إبراهيم أصلان.. الحرفي صاحب "المزاج" (بروفايل)
كتبت- رنا الجميعي:
رغم أعماله القليلة إلا أن إبراهيم أصلان له من المكانة الأدبية ما يستحقها تمامًا، تسعة أعمال على مدار أعوامه السبعة والسبعين، وكتابين آخرين صدرا بعد وفاته، لم يكتب أصلان روايات ضخمة، اتسمت أعماله الأدبية بالاختزال الشديد، حتى أنه عرّف نفسه بكاتب للقصة القصيرة.
توفي أصلان في السابع من يناير لعام 2012، مرّ على وفاته خمس سنوات، لكنه لم يرحل سوى بجسده، فكانت روحه تتلمس محبةّ تلاميذه وقرائه، حيث صُدر له عملين عام 2015، هما "انطباعات صغيرة حول حادث كبير"، وهي عبارة عن مقالات لأصلان أثناء ثورة يناير، وروايته الأخيرة "صديق قديم جدًا" ذات المئتين صفحة.
لم يأبه أصلان لكتابة الأعمال الكبيرة، تأثر بشدة بالكاتب الروسي "أنطون تشيخوف"، تحديدًا قصة "موت موظف"، لذا كان سمْته الاقتصاد في الكلمات، أحبّ الشكل القصصي، فاتصفت أعماله -حتى وإن كانت رواية- بالقِصَر، يقول في حواره مع إذاعة صوت ألمانيا "القصة القصيرة هي الإطار الذي من الممكن أن أودعه أحلامي، وما يستوقفني من شئون هذا العالم الذي أعيش فيه".
بدأ أصلان الكتابة منذ عام 1965، ونُشرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان "بحيرة المساء" في أواخر الستينيات، حينها عمل أصلان بهيئة البريد، ويُشار في العديد من المقالات التي تناولته أن عمله ككاتب للبرقية أثّر على طريقته في كتابة الأدب، ولمّا أعجب نجيب محفوظ بكتابات الشاب حينها، كتب رسالة تّزكي أصلان للحصول على منحة تفرغ من وزارة الثقافة بمدة عام، وشرط تلك المنحة هو كتابة رواية، فكانت "مالك الحزين" التي اندرجت ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية.
دومًا ما كان يستقي أصلان أعماله من البيئة المُحيطة به، له من الموهبة في التقاط التفاصيل الدقيقة، التي جعلته يتمكّن من نسجها في أعمال أدبية، نشر في الثمانينيات المتتالية القصصية "وردية ليل"، التي تُناقش عالم هيئة البريد، أما منطقة الكيت كات التي عاش فيها زمنًا، فكانت من نصيب روايته الأشهر "مالك الحزين".
لم يتميز أصلان فقط باستعارته مما حوله، لكنه مُنح الميزة الأكبر في الحسّ بالبشر، لا تعنيه المُغامرات العظيمة، بل المآسي الصغيرة، مثل حياة عجوزين داخل منزل، وكيف عاش العجوز خليل بعد وفاة زوجته الحاجة إحسان، فكانت "حجرتان وصالة"، التي نشرت عام 2009، الحياة بكل اعتيادها هي ما كانت تهم أصلان.
بجانب كتابة التفاصيل الدقيقة، امتاز أصلان بالرؤية البصرية، التي حوّلت رواياته لأعمال سينمائية، فمالك الحزين تحوّلت لفيلم "الكيت كات" للمخرج "داود عبد السيد"، كذلك روايته "عصافير النيل"، التي تحوّلت لفيلم بنفس الاسم للمخرج "مجدي أحمد علي"، آمن أصلان أن عليه فعل ماهو مناقض للقراءة، وهو الرؤية والسمع والشم لمحيطه، كما صرّح في حواره بإذاعة صوت ألمانيا، يقول "عندما تقدّم بي العمر استطعت أن استقر على النبرة الملائمة لي وللعمل الذي أكتبه".
لم يتعامل أصلان باعتباره كاتبًا، بل كعضو منتسب، اضطرته الحياة العملية، لئلا يكون له روتين دائم خاص بالكتابة، ورغم ما نصحه به الناقد شكري عياد بأن يُخضع عملية الكتابة لبرنامج منظم، إلا أنه اعترف بالتقصير والكسل -وهو مذكور في إحدى حواراته.
لكن في نفس الوقت آمن أصلان بأن قيمة الكتابة ليست في كميتها، فهي بالأساس تعبير عن شئ حقيقي لديه، وهو ما استطاع تحقيقه بالفعل، ومنحته إياه الدولة جائزتها التقديرية، بالإضافة لعدة جوائز أخرى منها جائزة كفافيس الدولية، وجعله حسب تعبيره أيضًا من "الحرفيين أصحاب المزاج".
فيديو قد يعجبك: