إعلان

بعد 6 أعوام من الثورة.. تفاصيل إجهاض أول مشروع لـ"الصحة النفسية" للشرطة

08:51 م الثلاثاء 24 يناير 2017

حوار مصراوى مع الدكتور محمد غانم

كتبت- إشراق أحمد ودعاء الفولي:

مساء الحادي عشر من فبراير من عام 2011، تعالت الصيحات بالفرحة، فيما ظل أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق في مكانه بين الجموع عند مسجد عمر مكرم ، ينظر بتعجب لما حوله، بينما يستقبل مكالمة من صديقة له من جنوب إفريقيا، تتابع ما يحدث بمصر، وما أن هنأته حتى قال لها "مش عارف بتقولي لي مبروك على إيه.. أنا مش عارف الناس بتحتفل ليه أصلاً.. أحنا ورانا شغل كتير جدا".

آمن أستاذ الطب النفسي بأن الثورة بداية تغيير نظام بث الفساد في كافة القطاعات. أخذه الحماس والحلم، فبحث عن سبل البناء بما يجيد، اشترك معه في ذلك مجموعة من أساتذة الطب النفسي، ليتقدموا بأول مقترح لمشروع جماعي، لتحسين أداء وزارة الداخلية، القطاع الأكثر تأزمًا قبل وبعد الخامس والعشرين من يناير. حاولوا رأب صدع العلاقة بين رجل الشرطة والمواطنين وإعادة تأهيل الضباط، غير أن تلك المحاولة قُوبلت بالرفض الرسمي "لأن الداخلية شافت أنها كويسة ومش محتاجة" حسبما قال المشاركون في المقترح.

في التاسع من فبراير لعام 2011، بنادي المهن الطبية، كان اللقاء الرسمي الأول لـ"نفسانيون من أجل الثورة"، ذلك المسمى الذي اتخذه نحو 6 أطباء نفسيين، ممَن سبق لهم التواصل قبل 25 يناير. حيث استقر هؤلاء الأطباء على ضرورة تقديم الدعم النفسي للمواطنين خلال أحداث الثورة، متفقين على نصب خيمة في ميدان التحرير باسم تحالفهم، ليكونوا على أهبة الاستعداد للمساعدة، غير أن تصاعد الأحداث حال بين مواصلة خطوتهم؛ إذ تنحى الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد يومين، وتحول الميدان إلى ساحة انتصار.

1

أرادت مجموعة "نفسانيون من أجل الثورة" مساعدة المواطنين في مجالات شتى، غير أن الملف الأمني وانكسار العلاقة مع الشرطة أخذ أولوية الاهتمام؛ لذا في مارس 2011 بدأت مجموعة الأطباء بالتشاور لتقديم مقترحات بشكل رسمي إلى وزارة الداخلية.

قبل الانتهاء من المقترح امتلك الأطباء أفكار غير مبلورة، لكن الرؤى توحدت كما ذكر عبد الله في أنه "مع التحديات الأمنية الجديدة معدش ينفع نوكل مهمة الأمن لوزارة الداخلية وحدها.. ده ظلم لها وظلم لنفسنا، لأن معادلة الأمن مجتمعية عامة مينفعش نعلق مسؤوليته على جهة واحدة". أصر أطباء المجموعة على تحقيق هذا في مقترحات المشروع المقدمة في 23 نقطة، كانت المفترض أن تفتح الباب لورش عمل أخرى تهدف لتطوير الجهاز.

من بين العاملين على المقترحات كان الطبيب محمد غانم، رئيس قسم الطب النفسي في جامعة عين شمس. انطلاقًا من عدة عوامل انضم غانم لمجموعة "نفسانيون من أجل الثورة". حيث لم تكن مشاكله مع ضباط الداخلية جميعها متعلقة بتجاوزات التعامل مع الجماهير، فيقول لمصراوي إن الجهاز تحمل أعباءً إضافية "زي تأمين الملاعب وفكرة إنه أي مشكلة لازم الداخلية تتعامل معاها حتى لو مش أمنية".

ذلك الضغط نتج عنه تجاوزات تصل للعنف يرتكبها أفراد الشرطة، حسب قول رئيس قسم الطب النفسي "زائد إن كتير من أفراد الشرطة بيركزوا على الأمن السياسي مش المجتمعي زي القتل والسرقة ودة الأهم بكتير"، أما العامل الأكثر أهمية الذي دفع غانم للانضمام للمشروع، هو عدم التدريب الكافي للشرطيين على التحكم في الغضب أو القدرة على إدارة التحقيق بشكل جيد دون العنف.

كان الدكتور غانم مَن قدّم المقترحات بنفسه لأحد وكلاء وزير الداخلية في مايو 2011، وخلال تلك الفترة راوده الأمل كما البقية "المشروع لو اتعمل كان هيخلّي كل الناس تتعامل معاملة آدمية".استندت المقترحات المقدمة -حسب قول عبد الله- على الخبرات الشخصية للأطباء من خلال تعاملهم مع ضباط، سواء بالعلاج أو الحديث، هذا إلى جانب الرؤية العامة للشرطة ورصد أفعالها.

2

"كنا مخططين إن التغيير يبدأ من الكلية والمناهج ويتنقل للممارسة العملية" حسب قول وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي، ورغم معرفة أبو هندي بأن بعض المناهج في كلية الشرطة تؤكد على مبادئ حقوق الإنسان، لكن تلك الأسس يتم تكسيرها عن عمد بمجرد الخروج للحياة العملية "لأنه مطلوب منه يخلي متهم يعترف وهو عارف إن دي أسرع طريقة" حسبما يضيف أبو هندي.

بعد أقل من شهر من الاتفاق صاغ الأطباء مقترحاتهم النهائية، وقام 6 أساتذة ممثلين بالتوقيع عليها، ثم أُرسلت إلى وزارة الداخلية، واستكمل بعدها كل من المشاركين عملهم في التوعية وعقد الندوات عن إعادة التأهيل. عقب أسابيع من إرسال المشروع جاءت ورقة لغانم كُتب فيها "الطلب لم يُقبل". لم ينضوِ الرد على تفاصيل كثيرة، لكن غانم فسّر الإعراض عن المبادرة بأن الوزارة لم تُرد تحمل مسئولية ما حدث في الثورة أو قبلها "كأنهم بيقولوا إحنا مش محتاجين توجيه.. وقتها خدوا المحاولة دي بحساسية شديدة".

لم تكن الثورة هي فقط دافع الأطباء لعمل مقترحات عن إصلاح منظومة الجهاز الأمني، بل أرادوا إعادة إدماج الضباط أنفسهم بين المواطنين، فعقب الثورة استقبل أبو هندي-حد قوله- العديد من عناصر الأمن المُصابين بصدمات عصبية حادة، بينما أرجع بعضهم السبب إلى الخوف مما قد يفعله بهم الغاضبون في الشوارع.

3

الشعب أيضا كان مشمولاً بالإصلاح في مقترحات "نفسانيون من أجل الثورة"، إذ حدث نقاش في الاجتماعات عن كيفية إعادة الثقة لهم في جهاز الأمن وتعريفهم بالمسئوليات الاجتماعية الواجبة عليهم "بل إن البعض اقترح وجود محامي وأخصائي نفسي في كل قسم" حسب قول غانم، وانطلاقًا من تلك الفكرة لم يكن أبو هندي ليمانع لو عُرض عليه العمل في مشروع الإصلاح بشكل شخصي "احنا أو دكاترة الوزارة المهم إنه كان يتعمل".

قبل الرفض وفور الانتهاء من المقترحات، تولى الدكتور أبو هندي رفع ما توصلوا إليه على موقعه الخاص "مجانين دوت كوم"، قبل أن ينضم لكتيبة الانتظار "كنا فاكرين إن بعد الثورة الدنيا هتتغير تماما عشان مشّينا حسني مبارك". بعد الرفض حاول أعضاء المجموعة الاستفسار عن السبب "وقتها عرفنا إن اللي رفضوا الملاحظات كانوا استشاريين نفسيين".

4

عادل مدني، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، وأحد الاستشاريين النفسيين الذين استعانت بهم وزارة الداخلية لتقييم المشروع، يقول لـمصراوي إنه اطلع على المقترحات التي كانت عبارة عن خطوط عريضة لرؤية جهاز الشرطة "بتحاول تخلق تفاهم عشان يكون في تعايش"، مشيراً إلى أنه كان يتضمن نقاط جيدة وأخرى سلبية عن الشرطة، مؤكداً أنه أبدى موافقته على المقترحات حينها "وكان في بعض الملاحظات وحطيت تعديلات"، غير أنه لا يتذكر تلك التعديلات أو تفاصيل تكليفه بإبداء المشورة، ولم يعلم موقف الداخلية وقتها قائلاً إنه لم يتابع المشروع بعدها.

حاول غانم التماس العُذر للوزارة بعد الرد بالسلب "كانوا مجروحين بسبب اللي حصل في الثورة"، كما أن التعديلات الوزارية المتتابعة جعلت تنفيذ الخطط أصعب، لكن المُحصلة النهائية كانت مُخيبة للآمال في رأي رئيس قسم الطب النفسي "بادرنا ورُفضنا.. وكان همنا نغير".

عقب تيقن أفراد العمل من رفض الوزارة "بدأنا نطلع في الإعلام نتكلم عن المقترحات" حسبما يقول أبو هندي، وذلك على أمل تحريك المياه الراكدة غير أن ذلك لم يأتِ بفائدة.

كان وائل أبو هندي من أواخر الذين فقدوا الأمل في إصلاح الجهاز الأمني "ده حصل بعد يونيو 2013"، بعدما أيقن أن "الداخلية مكانتش محتاجة مشاريع إصلاحية.. كانت محتاجة إعادة هيكلة بالكامل". عقب ست سنوات من الثورة مات الأمل تمامًا، ولم يعد يُجدي الحديث عن مشاريع مثيلة بالنسبة لأبي هندي، فهو يعتقد أن إرث المواطنين مع تجاوزات الشرطة تضخم كثيرًا منذ 25 يناير وحتى الآن.

5

في الوقت نفسه لم ينخرط عبد الله في "العشم" بالتغيير السريع منذ البداية، لذلك لم يُصدم كثيرًا برفض وزارة الداخلية " كان لازم يبقى في ظهير مجتمعي قوي عشان نغير". نأى أستاذ الطب النفسي عن أي محاولة أخرى، رأى أن مساحة التحرك التي كانت موجودة رغم التخبط لم تعد متوفرة، هجر عبد الله كل محاولة يقودها الحماس فقط دون تخطيط "قبل كده ببقى عارف أن مش هيحصل حاجة وكنت بروح مع أي حد عنده فكرة لكن دلوقت مش هروح" يقولها مبتسمًا.

كذلك لم يُحاول غانم الخوض في محاولات شبيهة، أو إعادة فتح فكرة المشروع القديم، إذ بات يعلم أنه لا يستطيع دفع الوزارة للتغيير إن لم تكن لديها إرادة.

6

مازالت إعادة هيكلة الجهاز أمرا حتميا في رأي غانم "الأوضاع في الوزارة بتسوء من وقت الثورة لدلوقتي وبقينا بنسمع أكتر عن تجاوزات"، وبالتالي يبقى صدر الطبيب متسعًا لأي طلب لمساعدة الضباط "طالما دة هيحسّن حال البلد"، مؤكدا أن فكرة إصلاح الجهاز يجب أن تظل قائمة سواء عن طريق "نفسانيون من أجل الثورة" أو حتى بغيرهم.

تابع باقي موضوعات الملف 

''توفير الطاقة''.. قصة مشروع نفذته ألمانيا وأهدرته مصر بالروتين

2017_1_24_15_38_23_856

''الفن ميدان''.. لماذا لم يعد ''الشارع لنا''؟

2017_1_24_13_49_54_439

دكتور أميرة.. منحتها الدولة جائزتها ''التشجيعية'' وتركت أبحاثها ''محلك سِر''

2017_1_24_21_39_10_730

مصور مقتل ''شيماء الصباغ''.. مشوار أوله ''ثورة'' وأخره ''هزيمة''

2017_1_24_19_1_55_475

أكاديمية التحرير.. لماذا توقف مشروع تعليمي ''من ريحة الثورة''؟

 2017_1_24_23_58_40_303

تطوير العشوائيات.. مشروع على جناح الثورة هدمته الحكومة

2017_1_24_22_40_58_589

فيديو قد يعجبك: