في انتظار الفرج.. حكايات المسافرين بقطارات لا تعرف الانضباط
كتب- محمد مهدي ودعاء الفولي:
دقيقة واحدة قد تصنع فارقا في حياة أحد الأشخاص، تمنح أحدهم وظيفة، تُنقذ مريض، تُنهي أوراق سفَر أحدهم، تُعطي انطباعا عن أحدهم بكونه منضبطا، غير أن آلاف الركاب يصطدمون -يوميا- بسور ضخم يُسمى تأخر المواعيد، حيث تنطلق القطارات من المحطة في مواقيت متأخرة -وفق عدد من الركاب- وتصل بهم بعد ساعات من المتوقع الوصول فيها. مصراوي أنصت لشكوى بعضهم وكيفية التأقلم مع الواقع المُر.
منذ 3 أسابيع قضت أمل حنفي ست ساعات داخل القطار الفرنساوي المتجه من الإسكندرية إلى القاهرة "دة غير ساعتين انتظار قبل ما القطر يوصل".
حصلت الفتاة التي تدرس بكلية العلوم جامعة الإسكندرية على منحة تابعة لوكالة ناسا مدتها أسبوع في القاهرة "والدتي مكنتش عايزة توديني عشان حادثة الإسكندرية بس أنا أصريت"، برفقة بعض صديقاتها انتظرت أمل القطار "لما لقيناه اتأخر سألنا في المحطة وقالوا احتمال ميجيش واركبوا أي قطر وخلاص حتى لو مراكز"، ظلت الفتيات في حيرة حتى وصل القطار الفرنساوي في السابعة مساءً.
الطريق إلى القاهرة محفوفا بالخوف "القطر كان تقريبا بيزحف مش بيمشي.. وبيقف كل شوية في أماكن مجهولة، فكنا محبوسين في القطر"، لم تعرف طالبة العلوم كيف تتصرف، اتصلت بذويها في المنزل أكثر من مرة لتطمئنهم "مكنتش عارفة هوصل إمتى القاهرة ودة كان أكتر شيء قالقهم"، تلك الحالة الضبابية عمّت القطار، فيما لم تتوقف هواتف العربة بكاملها عن الرنين خوفا من أي حوادث محتملة.
بعدما وصلت الفتاة في وقت متأخر من الليل "قررت أخد سوبر جيت وأنا راجعة إسكندرية.. وأحاول أقلل من استخدام القطر". وقت أن استقلت الفتاة القطار "كنت فاكرة إن المواعيد ظبطت تاني لأن الحادثة كان فات عليها مُدة.. بس واضح إن لسة بدري".
بحكم عمله في مجال الإعلام، كان أشرف التعلبي، الصحفي بمجلة المصور، على علم بحالة التخبط في السكك الحديدية بعد حادث الإسكندرية "بس أنا عارف إن القطر هو أكثر الطرق أمان عشان أوصل لقنا"، لذا قرر خوض التجربة قبل عيد الأضحى الماضي بأربعة أيام.
الحادية عشر مساءً استقل الصحفي القطار على الدرجة الأولى متجها إلى منزل العائلة بمركز أبو تشت في قنا "كنت حاجز درجة أولى مكيف"، أيقن والد الطفلين عمر وفريدة أن العيد سيجعل العربات أكثر ازدحامًا، غير أن الوضع في العربة الأولى كان أسوأ كثيرا.
زحام شديد، هرج ومرج، سجائر، تكييف غير صالح للعمل ومشاهد أخرى عايشها التعلبي في رحلته لمنزله. اعتاد على سوء حالة قطارات الصعيد "انا عارف إن الخط بتاعنا فيه مشاكل.. بحس إننا درجة تانية على عكس خطوط الوجه البحري"، إلا أن ما زاد الأمر صعوبة هو تأخر القطار عن ميعاد وصوله حوالي 6 ساعات كاملة "كان مفروض أوصل ستة الصبح وصلت تقريبا 12 الضهر".
كان القطار يسير أبطأ من المُعتاد "يمكن بنسبة أربعين في المية أقل من سرعته العادية"، ويتوقف بين حين وآخر في أماكن مجهولة بالنسبة للركاب، حسب قول التعلبي.
منذ عشر سنوات يستقل التعلبي القطار من وإلى قنا ببقى عامل حسابي أروح قبل العيد بفترة وأرجع بعدها بفترة عشان العكوسات"، ولم تكن المرة الأخيرة مختلفة، إذ عاد عقب إجازة العيد بأسبوع "بس برضو فوجئت إن مفيش تذاكر واضطريت أركب قطر غير اللي بركبه"، تأخر القطار تلك المرة عن موعد وصوله حوالي ساعة ونصف، ضاقت نفس الصحفي الثلاثيني بما رأى "السكك الحديد عندهم جزء من الخطأ بس كمان سلوكيات الناس مش جيدة".
ما زاد الأمر سوءً داخل القطار هو عدم فهم الركاب ما يحدث "محدش بيقول لنا حاجة وكل ما نسأل حد يقول معرفش"، رغم سوء التجربة إلا أن التعلبي مازال مضطرا لركوب القطار "الميكروباص بالنسبة لي مُرعب.. لأن الطريق معليهوش خدمات ولا نور والطيران صعب لأن مفيش مطار في قنا".
من جانب قال المهندس رضا أبو هرجة، المتحدث باسم هيئة السكك الحديدية، إن التأخير على جميع الخطوط لا يتجاوز 20 دقيقة كحد أقصى، وأضاف في تصريحات لمصراوي أن مواعيد تحرك القطارات منتظمة تماما.
وأوضح أبو هرجة أن سبب التأخير هو عمليات الإصلاح التي تتم في جميع الطرق الخاصة بالقطارات في مصر، مضيفا أن التصليحات تحدث عادة بين منتصف الليل والرابعة فجرا، حيث تكون حركة القطارات أخف كثيرا.
نهى النحاس، 23 عاما، تقطن في دمنهور، غير أنها تركت بلدتها منذ سنوات للدراسة في القاهرة، لذا تضطر إلى السفر في نهاية الأسبوع إلى أسرتها والعودة بعدها بيومين، جعلها ذلك واحدة من المتضررين من تأخر مواعيد القطارات في الآونة الأخيرة.
بعد حادث إسكندرية الأخير، لم تقلق النحاس من شيء، اعتادت ركوب القطار، لكنها فوجئت أن الرحلة التي تستغرق 5 ساعات زادت إلى 7 "كانت معاناة، القطر نفسه بيتأخر علينا، وبيأخد وقت أطول في الطريق بدون سبب مفهوم".
نار التخبط المواعيد طالت الفتاة العشرينية "اتخصم لي من مرتبي بسبب التأخير، لأن القطر مبيوصلش في معاده"، داخل عربات القطار صار طبيعيًا أن تشعر بتململ عدد من الركاب نظرا لتعرضهم لمشاكل بسبب عدم الوصول في التوقيت المُحدد "بقيت حاجة مستفزة خاصة لأن أغلب الركاب موظفين وطلبة أو ناس رايحة تخلص ورق".
للسفر طقوس تلتزم بها النحاس، أضافت عدد من التفاصيل مؤخرا للتأقلم على الوضع جديد "لازم يكون معايا كتاب عشان ملل الانتظار، مبشربش ميه كتير حتى لو هموت من العطش"، تتأكد أيضًا من موعد انطلاق القطار السابق لرحلتها من المحطة للتعرف على مدى تأخر قطارها.
أيضا لم تعد النحاس تستقل القطار في رحلة العودة للقاهرة "بقيت بركب ميكروباص أو أتوبيس عشان متأخرش على الشُغل"، أما عن انطلاقها لدمنهور فمازالت تذهب من محطة مصر "لأنه أنضف وأحسن في الحر، وبخاف من الميكروباص، القطر حوادثه قليلة".
عند تكرار المواعيد غير المنضبطة للقطارات، لم تصمت النحاس، تسأل دائما المسؤولين في رحلاتها "بيقولولي الله أعلم منعرفش"، استسلمت الفتاة، كفت عن الاستفسار أو النقاش "بقيت أتعامل معاه كأمر واقع".
فيديو قد يعجبك: