من واقع الصراع.. اللبنانيون في انتظار عودة الحياة (تقرير)

كتبت- فايزة أحمد:

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يعلن استقالته من السعودية، زعيم حزب الله حسن نصر الله يتهم الرياض باحتجاز الحريري هناك، الخارجية السعودية تطالب رعاياها بمغادرة لبنان في الحال، الولايات المتحدة تحذر من تحويل لبنان إلى ساحة حرب، أحداث متلاحقة ثقيلة باغتت اللبنانيين منذ مطلع الأسبوع الماضي، حيث بدأت تتلفت الحواس إزاء ما غدا واقعًا مفروضًا عليهم في الوقت الراهن، وذلك بالتزامن مع مواجهة أعباء المعيشة في حياتهم اليومية.

مساء أمس الأحد، قال الحريري أثناء مقابلة تليفزيونية بالرياض، إنه سيعود إلى لبنان خلال أيام، لاستكمال الإجراءات الدستورية بشأن الاستقالة، وعقد مشاورات مع باقي المسئولين في بلاده.

داخل أحد مراكز التجميل بالعاصمة اللبنانية بيروت، شرعت نوال جوني في متابعة الأحداث السياسية الخاصة ببلادها بمزيد من الترقب، عن طريق التلفاز للمرة الأولى عقب انقطاع لفترة طويلة، "الناس عايشة وأخر همها اللي عم يصير.. نحنا بلد ما في شي بيرعبنا"، تلك القناعة التي ترسخت لديها من خلال حديثها مع زبائنها السيدات التي يفرض عليها عملها التعامل معهن يوميًا.

"منحكي في اللي عم يصير لكن ما بنسمح أن يطول حديثنا عن الأمر لأنه ما إله أي تأثير على حياة اللبنانية".. بحماسٍ شديدٍ تُطلع نوال زبائنها على انطباعها عما يحدث لتنهي هذا الحديث "راح يكون كل شي بخير طول ما عنا سيد المقاومة السيد حسن نصر الله ورئيسنا عون"، تواصل عملها مرة أخرى دون الاكتراث بالمخاوف التي تبديها إحدى الزبائن، لإيمانها بأنه مجرد "محاولة للفهم ليس أكثر.. ما حدا خايف أنا بأكدلك أن هيدا حال الأكثرية عنا".

بالرغم من الثقة الكبيرة التي لديها في أن قيادة بلادها لن تسمح باندلاع حربًا مهما كانت الضغوطات، إلاّ أن هذه الأحداث أعادت إلى ذهنها أجواء حرب لبنان مع إسرائيل عام 2006، حيث كانت شاهدة على ما دار " كنا متل اليوم متكاتفين كلنا سوى.. الناس عم بتساعد بعضها"، الأمر الذي يزيد ثقتها أيضًا في شعب بلادها إذا ما وقع ما لا تتمناه أبدًا " لما المصيبة بتحصل منتلف على بعض أكتر، ومنصير أقوى".

بعد انتظار لرد نصر الله استقبلت السيدة الثلاثينية خطابه بمزيد من السعادة والاطمئنان "كان أكتر من رائع"، ساهم في ذلك ما تحلى به من هدوء وثبات في التعليق على تواجد الحريري بالسعودية حتى الآن "هيدا إنسان بيفهم.. قالهم بدكن تحاربونا حربونا نحنا.. مالكم علاقة بشعبنا"، بهذه الكلمات البسيطة بلورت خطابه التي على قنعت بأن كل ما جاء به من صميم صدق حزبه "حزب الله لبناني ومستحيل يقبل بأن شعبه ينهان من حدا".

حالة من الطمأنينة اعترت السيدة الثلاثينية عقب خطاب نصر الله، جعلتها تتفق مع صديقاتها على المشاركة في ماراثون للركض صباح أمس الأحد، لدعم رئيس الوزراء اللبناني والمطالبة بعودته من السعودية " آلاف في الماراثون قالوا بدنا رئيس الوزرا يرجعلنا من الأسر"، تعتقد أن الصراع سينتهي بعودة الحريري إلى وطنه، غير عابئة بأي شيء أخر لا للشيء سوى أنها على قناعة أن "اللي عم يعمل المصايب راح ترتد عليه".

كان عشرات الآلاف من المتسابقين أجمعوا خلال هذه الدورة الـ15 من الماراثون السنوي لحقوق الإنسان الذي أقيم في بيروت، على دعم الحريري والمطالبة بعودته إلى وطنه.

فيما يختلف الوضع نسيبًا في جنوب لبنان بصيدا على وجه الخصوص، حيث لم تشغل بال كارلوس ملاك استقالة الحريري كثيرًا، إذ ينصب نقاشه مع أصدقائه يوميًا على الفساد المستشري بالبلاد منذ وقت طويل، وكيفية اقتلاعه من جذوره؛ حتى تصير بلادهم أقوى "أكبر مصيبة للشعب اللبناني مش إسرائيل ولا أميركا ولا حكامها وإنما الفساد"، هذا الذي يعتبر المسئول عنه بلبنان "كل الأطراف السياسية الممثلة بالحكومة".

تشغل استقالة الحريري حيزًا قليلًا من حديث "ملاك" وأصدقائه الذين انقسموا إلى "منهم اللي بيقول استقال تحت ضغط السعودية وهو محتجز هناك، والبعض بيقولوا إنه موجود حفاظًا على أمنه"، لكنه نأى بنفسه عن الانخراط في هذه الاحتمالات والتنبؤ بالمستقبل "حتى الرئيس بوتين مش عارف حيصير إيه!".

لكن "ملاك" يشعر أن الأجواء الحالية غير مريحة لاسيما في بلدته التي عانت على مدار أعوام من ويلات الحروب التي شهدها لبنان"كل جدار بصيدا كان شاهد على خراب الحرب.. ما بدنا نعيد القصة من جديد"، ذلك للسوء الذي سيلحق بأوضاعهم "حياتنا حتصير سيئة لأن لبنان مساحته صغيرة، والعدوان راح يكون على كل لبناني وليس الحزب فقط".

ينشغل الرجل الذي شارف على الأربعين من عمره في البحث عن عمل هذه الأيام، الأمر الذي جعله غير متعمق فيما تقع من أحداث وما تظهر من تصريحات سواء من الجانب اللبناني أو السعودي، إلاّ أنه لم يفوت فرصة متابعة خطاب زعيم حزب الله الذي لم يلحظ فيه سوى أن "نصر الله كان أهدى من كل المرات السابقة"، ذلك الذي زاد من ثقته بأنه "الصراع لن يطول على أي حال"، لكنه في الوقت نفسه على أهبة الاستعداد إذا تطور النزاع القائم "سنواجه المعتدين وندافع عن أرضنا.. هذا رأي كل اللبنانيين حتى الغير مؤيدين لحزب الله".

اعتبر نصر الله تدخل السعودية في شئون لبنان بمثابة إعلان الحرب على بلاده وحزب الله، بما وصفه بإجبار الحريري على تقديم استقالته من الرياض، وذلك خلال خطاب متلفز ألقاه على شعبه.

أمام إحدى الورش الخاصة بتصليح السيارات بمدينة "طرابلس" الواقعة شمال لبنان، وقف إيساف عباس رفقة زملائه في العمل يتناقشون حول الأمر الجلل الذي وقع في البلاد، والخاص باستقالة الحريري، ومدى تأثير ذلك على عملهم الذي يعانون فيه منذ أمد طويل "بشكل عام نحنا هنا وضع العمل سيء، وإذا صار شيء بيتحول من سيء إلى أسوأ".

لا يختلف الوضع بطرابلس كثيرًا عن صيدا من ناحية الانقسام القائم حول الاستقالة، لكنه اختلف في زيادة حدة القلق والخوف من إمكانية تطور النزاع إلى حرب كتلك التي عانوها سابقًا، الأمر الذي سيلحق الكثيرين من العاملين في المهن الحرفية بالآخرين الذين يعانون من البطالة في البلاد "الدولة أصلا ما بتهتم بأوضاعنا.. وإذا قامت حرب راح نكون في عداد البطالة اللي عم تزيد يوميًا بلبنان".

بلغت نسبة البطالة بين اللبنانيين عقب نزوح السوريين إلى لبنان نحو 30%، وذلك بحسب دراسة أعدتها "مجموعة البنك الدولي" لهذا العام.

كغيره من اللبنانيين يمُني الشاب العشريني نفسه بأن هذا النزاع سينتهي قريبًا، لإدراكه بأن المقاومة في بلاده أقوى من ذي قبل، الأمر الذي سيصعب على أي دولة كانت الدخول معها في حرب "أنا ما بظن أنه يكون في حرب، وإذا صار حرب سعرنا بسعر كل هالناس".