إعلان

مصراوي يحاور الشيخ الدميري "المسئول الأول" عن احتفال "السياحة" بسيوة

11:18 ص الأربعاء 08 نوفمبر 2017

 

حوار- أحمد الليثي ومحمد مهدي:

تصوير- كريم أحمد:

خلال ثلاثة أيام مضت كان جبل الدكرور بسيوة يتحول من مكان جامد خال من الحياة إلا بأحاديث رمال الصحراء، إلى مستقر يهيم بالحيوية والحراك الذي لا يتوقف للحظة؛ تحضيرات لطعام وصلوات متتالية وأجساد تهتز وأفئدة تتوهج داخل حلقات الذكر، وسط مئات يتوافدون إلى الجبل لاحتفال "السياحة"، الحدث الأشهر بالواحة، فيما تتعلق الأنظار بذلك الشخص المسئول عن الاحتفال، خادم الطريقة المدنية الشاذلية بسيوة، الشيخ عبد الرحمن الدميري.

حاور مصراوي الشيخ الدميري قبل لحظات من انتهاء الاحتفال، عن الاستعدادات للحدث الكبير، وكيفية تحديد موعده الذي يتبدل حسب ظروف بعينها، والطقوس التي تسبق وتتخلل الحدث، ومعنى "السياحة" المرتبط بالصوفية، تفسير السبب الرئيس لإقامة الاحتفال عبر عقود مضت وسط روايات متضاربة. نحدث الشيخ عن والده الذي استلم منه راية الطريقة المدنية الشاذلية وكيف اختلفت سيوة واحتفالاتها بين العهدين.

- احتفال السياحة شيء متوارث في سيوة..منذ متى بدأت تلك المراسم؟

أول احتفال سياحة كان في سنة 1285 هجريًا.

- هناك حكايات عدة عن سبب الاحتفال على رأسها الخلاف القبلي في سيوة.. ما هو الأدق في رأيك؟

في أي مكان يوجد خلاف بين الأسر، لكن ما يتعلق بالاحتفال هو حقيقة واحدة تاريخية؛ وهي إن الطريقة المدنية الشاذلية منسوبة للشيخ محمد ظاهر المدني، أستاذ تفسير قرآن من المدينة المنورة واللي بتقام على سيرته "السياحة" وهي تعني "السوح" في الأرض بحثا عن الله، والقصة إنه زي ما قال، سمع عند الروضة الشريفة صوت يقول له "فذكر فإن الذكرى تنفع المسلمين"، فعلم إنه أمر له بالخروج من المدينة واتجه لتونس واتعلم على يد شيخه الدرقاوي، قعد معاه 9 سنوات كمريد ثم قاله انصرف وادعوا الناس إلى الإسلام والخير والمحبة، فخرج.

- وكيف جاءت صلته بسيوة؟

لما خرج، بقى له في كل بلد مندوب ومريدين، منهم في سيوة، كانوا مشتاقين لشيخهم وهو كان عايز يزورهم فقرر يجي، اجتمع أهالي سيوة، قالوا لما مسؤول بيجي بنعمله احتفال، وبنختار أفضل مكان لاستقباله، فما بالك شيخنا، فاختاروا جبل الدكرور، لأن رماله صفراء ونضيفة وبعيد عن المباني، وهناك استقبلوه وعملوا غدا واجتمع فيه الناس اللي مش بيتقابلوا إلا كل فين وفين، فلما سافر قالوا نحتفل باليوم كل سنة، ونخليه 3 أيام لأنها بركة ومودة ومحبة وصلة رحم.

- لكن رواية ارتباط احتفال السياحة بالصلح بين الشرقيين والغربيين قبل 200 عام هي السائدة بين أهل بسيوة.

دي حواديت العوام لكن لا أساس لها من الصحة، ومطلوب تصحيح الكلام ده، الاحتفال ديني لا هو لذكرى تصالح أو حصاد زيتون ولا حتى عيد قومي، دي أقاويل بتتنقل بين الناس وهي غير صحيحة، والناس بتحب حكايات الدراما، عشان كدة قصة الخلاف بين الشرقيين والغربيين بتلقى رواج، لكنها مجرد خلافات حصلت زي ما بتحصل في البيت الواحد.

- الاحتفالات توقفت عقب الثورة لمدة 4 سنوات.. فهل حدث أي توقف آخر خلال سنوات مضت؟

بالفعل كان في فترة انقطعت فيها الاحتفالات وده كان أيام الحرب العالمية التانية، ثم رجعت تاني، لأن الناس في حالة حرب مكنش حد قادر على الاحتفال.

- البعض اشتكى من موعد احتفال السياحة هذا العام.. فكيف يتم تحديده؟

ده مفهوم لأن الناس متعودة يكون في شهر أكتوبر، لكن تم تأجيله لأن الشهر دخل ولسه الدنيا حر شديد. والثابت إن "احتفال السياحة" مالوش ميعاد ثابت، الأهم يكون في الثلاث ليالي القمرية من شهور في شهور 9 أو 10 أو 11. ومفيش حد بياخد قرار فردي، نتجمع كل سنة، عندنا مجلس شورى في الطريقة، بنتفق على ميعاد للاحتفال والجميع يبقى ملزم بيه. الاختيار في الأساس له سبب عشان يكون الجو خريف ومحدش ياخد ضربة شمس ويتعب، وبليل يكون فيه إضاءة من القمر عشان زمان مفيش نور.

-احتفال السياحة يحتاج تحضيرات كبيرة.. متى تبدأون الاستعداد لها؟

بعد تحديد يوم بدء الاحتفال، بنعلن عنه عشان الجميع يعرف، ثم بندي فرصة أسبوعين لكل جامع في سيوة للتبرع، وبتبدأ من جنيه لأي مبلغ حسب الحالة المادية لكل شخص، اللي عايز يدفع أي مبلغ براحته، الدنيا سهلة مع كل الناس، واتفقنا إن كل شخص ممكن يشارك بـ10 جنيه فقط واللي عايز يزود أجره على الله.

- ما هي آلية جمع التبرعات وكيف يتم إنفاقها؟

كل مسجد بيكون فيه شخص اسمه المقدم مسؤول، عنده دفتر بيقيد الأسماء والتبرعات، ويوم الجمعة بعد انتهاء المهلة بنقعد نجيب المبالغ المتحصلة وبنحسب كل جامع بيدي كام، ونشوف المبلغ الكلي، ونكلم واحد من الجزارين لأننا بنحتاج لحمة للاحتفال، وبنشتري دبايح على قد الفلوس اللي جمعناها.

- تواجدتم في الجبل قبل الاحتفال بيوم.. لماذا؟

بنجيب الدبايح، ويحضر الطباخين يجهزور الأكل للناس، وكل جامع بيجهز لوازمه الخاصة بيه من حطب وحلل وصواني وعيش.

-يقال إن كل بيت سيوي يشارك في الاحتفال.. كيف يتم ذلك؟

دي حقيقة لأن كل بيت بيطلع من عنده 5 أرغفة من المجردل- عيش سيوي شبيه بالرقاق، وبنجمع حصة كل منطقة في مخزن بالجامع في شوالات، وبيجي جبل الدكرور يوم تجميع الحطب والحلل. وبنخلط العيش كله على بعضه يتحط.. عشان وأنت بتاكل متعرفش دا عييش مين ويبقى كلنا عيش وملح.. حتى القعدة وقت الأكل بنعمل دواير مبتبقاش مختار تقعد مع مين؛ أطفال ولا شيخ كبير، فقير أو غني. كل سيوة شخص واحد أدام ربنا.

- ما هي الطقوس الأساسية في الاحتفال؟

قبل العيد بيوم واحد بيكون كل حاجة جاهزة، وأول يوم فيه تجمع لكل الناس، ثم الغدا فتة "عيش بالمرقة ولحمة"، وبعدها بنوزع لحمة للناس اللي دفعت تبرعات، بتبقى عبارة عن سيخ من النخل فيه لحمتين، اللي دافع فلوس بيأخدها قدها لحمة كشئ رمزي يعني، ونقعد للمغرب ثم بنعمل مزاد علني للكوارع والرؤوس والديول والمبلغ اللي بيجي بنوزعه على الطباخين لإنهم بيشتغلوا أيام الاحتفال متطوعين. ثم تبدأ الحضرة والذكر.

- وكيف تكون الأجواء باقي أيام الاحتفال؟

تاني يوم غدا وبليل حضرة، والتالت نفس النظام بس في العصرية بنعمل ختمة للقرآن ونهديها لشيخنا، ونخلص على المغربية ونصلي ونعمل حضرة، ورابع يوم الصبح بدري كل جامع ياخد حاجته، وعندنا علمين في الجبل واحد للأغورمي وواحد لينا، بنطلع نجيبهم ونتصافح وننزل لسيوة، نعمل محفل أذكار وأناشيد بيكون منظره حلو، ونعمل حضرة صغيرة وندعي لسيوة والزراعة ونعلن انتهاء الاحتفال.

-بعض الذين شاهدوا الحضرة كانت تتلمكهم الدهشة وقالوا إن المشهد مجرد "دروشة"؟

اللي ميعرفش معذور؛ وأنا في شبابي كنت زيهم، وبسأل هي الناس بتعمل كدا ليه وبشوفهم بيهتزوا وأقول أيه الفايدة من ده. سألت والدي قالي: بكرة تعرف قيمة الحضرة، لحد ما أيقنت وجربت إنها تدريب روحاني؛ لأن الإنسان أوقات بيكون مشحون بمشاكل وضغوط فالحضرة دي بتريح من الهموم وتوصل العبد بربه. هو فيه أحسن من قولة "الله حي" وذكره من قلب صافي ومخلص. 

- كيف يتم التنسيق مع الجهات المعنية لإتمام الاحتفال؟

طبعًا بنخطر المحافظة عشان نستعد لليوم من غير وقوع أي أضرار أو أزمات، بيجي أمن وخدمات ومطافي، الأمن بيساعدنا في غلق المنطقة بتاعة الجبل من الناحيتين، عشان دخول العربيات بيسبب الزحام عشان ما يحصلش حوادث لا قدر الله.

-وهل للطرق الصوفية بالقاهرة أي علاقة بالاحتفال؟

لا علاقة لنا بهم، يتم التزاور فقط بشكل ودي لكن لا يتم التنسيق معهم بأي حال.

- هل تحرصون على دعوة أحد المسئولين خلال الاحتفال؟

بندعي المحافظ لو فاضي بيجي، ودايما فيه مسؤولين بتيجي. السنادي مثلا حضر ناس كتير من المحافظة، وقائد القطاع العسكري ومأمور القسم.

- البعض انتقد وجود سوق بجوار مكان الاحتفال.. كيف ترى الأمر؟

فيه ناس بتقول كدا، وأنا بقولهم دي منافع للناس، ليه نمنع السوق، دي فرصة للبيع والشراء والأطفال بيتبسطوا من الأكل واللعب. وكمان هو إحنا أحسن من الحجاز؟ وقت الحج فيه سوق وربنا بيقول "فيه منافع للناس"، ليه إحنا نعارض ده.

- الاحتفال يضم عددا كبيرا للضيوف من المحافظات والأجانب.. فهل يؤثر ذلك على الأجواء؟

بالطبع وجودهم بيسعدنا وعمرهم ما يضايقونا، صحيح البعض بيتأثر بموضوع إنهم بيصوروا الناس في الاحتفال، لكن الشخص الواعي مدرك إن دي حاجة مش وحشة، وإنه توثيق للاحتفال ومحبة لسيوة وأهلها.

- الطريقة الشاذلية تقوم بمجهود ضخم خلال الاحتفال.. فما هو دورها بعيدًا عن أيام "السياحة"؟

طول الوقت عندنا أنشطة داخلية؛ إحنا عندنا كل ليلة الجمعة، يوم الخميس، بنجتمع الطريقة والمريدين والمقدمين، بنعمل حضرة وذكر ونقعد مع بعض لو حد يقول درس أو حد يسأل، ويوم الجمعة وقت العصر بنفتح كناب الإمام مالك –الموطأ- ونشرح منه مرة عن الزكاة أو الصيام وكل اللي يخص حياتنا.

- كان والدك مسئولا عن الطريقة الشاذلية فكيف انتقلت إليك القيادة بسيوة؟

والدي الله يرحمه كان الشيخ محمد الدميري، شيخ قبيلة والطريقة المدنية الشاذلية، وأنا أخدت عنه الطريقة بعد وفاته، وأنا في الأصل دخلت كمريد في الطريقة وأنا عندي 30 سنة وكملت معاهم لحد ما والدي توفى في سنة 2000 ثم استلمت مكانه.

- وما هي الطريقة التي تمت لاختيارك شيخا للطريقة.. هل كانت بالتزكية؟

عندنا هنا الطريقة بتكون بالشورى بين الجوامع؛ وكل جامع له مندوب اسمه مقدم ومعاه شويش، مش جيش طبعا دي مسميات للمسئولين في الطريقة. المقدمين حوالي 30 واحد، بيجتمعوا كمجلس شورى ويختاروا خليفة، واستقروا على اختياري.

- وما المواصفات الواجب توافرها في شيخ الطريقة؟

لازم يكون راجل ذو أخلاق عالية، متعلم ومثقف، بيقدر يلم الناس ويبقى صدره واسع لأنه هيستقبل ناس كتيرة ومينفعش ينفعل من حد، واللي جاي زعلان بيراضيه، ويقف جنب الناس في أي مشكلة ويروح معاهم أي مصلحة يخلصهالهم ويرعى مصالحهم.

- عايشت الاحتفال شابا ومريدا في الطريقة الشاذلية ثم أصبحت المسئول الأول عنه.. حدثنا عن الاختلافات بمرور الزمن؟

الفرق "الحضارة"؛ الأول مكنش فيه كهربا ولا عربيات ولا حاجة خالص،كان حدث بسيط، لا تجارة، لا حد يبيع أو يشتري أو حد يعمل أكل، بس لما الناس كترت والحال اتغير قولنا لا الناس تستنفع ونفرح الأولاد، بيجروا ويشتروا اللعب، لكن الطقوس هي هي، والأهم الذكر والود بين الناس بمحبة.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان