الأم تيريزا.. بالحب والابتسامة يحيا الانسان (بروفايل)
كتبت- هدى الشيمي:
"أنا ألبانية بالدم، بالهوية هندية، بالديانة كاثوليكية، أما بالنسبة لرسالتي فأنا أنتمي للعالم، قلبي ينتمي لليسوع"، عبارة رددتها القديسة الراحلة تيريزا، لتؤكد أن الحب والسلام رسالتها الحقيقية، نافية كلام منتقديها اللاذع عن اعمالها، واتهامها بأنها اضرت الفقراء صحيا، واستغلتهم كأداة لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية لزعماء وسلطات.
وفي الوقت الذي يلفظ فيه العالم المختلفين، ويرفض تقبل الاخر، تجمع أمس الالاف من محبي وعشاق الأم تريزا ليشهدوا لحظة منح بابا الفاتيكان لقب قديسة لها، وهو أعلى الألقاب التي يطمح إليها رجال الدين المسيحي، فبعد مرور حوالي 19 عاما ما تزال مثل أعلى لكثيرين، ونموذج للحب والسلام يحتذى به.
بجسدها النحيل ووجها الذي كسته التجاعيد وقفت الأم تيريزا أمام الجميع أثناء قبولها لجائزة نوبل للسلام ، تشكر الله على الشعور بمتعة حب الانسان لغيره، والوعي بأن أكثر الناس فقرا أخ أو أخت لغيره، مؤكدة أن الله جعلها وسيلة للسلام، ونبذ الكراهية، نشر الحب، والتسامح، والتناغم، وبث الحقيقة بالنفوس في حالة وجود الشك، والإيمان إذا انتشر اليأس، والأمل إذا ساد الظلام، والفرح إذا عم الحزن.
بدأت تيريزا مشوارها الديني منذ نعومة اظفارها، حيث ولدت لعائلة ألبانية الأصل تعمل في الفلاحة، إلا أن والدها انخرط في السياسة وتوفي وهي في التاسعة من عمرها، فقربها ذلك أكثر إلى الله، لتحصل على الامان والطمأنينة المفقودين بعد وفاة عمود الأسرة، وبعد ثلاث سنوات قررت أن تهب حياتها كلها لربها، ولدينها، فانتقلت إلى ايرلندا وهي في الثامنة عشر من عمرها لتعلم اللغة الانجليزية، وهي اللغة التي استعملتها باقي الرهبات في تعليم الأطفال الصغار بالدير، ومن هناك إلى الهند لتبدأ مرحلة جديدة تماما من حياتها، وهناك تعلمت اللغة البنغالية حتى تستطيع التفاهم مع الأطفال الصغار.
استمر عمل تيريزا في التدريس لسنوات طويلة، استمعت فيهم بكل لحظة، إلا أنها شعرت بوجود شيء ما يعكر صفو حياتها، حيث لاحظت انتشار الفقراء حولها في كالكوتا، بعد حدوث مجاعة البنغال عام 1943 والتي أحاطت المدينة بالمؤت والبؤس والدمار، قررت فعل شيء، وخلال رحلتها السنوية بالقطار عام 1946، شعرت بأنها أوحي إليها بضرورة مساعدة الفقراء والمحتاجين، فدورها كراهبة لن يقتصر على نشر تعاليم الدين، فخلعت ثوب الراهبات المعروف، وارتدت ساري هندي قطني أبيض اللون، على أطراف أطر زرقاء، وحصلت على الجنسية الهندية، وقضت عدة أشهر تتعلم فيهم مبادئ العناية الطبية، معلنة بذلك بدء مرحلة جديدة.
على الرغم من نبل هدفها إلا أنها واجهت تحديات كثيرة في بداية الأمر، فكتبت في مذكراتها أن أول عام في عملها الخيري كان الأكثر صعوبة، حتى أنها فكرت في العودة إلى الدير مرة أخرى، ولكن بعد تفكير شعرت بأن ذلك قربها أكثر من الفقراء والمشردين الذين يخوضون رحلة نفسية وجسدية مهلكة حتى يحصلوا على مأوى، وبعد ثلاث سنوات حصلت على اذن الفاتيكان لبناء جمعية خيرية خاصة بها، وبدأت عملها الفعلي في مساعدة الجوعى، والعراة، والمشردين، والمشلولين والمصابين بالعمى والبرص، وأي شخص يشعر وكأنه غير مرغوب فيه، وغير محبوب في المجتمع.
في بداية الأمر عمل بالمؤسسة الخيرية في كالكوتا بالهند حوالي 13 عضو، وبعد فترة وصل أعضائها لـ 4000 شخص يعملون في دور الأيتام، والعجزة، ومراعاة مرضى الإيدز، وضحايا الفيضانات والاوبئة والمجاعات، وكل محتاج بالمراكز الخيرية في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك فضلت أن تفعل بنفسها بعض الأمور، فعندما اشتد حصار بيروت ووصل الأمر إلى ذروته عام 1982، سافرت تيريزا إلى منطقة النزاع وانقذت حوالي 37 طفل محتجز على الخطوط الأمامية، ونجحت في وقف اطلاق النار بين الجيش الاسرائيلي والمسلحين الفلسطينيين، ويقال إنها بذلت مجهودا كبيرا لأقناع الدول الشيوعية بأرسال المساعدات الخيرية وتوسيع مشارعها في نهاية عام 1980.
كما توجهت إلى افريقيا لمساعدة الجياع في اثيوبيا ، وذهبت لتهدئة ضحايا اشعاع تشيرنوبل ، وحاولت توفير كل ما يحتاجه ضحايا زلزال أرمينيا ، لتعود بعد سنوات طويل إلى موطنها البانيا لافتتاح مؤسسة خيرية، ليصل عدد مؤسساتها الخيرية قبل وفاتها بعام واحد لحوالي 517 مؤسسة خيرية في أكثر من 100 دولة.
وبذلك استطاعت الأم تيريزا خلال 87 عاما أن تكون يد ناعمة وحاضرة للخدمة، قلب كريم حاضر للحب، تحاول القضاء على نقص الحب، مؤمنة بأن الحب والكرم سببان رئيسيان في دخول الجنة، والقرب من الله.
فيديو قد يعجبك: