات، تذكر أن أحدهم قال لها "البنات قاعدين ع القهاوي لابسين بناطيل مقطعة، يعني هما عاملين كدا عشان أعاكسهم".

هناك مُشكلة أخرى تتحدث عنها نهلة، وهي عدم قدرة الأهالي على التحدث مع أبنائهم وبناتهم، يعلمون أن هناك مشكلة يقوم بها الأولاد، وأزمة توضع فيها الفتيات، لكن لا يتعاملون معها، ما جعلها تقول ذلك هو ما تعاملت معه سابقًا، تتذكر في العيد الماضي قدم إليها رجل كبير عند أحد السينمات بوسط البلد، "ممكن تيجي تتكلمي مع بناتي عشان يعرفوا يعملوا ايه"، وهو ما يعني في ظن نهلة "إنه مكسوف يتكلم مع بناته"، استجابت نهلة للوالد وأخذت في التحدث مع الفتيات، أما الوالد تنحى جانبًا "عشان يسيبني أتكلم براحتي".

في سؤال نهلة عن استجابات الفتيات لحملة التوعية في العيد، تقول إن أغلب البنات يسيرون بعيدًا عنه "لأن المعظم منهم متربي على إنه مياخدش من حد ورق بيتوزع"، هكذا ترى، وإذا ما استجابت إحداهن للحديث مع متطوعي الحملة يكون جزء من النقاش "بس متقوليليش أزعق في الشارع، عشان أنا لو زعقت محدش هيقف معايا"، وهو بالفعل ما تراه نهلة يحدث في الواقع لكن في ذات الوقت لا يعني احباط المجتمع المحيط عدم إنكار فعل التحرش "لأن أنا لو عرفت ألقط صورة للمتحرش وروحت عملت محضر هيتعمل، احنا اللي بنصر على الحاجات عشان تتعمل".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان