لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حكايات الفزع والرعب في مذبحة مسجد الروضة

12:29 م الأحد 26 نوفمبر 2017

كتب -سامي مجدي:

"بِسْم الله والحمد لله...." لم يكد خطيب مسجد الروضة بمدينة بئر العبد في شمال سيناء يكمل عبارته الاستهلالية في خطبة الجمعة، وكانت عن النبي (ص) في ذكرى مولده، حتى سمع زخات من الرصاص تنطلق من خارج المسجد تبعتها هرولة من مصلين في ساحته الخارجية لم تسعهم جدرانه، ثم حالة من الفوضى وسط تساقط المصلين بين قتيل وجريح.

قُتل 305 مصلين بينهم 27 طفلا وجرح 128 آخرين في مذبحة المسجد، بحسب الإحصاءات الرسمية، في أسوأ هجوم يشنه مسلحون متطرفون في التاريخ المصري الحديث. تفاصيل مرعبة قصها ناجون من الهجوم وأكدها بيان تفصيلي من النيابة العامة يوم السبت.

قالت النيابة إنه "بعد بدء إلقاء خطبة الجمعة... فوجئ المصلون بهجوم من عناصر تكفيرية يتراوح عددهم بين 25 و30 عضوا تكفيريا يرفعون علم داعش ويحملون الأسلحة النارية وأخذوا في إطلاق النار على المصلين".

 

أوضح البيان أن المهاجمين وبعضهم ملثم كانت شعورهم طويلة ويرتدون بذات عسكرية ويحملون أسلحة نارية وأنهم "اتخذوا مواقع أمام باب المسجد ونوافذه وعددها 12 نافذة وأخذوا في إطلاق الأعيرة النارية على المصلين."

وأشارت النيابة العامة إلى أن المسلحين أتوا على متن خمس سيارات رباعية الدفع وأضرموا النار في سيارات المصلين، وعددها سبع سيارات حتى لا يتمكن الناجون من إسعاف الجرحى.

لم يفت على صعود إمام وخطيب المسجد، محمد عبد الفتاح رزيق، منبره سوى دقيقتين حتى سمع زخات الرصاص وفوضى تعم مسجده. كان الرصاص من كل جانب. صُدم الرجل وهو في الثلاثينيات من عمره، فالناس كانت تتساقط أمامه صرعى. سقط من على منبره مغشيا عليه وسط تدافع المصلين الفزعين؛ فنجاه الله من تلك المقتلة.

أصيب الشيخ بجروح خفيفة وكدمات. نُقل الرجل إلى مسقط رأسه في الشرقية؛ حيث أجرى فحوصات طبية. قال "كانت هناك انفجارات خارج المسجد وداخله، ثم اقتحم الإرهابيون المسجد وأطلقوا الرصاص على الناس." وأضاف رزيق أن الهجوم استغرق من 15 إلى 20 دقيقة.

نقلت النيابة عن جرحى -التقاهم المحققون- سماعهم "أعيرة نارية كثيفة خارج المسجد مع أصوات انفجارات عالية، تبعها دخول" المسلحين إلى المسجد.

تقع القرية، والمسجد أيضا، على الطريق الدولي العريش-القنطرة. وإلى مقربة منها توجد شركة النصر للملاحات حيث يؤدي العمال صلاة الجمعة في المسجد ذو المئذنة الشهيرة والتي يعرفها كل من اعتاد السفر إلى ذلك الجزء المضطرب من شبه جزيرة سيناء. زاد من عدد المصلين في ذلك اليوم وجود حفل زفاف إلى جوار المسجد، بحسب بعض أهالي القرية، تحدثوا إلى مصراوي.

كل هذا يفسر ارتفاع عدد الضحايا إلى هذا الحد الذي يضع الهجوم من بين أكثر الهجمات دموية في العالم منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة التي سقط فيها قرابة ثلاثة آلاف من المدنيين.

القصص المروعة كثيرة، وتداعيات الهجوم فوق الاحتمال؛ فالقرية فقدت عددا كبيرا من رجالها خلافا للمصابين. مثلا هناك خالد محمد سليمان كان نصيب عائلته، آل جرير، سقوط 18 شهيدًا بينهم خمسة أطفال. وصف سليمان لمصراوي حالة الفوضى والفزع التي صاحبت الهجوم؛ مع تدافع المصلين في الساحة الخارجية للمسجد بحثًا عن طوق نجاة داخله.

أصيب الرجل المتزوج حديثا بطلق ناري في ساقه اليمنى غير أنه لم يستقر بجسمه. أنقذه من الموت المحقق سقوط أحد المصلين عليه صريعًا. قال "وقع فوقي شهيد. وكان هناك آخر عن يميني مباشرة،" كان الشاب يجلس إلى جوار أحد أقاربه المصاب في مستشفى بئر العبد التي تبعد نحو 40 كيلومترا عن القرية عندما تحدث إلى مصراوي ظهيرة يوم السبت.

يتذكر سليمان مشهدا لم يفارق مخيلته: طفل في السادسة أو السابعة من عمره كان عن يساره ناشد المسلح "متموتنيش ياعمي متموتنيش" فما كان من ذلك المسلح إلا أن أفرغ رصاصة في رأسه ففارق الحياة على الفور، حسبما قال سليمان.

بعد انقضاء الهجوم وفرار مرتكبي المذبحة. استفاق الشاب وتحامل على نفسه وبدأ في البحث حوله عن أخويه، فوجدهما على مقربة منه "شهيدين"، وإلى جوارهما ستة آخرين من أبناء عمومته. ما هي إلا دقائق حتى سمع أمه تنادي عليه من ناحية باب المسجد سألته عن إخوته. رد "قلت لها إخواتي ماتوا." تمالكت السيدة البدوية نفسها وساعدت فلذة كبدها ليخرج من المسجد بعد أن أراها جثتي أخويه.

قال سلمان "فقدنا معظم من عشنا معهم منذ الولادة. الكل له قصة. بعض الناس ماتوا في المجزرة وعائلاتهم فقدت من يعولها."

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى الآن، إلا أن بصماته تشير إلى أن منفذيه يتبعون "ولاية سيناء" فرع تنظيم الدولة الإسلامية في مصر؛ فعناصر التنظيم سبق وأن هددوا القرية ومرتادي المسجد قبل نحو ثلاثة أسابيع، بحسب أحد القرويين تحدث إلى مصراوي على مدى اليومين الماضيين.

قال محمد أحمد إبراهيم، وهو طالب جامعي، إن أهالي القرية "مسكوا غرباء" منذ فترة وسلموهم للأمن. بعدها جاء "التفكيريون وحذروا الأهالي من التعامل مع الجيش والشرطة وإقامة الحضرات وحلقات الذكر في المسجد" المعروف بأنه يتبع الصوفية الذين أعلن التنظيم أنهم هدفا مشروعا لهم بحكم أنهم في عُرف دولة البغدادي المزعومة "كفار"، وأن المسجد "مسجد ضرار" يحق لهم استهدافه والمصلين فيه.

وفي العام الماضي خرج أحد قيادات تنظيم داعش في حوار نشرته مجلة "النبأ" التابعة للتنظيم يتوعد صوفيي سيناء قائلا: "أعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم أننا لن نسمح بوجود زوايا لكم" في سيناء. كما ذبح التنظيم الشيخ التسعيني، سليمان أبو حراز، أحد كبار مشايخ الصوفية في شبه جزيرة سيناء، ونشر صور فعلته على الإنترنت.

لم يكن الصوفيون وحدهم هدفًا لهجمات التنظيم؛ فقد سبقهم المسيحيون الأقباط في العريش مطلع العام الجاري، حتى اضطروا إلى هجرة بيوتهم بحثا عن الأمان في مكان آخر على الجانب الآخر من قناة السويس التي تفصل سيناء عن البر الرئيسي للبلاد.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان