بالصور- من حكايات الجنوب.. راهب فرنسي أوصل أهل الصعيد للعالمية
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
-
عرض 23 صورة
كتب- محمد زكريا:
تصوير- علاء أحمد ومحمود حمدالله:
في العام 1979، سافر اثنان من رهبان فرنسا إلى مصر، بحثا عن مدينة فقيرة يقدمان الخدمة لأهلها، قبل أن يزورا قرية حجازة بمركز قوص جنوب محافظة قنا. وجد الفرنسيان بطرس أيون وفرنسوا جيو في الصعيد ضالتهما، استقرا في القرية التي افتقدت في حينها لأبسط الخدمات، وسكنا بيت صغير يتبع كنيسة القرية الصعيدية.
وجه الفرنسيان جلّ طاقتهما لتعليم أطفال القرية صنوفًا من فنون مختلفة، لم يعرفها مركز قوص قبل مجيئهما إليه. من بين تلك الفنون كان النحت على الخشب، والذي ميز حجازة عن مثيلتها من قرى الصعيد وجعل من مقر التدريب المهني بها مركزًا للتصدير عالميًا، قبل أن تواجه الصناعة شبح الاندثار في الوقت الحالي.
في عمق القرية الفقيرة، تتوزع أراضي زراعية بكثافة، يعمل بها أغلب أهالي حجازة، ووسط الزراعة مباني متواضعة تتشابه مع الحياة في صعيد مصر. يعرف السكان مقر مركز التدريب المهني جيدًا، ويشيرون إليه بـ"شغلانة الأجانب".
داخل إدارة المركز، أخشاب تتوزع بكثافة على أطراف ساحة كبيرة، وعلى أحد الأرصفة، أمام مخزن يحوي جذوع أشجار ضخمة، يجلس صبحي رياض، مسؤول النحت هناك، يحكي الرجل عن خطوات العمل داخل المركز؛ بداية من استلام خشب السرسوع الذي يحضر من أسوان، مرورًا بتقطيعه بواسطة منشار كبير مخصص لهذا الغرض، ثم نقله إلى غرفة تحوي ماكينات تُشكله إلى "طفايات وأطباق فاكهة، أبرزها أطباق زهرة اللوتس"، نهاية بعرض المنتجات داخل مقر جمعية الصعيد للتربية والتنمية في منطقة الضاهر بالقاهرة مع بداية كل عام.
لكن للحكاية أصل وتفاصيل، تعود 40 عامًا إلى الوراء، ويسردها أكرم لظيم، مدير مركز التدريب المهني بحجازة، الذي زرع الراهب الفرنسي بطرس أيون بذرته بعد مجيئه إلى القرية الصعيدية.
يعود لظيم بذاكرته إلى الوراء. وقتها كان طفلًا، واستقبل ضمن أهل القرية حضور الراهبان. اختاره بطرس ضمن 8 أطفال لتعليمهم فن النحت على الخشب، والذي أجاده الفرنسي بحكم عمله بالنجارة قبل مجيئه.
في حينها تواصل بطرس مع مدرسة أقباط تتبع جمعية الصعيد للتربية والتنمية، وفرت المدرسة للراهب مكان يتدرب الأطفال داخله، مرت السنوات وحرفة النحت على الخشب في ازدهار، قبل أن يحمل عام 1986 مرحلة جديدة لأطفال القرية.
عرض بطرس منتجات شبابه الصغار على جمعية الصعيد "سأل إذا كان أطباق الفاكهة الخشبية والطفايات المُشكلة اللي عملناها، ممكن تتباع ولا لا؟.. عشان يساعدنا ماديًا" يتذكر لظيم الحكاية كأنها بالأمس.
تم رصّ الأخشاب التي شكلها الهواة في معرض للجمعية بسوهاج، لاقت المنتجات رواجًا بين المشترين، دفعت الجمعية أثمان المنتجات لصانعيها "الموضوع في البداية كان هواية مش تجارة، لكن لما قبضت فرحت جدًا".
وكان هذا العمل بمثابة النواة، التي لفتت أنظار جمعية الصعيد إلى قرية حجازة، تحول عمل الـ8 شباب من هواية إلى حرفة، شاركت أعمالهم في عديد من معارض جمعية الصعيد في القاهرة "المنتجات بقيت تتباع بنسبة 100%".
شرع بطرس في تدشين ورشة أكبر تضم مزيد من المتدربين، ضم مجموعة أخرى تتألف من 15 طفلًا، ووكل للقدامى تدريب الجدد على العمل تحت إشرافه الشخصي. يستكمل لظيم الحكاية وهو يشير إلى العمال داخل ورشة التصنيع.
دار العمل في حجازة على أحسن وجه، مرت السنوات سريعًا، توسع العمل وضم المشروع مجموعات أخرى من المتدربين، ضاق المكان على أصحابه، عرض بطرس على جمعية الصعيد أمر إنشاء مركز كبير في تدريب النحت، عرضت الجمعية الأمر على الصندوق المصري السويسري للتنمية، وافق الأخير على المقترح الذي قدمه الفرنسي، بعدها تم إنشاء مركز التدريب المهني بحجازة.
كبر المركز وذاع صيته، زاد عدد الخريجين من مدرسته وافتتحوا عملهم الخاص "زادت عدد الطلبيات من البازارات، واشترك المركز بمعارض في سويسرا وفرنسا وأمريكا..حجازة بقيت اسم عالمي، وبيجلها سفراء من كل العالم يزوروها" يقولها مدير المركز بفخر.
حصد الفرنسي الحب لما زرعه في سنوات، التف أصحاب المشروعات حوله، وامطروه بتقدير كبير. فيما كافأه القدر، قبل حوالي 10 سنوات، بالموت على أرض القرية التي أحب العيش فيها، ودُفن في دير مسيحي يبعد عن المركز الذي أنشأه بمسافة تقل عن كيلو مترين.
يفرغ رياض من جلسته وسط الأخشاب، ويلتقط أطراف الحديث من لظيم؛ يؤكد مسؤول النحت أن مشروع الفرنسي كان خدميًا منذ نشأته، وهو ما جعل من سيرة الراحل حية "مفيهوش أي نسبة ربح، والمنتجات اللي بنبيعها مبتغطيش مصاريف المشروع؛ من مرتبات، وخامات ومعدات هالكة بنسبة 90% في مرحلة التدريب".
يمر مسؤول النحت على العمال، ويضيف أن الهدف من المركز هو تدريب الأشخاص على إتقان الحرفة، قبل الدخول في مشروع يحمل صاحبه على كسب قوت يومه "لما بيجي طلبات للجمعية، الورشة تقدر توفر 20% من المطلوب، والـ80% بيوفرها ورش خاصة أصحابها أتدربوا عندنا".
حوالي أربعة عقود مرت على فكرة الفرنسي، لكن في الوقت الحالي يواجه النحت في حجازة بعض من معوقات تُهدد بقائه، على رأسها توفير "السرسوع" الذي يحضره المركز من محافظة أسوان، وهي الأخشاب التي تقوم عليها الحرفة بالكامل "واللي احتمال متلقهاش بعد كام سنة، لأنه مُعرّض للانقراض"، حسبما يقول رياض الذي يضيف أن ندرة الخشب رفعت من سعره كثيرًا "زمان كنا نشتري في السنة 50 و60 طن بـ300 جنيه للطن، دلوقتي متقدرش تتحصل غير على 15 طن بالكتير وبـ2000 جنيه".
عوائق أخرى تواجه العمل في حجازة، وهي ضعف الإقبال واقتصار المتقدمين للنحت على أهل القرية "السنة دي مقدمش غير 3 أفراد بس" يقول لظيم، الذي يرجع الأمر إلى أنها "حرفة صعبة، وبتحتاج موهبة وحس فني وإبداع، فكتير لما بيفشل فيها بياخدها من قصيرها ويشوف شغلانة تانية".
فيما يأمل ابن القرية الصعيدية أن يتخطى المشروع ما يواجهه من صعوبات ويتمدد كما تمنى الراهب الفرنسي قبل وفاته.
فيديو قد يعجبك: