إعلان

في "الواحات"..رن هاتف النقيب "كريم" فأجاب زميله: "استشهد وأدعوا لنا نرجع"

05:26 م الأحد 22 أكتوبر 2017

النقيب كريم

كتب-إشراق أحمد:

الساعة تشير إلى الخامسة، مساء يوم الجمعة، التاريخ 20 أكتوبر الجاري، يرن هاتف مصطفى رضوان، يتلقى اتصال من صديق مقرب يعمل ضابطًا بالمباحث، سريًعا يسأل المتصل "تعرف حاجة عن كريم النهاردة؟"، يخبره "رضوان" أن بينهم اتفاق باللقاء مساء اليوم كعادتهم، وبعد إلحاح على الصديق المتصل ليعلمه بما في نفسه قال"كريم في مأمورية في الواحات والمأمورية اتضربت وأحنا مش عارفيين حاجة خالص".

دارت الدنيا بعقل صديق النقيب كريم محمد فرحات "25 سنة أعرفه من وأحنا أطفال ووالدي صاحب والده". لدى "رضوان" الكثير من الأصدقاء العاملين في مجال الأمن، ومنهم قام بالخدمة في العريش، لكنه لم يتخيل يومًا أن يكون "كريم" بين ضحايا الإرهاب، لذلك سرعان ما أمسك هاتفه واتصل برقم النقيب.

الأمل لم يغادر "رضوان" خاصة بعدما تلقى رنين لهاتف صديقه، غير أنه ما كان المجيب "لقيت واحد قال لي أنا الظابط أحمد عبد الظاهر في العمليات الخاصة وكريم مصاب"، حينها تشكك الشاب العشريني في أن يكون المتحدث "إرهابي" يريد أن يستدرج مزيدا من رجال الأمن لكمين.

 

أخبر "رضوان" من يعرفهم من رجال الأمن بما حدث، وعكف مع أسرة النقيب كريم على تلمس الأخبار، دون أن ينقطع عن الاتصال بهاتف النقيب، الذي ظلوا متمسكين بالظن أنه على قيد الحياة رغم إجابة المحتفظ بهاتفه في إحدى المكالمات بكلمة "استشهد"، إلى أن توقف الاتصال بينهم والضابط "عبد الظاهر" بعد انفعال أخير منه "قال يا جماعة اقفلوا عشان التليفون لو فصل مش هنرجع كلنا وادعوا لنا" حسبما يقول "رضوان" لمصراوي.

أخبار هنا وهناك، يتمزق "رضوان" ما بين أحاديث المعارف من رجال الأمن، وما يتناقل من أنباء "في موقع كتب اسم كريم أنه مصاب وموقع تاني قال أنه استشهد"، فيما كانت كلمات رجال الداخلية ممن تمكنوا من التواصل معهم "موصلناش محدش عارف مين مات ومين مصاب"، وزادت الأمور توتر بعد نبأ يفيد بـ"استشهاد جميع مَن خرجوا في المأمورية"، حينها قرر "رضوان" غلق الانترنت وجميع وسائل التواصل والاكتفاء بالتواجد في مكان الحدث، في مستشفى الشرطة بالعجوزة.

حتى الرابعة فجر يوم السبت لم يأت الخبر اليقين، وبعودة "رضوان" ووالد النقيب كريم إلى المستشفى مرة أخرى، تزامن وصول خبرين، أحدهما من معارف الأب الضابط المتقاعد يخبره باسم الابن بين الشهداء، والأخر من المستشفى باقتراب وصول المصابين، لكن "رضوان" طالب الوالد بالانتظار لعل الله يحدث أمرًا، ثم جاء المصابين غير أن "كريم" لم يكن فيهم، فقط عرف الصديق أن بينهم الضابط أحمد عبد الظاهر الذي أجاب على هاتف النقيب الراحل، وحينها علم أن ربما أحدهم أنقذه شيء من أشياء "كريم".

2

"كنت عايش على الأمل مكنتش عايز أصدق أنه راح حتى بعد ما والده شافه" يحكي "رضوان" عن لحظات إنكاره لوفاة صديق عمره، التي تيقنوا منها يوم السبت بالذهاب إلى مستشفى "مبارك" في مدينة نصر، حيث تواجدت جثامين الضباط، لكن الشاب المكلوم ظل ممسوسًا بالرجاء حتى حينما اتصل به أحد الأصدقاء ليستعلم عن تفاصيل ما بعد الوفاه أخبره "لسه.. ربنا كبير".

مساء أمس السبت، أعلنت وزارة الداخلية في بيان رسمي لها استشهاد 17 من رجال الشرطة -12 ضابطًا، 4 مجندين، ورقيب شرطة- فضلا عن إصابة 13 أخرين من قوات الأمن، ومقتل 15 إرهابيًا، خلال مأمورية لمداهمة وكر إرهابي للمنطقة المتاخمة للكيلو 135 بطريق الواحات بعمق الصحراء.

عشرة أيام كانت تفصل بين إتمام النقيب كريم فرحات لعامه الثامن والعشرين، يحفظ "رضوان تاريخ ميلاده "31/10/89"، كان يرى فيه صاحب الشخصية المميزة، التي تفرض حضورها في أي ملتقى كما يصف "رضوان"، دون أن يكون لهوية عمله دخل "محدش كان عارف أنه ظابط في الأمن الوطني.. اللي يسأله يقول له ظابط في الوزارة"، حتى ظن الكثير أنه يتولى مهمة إدارية.

في مسجد أبو المكارم بمدينة نصر، عقب صلاة العصر "مكنش في مكان لرجل" كما يصف "رضوان"، احتشدت الأسرة والمعارف والرفاق لتشييع "كريم". مشهد مهيب يحيط بالراحل، الذي دومًا ما تمنى أن يُصدق الناس خلاف الصورة المأخوذة عن رجال الشرطة، حسبما يقول صديقه "يبيقى مضايق من كلام الناس والاتهام بالتقصي الأمني..كان بيحس أنه بيتعب لكن طول الوقت الصورة الغلط هي اللي متاخدة".

انقضي يوم السبت، لكن "رضوان" لم يلتق رفيقه "كريم" كما اعتادًا أن يفعلا، حيث ذلك موعد إجازة النقيب. إلى جانب ما يغوص فيه القلب من حزن، ينتاب الصديق شعور قوى نحو أمنية لا يستطيع تحقيها "أكتر وقت أتمنيت فيه أكون ظابط شرطة هو اليومين دول.. صديق العمر راح ومش عارف أعمل حاجة صحيح في ناس هتجيب حقه لكن كان نفسي أكون معاهم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان