لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بدون برايل وعصا بيضاء.. ماذا فعل التعويم في حياة كفيف؟

04:21 م الأربعاء 01 نوفمبر 2017

محمد أبو طالب

كتبت- شروق غنيم:

في الطريق إلى عمله، كان يسير محمد أبو طالب منذ عدة أيام بيُسر متكئًا على عصاه البيضاء، كما اعتاد منذ عشرة أعوام بالاعتماد عليها "عيني اللي بشوف بيها". إلا أنها فجأة بدون سابق إنذار انفلتت من يديه، التقطها وبينما يحاول إصلاح العطب الذي أصابها، ارتطم جسده بقوة في صندوق قمامة حديدي، فتركت ندبة في صدر الشاب العشريني.

منذ قرابة عام اشترى ابن محافظة سوهاج العصا البيضاء من خارج البلاد، كلّفته حينها حوالي مائتي جنيه، لكن الأداة التي يتعيّن عليه تغييرها بعد مرور ستة أشهر، ارتفع سعرها بشكل جنوني عقب تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر العام الفائت، حتى وصل إلى ألف ونصف جنيهًا.

يجِن عقل الناشط في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، كلما يُفكِر في الأسعار التي آلت إليها وسائل المساعدة للمكفوفين، بسبب استيرادها من الخارج وارتباطها بالدولار، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية.

تُعين العصا البيضاء فاقد البصر على الحركة، تُعلمه بالأجسام المُحيطة به مثل الحواجز أو الأرصفة، ومن حيث التكوين فإنها مزودة بعاكس ضوئي للسيارات، إذ تعمل بنظام الذبذبات والإهتزازات يحيث تحمي من يستخدمها من التعثر في شئ خلال سيره.

ولا يوجد بديل للعصا البيضاء داخل مصر؛ إذ يقول حازم الكومي، المهتم بشئون المكفوفين إن العصا المثالية يجب أن يتوافر فيها عدة مواصفات مثل الخِفة وأن تكون مناسبة لطول كل شخص، وضرورة غمرها بمادة عازلة حتى لا تتأثر بارتفاع أو انخفاض درجة حرارة الجو "واللي هنا جودتها رديئة جدًا وبتتكسر بسرعة".

منذ ثلاثة أشهر وبدأت عصا أبو طالب في الانهيار "ماشية معايا بالعافية، اتقشرت من برة وممكن تتفرد لوحدها، وجلد الإيد بتاعتها اتفك بسبب درجة الحرارة"، لكنه ظل يستخدمها رغم إصابته بكدمات من التعثر في الطريق، حتى يستطيع تدبير المبلغ لشرائها "هتكلفني 1450 جنيه".

انقلبت حياة الناشط في حقوق ذوي الإعاقة حتى في أبسط التفاصيل، لم يطُل تأثير الأسعار عصاه فقط بل أيضًا الآلة الكاتبة. ظلّت رفيقة حياته لأكثر من 23 عامًا، عليها خطت يداه أول كلمات برايل خلال دراسته الابتدائية وصولًا إلى الدراسات العُليا.

لكن بعد قرار تعويم الجنيه بأشهر قليلة؛ اتخذ قرارًا قاسيًا تجاهها بعد أن ارتفعت تكلفة الورق المُستخدم (بريستل 250) للضعف. كان يبلغ ثمن الورقة جنيهًا واحدًا والآن وصل إلى 4 جنيهات "يعني محتاج حوالي 4 آلاف جنيه في السنة". قرر أبو طالب التبرع بالآلة لإحدى مؤسسات رعاية المكفوفين.

بعد هذا القرار؛ لن يكتب أبو طالب بطريقة برايل مرة أخرى في حياته، يوجد بديل وهو استخدام جهاز الكومبيوتر "متعود عليه والتطور مهم، لكن لو مكنتش الفلوس قصرت معايا، عمري ما كنت اتخليت عن الآلة، أنا كبرت واتربيت عليها ولحد آخر ورقة كنت بستخدمها، وهيفضل في قلبي حنين ليها".

منزل أبو طالب يُعّد وطنًا لمكفوفي منطقته من أبناء سوهاج، يتهافت عليه كِبار السن والصغار منذ سبعة أعوام لتعلم الكتابة بطريقة برايل المعتمَدة في مدارس التلاميذ "قولتلهم اللي عاوز يتعلم يجيب آلته معاه، لكن الناس على قد حالها ومعهاش ولا تمن الآلة أو الورق، فمحدش بقى ييجي لي"، فيما يستقبل من يريد التعلم على جهاز الكومبيوتر والهاتف الذكي.

امتدت الشكاوى من غلاء وسائل مساعدة المكفوفين إلى مقاطع الفيديو التي يُسجلها أبو طالب من أجل التوعية بأهمية العصا البيضاء وكيفية استخدامها، لم يمُر بهذا الموقف من قبل، يقول بأسى إن الناس تدوّن تعليقات مثل "وهنجيبها منين؟ هي نقصاك، مبيبقاش عندي رد أنا مش شخص مسئول أقدر أساعدهم".

على عكس الآلة الكاتبة؛ لا تستقيم حياة الشاب ذو التسعة وعشرين عامًا بدون العصا البيضاء. على مدار عشرة أعوام لم يخطر بباله أن شرائها سيكون عبئًا إلى هذه الدرجة "العصاية بتخليني مش محتاج حد عشان أعرف أتحرك وبكون مستقل وقادر أعتمد على نفسي". لذا يستمر أبو طالب في تسجيل مقاطع فيديو حول أهميتها.

في عام 2017، تبدّلت أحوال أبو طالب، خلا يومه من التدوين عبر الآلة الكاتبة سواء لعمله أو لكتابة المقالات، فيما يعافر مع عصاه البيضاء حتى يشتري أخرى جديدة، يتمنى أن تنظر الدولة لحقوقهم "وتعرف إن الحاجات دي مش رفاهية في حياتنا، المفروض يتوفر لنا دعم عشان نجيبها".

اقرأ ايضاً:

في زمن التعويم.. أم تعمل في 3 صنايع من أجل لقمة العيش

2017_10_31_13_7_44_676

-"زيتنا في دقيقنا".. كيف يقاوم "العرسان" آثار التعويم بمساعدات أهاليهم؟

1

-بسبب التعويم مات عبد الجليل.. والابن يحكي قصة البحث عن دواء للسرطان

2

 -أسر تتعذر في دفع مصاريف المدرسة.. 80 جنيهًا بعد التعويم "مش قليلة"

3

-الشقاء بدلا من التكريم.. التعويم يدفع عم "محمد" للعمل بعد المعاش

4

-أغلقت دكان الرزق 4 مرات.. نجلاء "عايشة على الصدقة" من بعد التعويم

6

-بعد عام من الغلاء.. ما فعله التعويم بعالم "الخادمات الأجانب"

2017_11_2_11_44_9_952

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان