في ميدان الساعة.. عندما ثار الإسكندر الأكبر مع المتظاهرين
كتب- محمد مهدي:
تصوير- أحمد رمضان:
دخان أسود كثيف يملأ السماء، أسفله عشرات من المتظاهرين يتحلقون حول تمثال الإسكندر الأكبر وفوقه بميدان الساعة، البرونز يتحمل ثُقل أجسادهم وحماس هتافاتهم، يضمن لهم البقاء لأطول فترة ممكنة في هذا المشهد، الذي شدّ انتباه المصور "أحمد رمضان" خلال تغطيته جمعة الغضب، ليلتقط واحدة من أبرز الصور التي وثقت لأحداث الثورة في عروس البحر المتوسط.
كان مصور جريدة الدستور-حينذاك- قد تحرك في صبيحة يوم 28 يناير برفقة زميله عمرو دياب متجهًا إلى مسجد القائد إبراهيم لتغطية التظاهرات التي قيل إنها ستتحرك عقب صلاة الجمعة، وفيه يده كاميرته الصغيرة من نوع "دي نيكون 90".
هناك وجدا أعداد كبيرة من قوات الأمن المركزي "في الأول كان تعامل الأمن كويس ومفيش مشكلة" غير أنهم هجموا فجأة على المصلين في الركعة الأخيرة.
الغاز يغشي الوجوه، لا ينفض الجمع، الشرطة تنفعل، تندفع نحو المتظاهرين للاعتداء عليهم-وفق رمضان، ينظر بجواره لا يجد زميله، يتحرك بارتباك هنا وهناك ملتقطًا أكبر قدر من الصور للحدث "مكنش عندي خبرة كبيرة وقتها".
تشتد الأحداث، تنفلت الأمور قبل أن يظهر فجأة مدد من مسيرات بحري "بوصولهم انهارت الشرطة فجأة وانسحبت" وبينما يحتفل الناس ظهر زميله غارقًا في الدماء.
أُصيب "دياب" في رأسه، كاد الأمر أن يقضي على استكمال عملهما، غير أنهما ضمدا جراحه في صيدلية مجاورة واستكملا طريقهما برفقة المتظاهرين، دلفا إلى شارع فؤاد بوسط المدينة "كانت الناس بتحدفلنا مايه ويقولونا صورونا وانقلوا اللي بيحصل".
عرجا بعدها إلى ميدان الساعة حيث تمثال الإسكندر الأكبر وصورته الأثيرة "كان ممكن منلحقش المظاهرة لو وقفنا نبعت الشغل للجرنان، بس لقينا الإنترنت مقطوع فكملنا".
أمام التمثال يقبع مبنى تابع لوزارة الداخلية، وبالقرب منه قطعة ممتلئة بالأشجار، انقض عدد من السائرين بالمظاهرة على سيارات الشرطة، أشعلوا فيها النيران، امتدت إلى الأنحاء.
لحظات غطى المكان كتل من الدخان، فيما اعتلى البعض الإسكندر الأكبر وحصانه "كنت رايح أخد صورة للحريق والمبنى، لكن مشهد الناس ملمومين حولين التمثال والإضاءة بالدخان شدني".
لم يفكر "رمضان" كثيرًا، وأيضًا لم يضبط إيقاع "الكادر" بدقة الخبير، وجه كاميرته نحو التمثال والمتظاهرين، فعلها بفطرة وعفوية وسرعة "مكنش في بالي تكوين للكادر، بس رمزية التمثال فرقت كتير في قيمة الصورة" التقطها من المرة الأولى ولم يُكرر المحاولة.
دار المصور الشاب في المكان لمزيد من الصور، ثم غادر برفقة زميله إلى مقر صحيفة الشروق، إذ أنه المكان الأقرب للأحداث، حاول الجميع إرسال الصور عبر الإنترنت غير أنه لم يعد بَعد "كان قرارنا إننا نسافر تاني يوم مصر نوصل صور جميع الزملاء".
عندما وصل إلى القاهرة انطلق إلى جريدته "الدستور" لمنحهم كافة الصور، ثم إلى الوكالة الفرنسية "كنت بعمل معاهم بالقطعة"سلمهم صورة الإسكندر الأكبر، ليتلقى ردًا منهم بعد أيام "إنها من أكتر الصور اللي انتشرت على الوكالة".
علاقة "رمضان" بصورته لم تنقطع، يعتبرها من أفضل 3 صور التقطها في مسيرته الممتدة لنحو 8 سنوات، يتذكرها دائمًا كلما مر من أمام التمثال الشهير بالإسكندرية، ويؤلمه انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي في ذكرى الثورة رغم المديح.
"بحس إن اللي حصل في مصر مش بس راح هدر، لا دا كأنه مجاش أساسًا" يقولها رمضان بأسى، فيما لا ينسى منذ 4 أعوام حينما طلب منه أحد أصدقائه من القاهرة اصطحابه إلى هناك "قالي خدلي صورة في نفس المكان، صورتك دي تاريخ".
تابع باقي موضوعات الملف:
الثورة.. لقطة (ملف خاص)
في جمعة الغضب.. كواليس صورة بكى فيها ''عسكري''
من إيطاليا إلى التحرير.. ''ماركو لونجاري'' يروي لحظاته مع الثورة المصرية
جنازة ثائر مجهول.. نظرة على ''يناير'' من الشباك
الثورة في الزمالك.. قصة أول مظاهرة في الحي الراقي
بين الدخان والأصابع المكسورة.. ''صائد القنابل'' يُعانق الثورة
''كاب وطفّاية وبنزين''.. صورة التناقضات من ثورة السويس
''من أجلك أنت''.. قصة احتراق الحزب الوطني
فيديو قد يعجبك: