إعلان

25 يناير على مقهى شعبي.. الثورة لسه ساكنة البشر

08:03 م السبت 11 فبراير 2017

ارشيفية

كتب - محمد زكريا:
على مقهى شعبي. يَّعم الصخب أرجائه. صوب "عبد المنعم إبراهيم" نظره إلى الشارع الهادئ، بعد أن عبرته عدد من عربات الشرطة، تزامنًا مع حلول الذكرى السادسة لثورة الـ25 من يناير. جدد مُعلم التاريخ نقاشه مع أصدقائه حول الثورة التي انطلقت بالعام 2011، أخبره "كامل مصطفى" عن تَغيُر وقع بداخل نفسه انعكس على ممارسته لعمله، وافقه "أحمد موسى" بالحكي عن تَحول اهتمامه بالكامل بعيدًا عن الكرة. وفي الوقت الذي يزيد الجدل بين رفاق "القهوة" عن الحدث الذي انطلق قبل 6 سنوات، كانت الثورة على المقهى مستمرة في روح الذين كانوا يومًا رفاق لكن للميدان حينها.

وسط شارع هادئ، يتوسطه مقهى يَعج بزبائنه الدائمين. حدث إبراهيم أصدقائه عن إصلاح جزري لازم وقوع "أعظم حدث في تاريخ مصر الحديث" حسبما يرى، خالفه صديق بشدة؛ مُعللًا انفعاله بسوء أوضاع اقتصادية واجتماعية مُتزايد، قاطعه إبراهيم بكلمات هادئة: "الثورة فكرة، هتفضل حاضرة في عقول الجيل الصغير اللي عاشها، واللي هيقدر يحقق أهدافها في يوم من الأيام". قبل أن يُثبت صاحب الـ40 عامًا وجهته بسرد مواقف عاشها بنفسه، تلبست "روح الثورة" تفاصيلها.

قبل شهور قليلة، رفض أحد الطلاب الرضوخ لابتزاز مُعلم، حاول إجباره على الالتحاق بمجوعته للدروس الخاصة "الطالب قاله بكل أدب، أنا مش هاخد دروس وهذاكر لوحدي، ومش هتأذيني في أعمال السنة؛ لأني بعمل كل اللي عليا على أكمل وجه، وبجيب درجات نهائية في امتحانات الشفوي والتحريري.. وهقدم في حضرتك شكوى"، بعدها "لم المدرس نفسه"، فيما سيطر الفخر على الطالب الثانوي الذي حدث مُدرس التاريخ عن آثر الثورة العظيم بداخل نفسه.

الدقائق تمر، الحديث عن الثورة لا ينقطع، يُلبي مُقدم الطلبات احتياجات زبائنه، يلتقف "القهوجي" حديث الأصدقاء ويقول ساخرًا "ثورة إيه يا بيه، إحنا شوية ومش هنلاقي ناكل"، يجيبه مصطفى ضاحكًا "ما هو إحنا مش هنلاقي ناكل عشان الثورة اتسرقت" قبل أن يُطالبه مُبتسمًا بـ"كوباية شاي خمسينة"، في الوقت الذي يحكي المُدرس الأربعيني عن شجاعة طالبته التي لم تتعد عامها الـ18.

قبل شهر واحد، اصطحب المُدرس تلاميذه في رحلة إلى الأهرامات، حاول الجميع تسلق الهرم؛ لالتقاط صورة تذكارية، غير أن "الشرطي مَنعنا، وكلمنا بشكل وحش" في الوقت الذي سمح لعدد من السائحين بإتمام الأمر، وقتها فاجأت إحدى الفتيات مُعلمها بتوجيه حديثها للشرطي "قالتله مينفعش تعمل كده، اللي يمشي علينا يمشي على الأجانب"، بعدها دار بينها والشرطي؛ حديث انتهى باقتناع الأخير بصحة موقف الفتاة، التي حدثت مُدرسها عن اقتياد سلوكها بالشباب "اللي واجه الموت في الثورة".

تتدافع الحكايات من ذاكرة الرجل الأربعيني، يرشف مصطفى قليلًا من كوبه الساخن، يحكي المحامي عن التغيير الذي ألحقته الثورة بشخصه "بقيت بعامل الناس كلها سواسية.. مبقتش انبهر باللي معاه سلطة في المحاكم والأقسام". وفي الوقت الذي يدور بعقل صاحب الـ24 عامًا صور الجموع الهاتفة بالتغيير قبل 6 سنوات، يتذكر مطالبات والده المُستمرة له بمشاركة الرافضين للقمع والفساد "حتى لو هموت".

التغيير الذي أحدثته ثورة يناير، لم يغب أيضًا عن نفس موسى، إذ حَول من اهتمامات الشاب العشريني بالكامل. في العام 2010، كان موسى طفلًا "كنت فاهم أن الكرة هي الأمل، كان وصول مصر لكأس العالم هو أقصى طموحاتي.. كنت طالع بالكرة السما وهي أصلًا بتجري على الأرض".

يستند موسى بظهره على كرسي خشبي، يُلقي نظرة قصيرة تجاه شاشة المقهى التي تعرض إحدى المبارايات الأوروبية، يتحدث عن التغيير الذي أحدثته الثورة بداخل عقله "اكتشفت أن الكرة كانت بتلهينا عن متابعة أحوال البلد، اكتشفت إنها ضيعت حقوقنا، ده حتى مبارك كان عايز يورث الحكم لجمال من خلالها".

يرمق خريج كلية الهندسة النظر إلى شاشة المقهى دون اعتناء، ويضيف باستخفاف "في 2014، لما خسرنا كأس العالم، كان الموضوع بالنسبة لي عادي، وحتى محصلش ضجة وقتها". نفس الإحساس يعيشه الشاب العشريني تلك الأيام في أثناء متابعته لرحلة مصر في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018 "لو مكنتش الثورة قامت؛ كنت هفضل لسه عايش في الغيبوبة؛ قاعد مستني كأس العالم.. الأولى دلوقتي أطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية اللي الناس ماتت عشانهم".

الساعات تمر، ضجيج المقهى يتزايد، النقاش بين إبراهيم وأصدقائه لا ينتهي، يُحدثه صديق آخر عن عثرات زادت حدتها عقب الـ3 من يوليو 2013، يهز مُدرس التاريخ رأسه بالموافقة ويقول في ثقة: "الثورة الفرنسية استمرت عشرات السنين"، بينما يدمغ حجته بالاستشهاد بـ"خوف أعداء الثورة من العيال تتجمع في ماتش كرة، خوفهم من الناس على القهاوي، خوفهم من تجمعات معرض الكتاب.. القبضة الأمنية أساسًا دليل على استمرار روح الثورة" وفق حديثه. قبل أن يزيد مصطفى وموسى بتأييد حجة مُدرس التاريخ، الذي يختتم جلسته بكلماته المُقتضبة: "تأتي النار من مستصغر الشرر".

فيديو قد يعجبك: