أهالي في انتظار "الحبيب" الغارق على شاطئ رشيد: "يارب بس نلاقيه وندفنه"
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
كتب - محمد مهدي:
تصوير – كريم أحمد:
مع أول ضوء للنهار، انتشر عشرات الأهالي من البحيرة والقليوبية والشرقية في أنحاء ميناء بوغازي -القريبة من رشيد- اليوم الخميس، قلوبهم معلقة بالسماء، وعيونهم لا تزوغ عن المياه، علهم يعثرون على جثامين ذويهم، بعد مرور أكثر من 24 ساعة على غرقهم على بُعد 14 كيلو من المنطقة التي يتواجدون فيها، الشمس الحارقة لم تمنعهم من الوقوف لساعات طويلة في انتظار الفَرج، مراكب صيد تخرج بين الحين والآخر مُحملة بالأمل، وعائدة بالخيبة، بينما قلوبهم تستعر غضبًا على مرور الوقت دون جديد.
عقارب الساعة لا تتوقف، تضغط على أعصاب أسر الضحايا، يهزم الإرهاق بعضهم، يلجأون إلى الجهة المقابلة للميناء، منطقة نخيل، يجلسون تحت ظلالها في مجموعات، النظرات مُعبرة عن حالهم، حزن وغضب مكتوم، الصمت يغلب الكلام، قبل أن يَكسره انهيار رجل أربعيني، يسقط على الأرض من شدة الانفعال مرددًا "دا صغير على الموت يارب.. طيب هتهولي على الأقل أدفنه يارب" فيما يتحلق حوله الرجال طالبين منه التماسك.
أعداد الناس في تزايد، قدمت أيضًا وسائل الإعلام المختلفة، حركة مراكب الإنقاذ مُستمرة، لكن دون فائدة، الوجوم يعلو الوجوه، سئم بعضهم الانتظار، هتف رجل خمسيني أسمر معترضًا "لازم الدولة تشوفلنا حَل، لازم نلحق العيال اللي في الميه دي"، أشعلت كلماته فتيل الغضب، اندفع أخر ناحية إحدى الكاميرات موجهًا كلماته إلى المسؤولين: "عيال وغلطت، بس هنسبوهم يعني في الميه؟ الوضع دا مينفعش، لو كملنا للعصر مش هيطلعوا أبدًا" تغالبه الدموع فيتوقف عن الحديث.
في رُكن منزوي خلف إحدى السيارات المتراصة على جانبي الطريق، جلست سيدة تتشح بالسواد، تُحرك جسدها بانتظام في حالة أشبه بـ "التعديد"، تبكي ابنها المفقود، تتمنى لو يظهر فجأة من قلب البَحر، يُخبرها زوجها أن أمنيته هو دفنه بدلًا من فَقده إلى الأبد في اليَم، لكنها تستمر في مناجاتها إلى الله، كأنها لم تُسمعه.
عجوز صرخ فرحًا وهاتفه ملتصق على أذنه "يعني إنت شوفته في القسم.. متأكد؟"، يُغقل "السِكة"، يندفع ناحية شاب عشريني، يوصيه بالحصول على سيارة والانطلاق سريعًا إلى قسم شرطة رشيد، مشيرًا إلى تلقيه رسالة تفيد بوجود طفل تنطبق عليه ملامح حفيده "اجري بسرعة وطمنا لو طلع هو" ينظر إلى السماء يُخبرها بأمنيته الأخيرة كرجل طاعن في السن.
"ملقناش حد لِسه" تلك الجملة اللعينة المُكررة على ألسنة أصحاب مراكب الإنقاذ، يتلقاها الكبار بأسى شديد، يخشون حلول الليل قبل العثور على أبنائهم، تنتحب السيدات، يطلب صغار السن المساعدة دون أن يتلقوا رد، يشق رجل خمسيني الصفوف ناظرًا إلى المياه بمشاعر مختلطة "ربنا يرحمك يا أبو وجه حلو يا محمد.. ربنا ينقذك انت وأصحابك من اللي انتوا فيه يا ابني".
القَدرة على التَحمل انتهت، نشبت شجارات بين الأهالي وعدد من وسائل الإعلام، أخرجوا شحنات الغَضب في المراسلين، قبل أن ينتقل الخناق بينهم، يحاول أحدهم الكشف عن أسماء العائلات المتورطة في سَفر أبناء القرى بطرق غير شرعية، يمنعه أخر، يصب رجل غضبه على تقاعس خفر السواحل-بحسب تعبيره-، يدافع أحد أقاربه: "يعني هما اللي قالوا لولادنا يرموا نفسهم في البَحر" يختلط الحابل بالنابل، ثم تهدأ الأمور، ثم تموج، ثم تهدًا، حتى تسلل إليهم الشعور باليأس.
الشائعات كادت أن تُحدث صداما بين الأهالي والمسؤولين عن الإسعاف، عندما انتشرت واحدة مفادها العثور على عدد من الغرقى ونقلهم إلى المشرحة، لكن المسعفون أنقذوا الموقف "الكلام دا غير حقيقي.. لو لقينا ناس هنخبيهم ليه؟" يقولها أحد المسعفين، قبل أن ينفض الناس من حوله.
عند الثالثة عصرًا تهادت إحدى مراكب الإنقاذ ببطء على غير العادة، هتف أحد الصبية "وصلوا لناس غرقانة"، عندما اقتربت ظهر بوضوح 6 جثامين في أكياس سوداء متراصة على سطح المركب، ارتجفت القلوب، وقوع البلاء قاسي، كلا من الحضور ينتظر أن يكون أحد الضحايا من ذويه، حان وقت التعرف، نُقلت الجثث إلى الميناء، اقترب الجمع، ليكتشف أحد الرجل أن حفيده من بين الضحايا، لم يستوعب الأمر، الصدمة ألجمته للحظات قبل أن ينهار.
مرة أخرى وفدت مراكب الإنقاذ قُرب المغيب بعدد من الجثامين، وأخرى بمتعلقات الضحايا، نُقلوا جميعًا إلى مستشفيات ومشرحة رشيد، ومع حلول الليل غادر الأهالي الميناء تاركين خلفهم أبناءهم غرقى على أمل بالعثور عليهم في اليوم التالي.
فيديو قد يعجبك: