سوريا في "الكرفان".. حلم إنقاذ الوطن داخل 12 متر (فيديو وصور)
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
كتب-إشراق أحمد:
لم يكن شيء متاح في شوارع سوريا خلاف السير والبيع والشراء، لكن خلدون البطل تحلق بحلم توصيل الفن للناس في أماكنها، وتنمية عقول الصغار، أخذ يتوق للبراح حتى كسر ذلك الممنوع عام 2008.
في قلعة دمشق التاريخية وشوارعها قدم الشاب الثلاثيني ضمن فريق تمثيلي، أول عرض مسرح شارع في سوريا، تحقق الحلم الذي يعمل عليه منذ 2001، ورغم حدوث ذلك بسبب رعاية المركز الثقافي الفرنسي للعرض، لكنه ظل انجازًا لـ"البطل"، لاح له بعد تصاعد الأحداث في عام 2011، تمسك الشاب بتجاوز الممنوع، الذي تمثل هذه المرة في قصف الطائرات والمجازر، صنع له "كرفان" برفقة صديقين، جمعوا فيه الأطفال داخل سوريا، وانتقلوا إليهم خارجها، عسى تحميهم الألعاب والعلم والابتسامة من أشباح الحروب وصانعيها.
كانت شمس نهار فبراير تُضفي شيئًا من الدفء على ربوع الفارين من قصف الطيران، حين ظهرت عربة صغيرة، في المزارع المتواجدة بطريق الأوتوستراد الرابط بين دمشق وحلب. "كرفان" متنقل تزينه رسوم بخط اليد، خرج منه ثلاثة شباب -شابين وصبية- أخبروا الجمع أنهم جاءوا لأجل الأطفال، فيما يحملون اللعب والألوان؛ الدهشة اعتلت الوجوه كباراً وصغارًا، تسمرت أرجلهم فيما تتساءل نظراتهم "سيارة للترفية.. كِيف؟". حتى تلك اللحظة من عام 2013 اعتاد السوريون رؤية السيارات الناقلة للجرحى والقتلى "كان الناس تفتكر أن أي ألية تتحرك فهي لشيء غير منيح.. كانوا أول مرة يشوفوا ألية للترفية" يتذكر "البطل" مؤسس "الكرفان السحري" المشهد الأول لظهور المشروع.
ست سنوات مرت على الأحداث الدامية في سوريا، تكبد فيها الصغار الكثير، إلى جانب القتل، هجر نحو 2.7 مليون طفل التعليم، الجانب الأكبر منهم داخل سوريا -1.7 مليون طفل، -وفقًا لمنظمة اليونيسف في تقرير لها يناير المنصرف؛ لأجل ذلك وجد "البطل" ورفاقه السبيل لدفع الأذى عن أهل سوريا، خشوا أن يقع الصغار في دائرة العنف، ويجذبهم أي من الأطراف المتصارعة إليه "فقررنا نعمل أنشطة في أماكن آمنة يتجمعوا فيها عشان ما يروحوا لأماكن غير مرغوبة".
لم يكن انقضى سوى نحو عام وتسعة أشهر على الثورة السورية، حين انطلق الأصدقاء الثلاثة مسلحين بما لديهم من خبرة العمل التطوعي في مجال تنمية المجتمع والمسرح قبل 2011، إلى الشمال السوري حيث مناطق نزوح السورين من حلب وإدلب "بجامع، بكنيسة، حديقة، أي مكان"، ليمارسوا الأنشطة الفنية مع الصغار، حتى أوائل عام 2013؛ إذ لفتت عربات "الكرفان" التي يستخدمها العمال وقت المشروعات في سوريا أنظار "البطل"، كأنما لأول مرة يراها، فاستلهم الوسيلة لتطوير عملهم مع "الكرفان السحري".
اشترى الرفاق كرفان صغير، بإمكانيات بسيطة زينوا هيئته بما يلائم الصغار، وبالداخل وضعوا ما يحتاجونه، من ألعاب فكرية وحركية وسابور، قصص وروايات، أقلام ولوحات ورقية وفرش وألوان مختلفة إلى جانب شاشة "وبروجكتور" لعض الأفلام والرسوم المتحركة "وصرنا نعمل إعادة تدوير للأشياء مثل الكاوتش لاستخدامها في اللعب من ناحية ولنعلم الصغار كِيف ممكن يستفادوا بالبيئة حواليهم".
جاب "البطل" ورفاقه نحو 10 أماكن في أنحاء دمشق، في الفترة من 2011-2012، لكن مع تأسيس "الكرفان" طاف الفريق أغلب مناطق سوريا، شاركوا .السوريين لحظات من استحضار الفرحة
إمكانية التحرك من مدينة لأخرى كان متاح نسبيًا حتى 2014، إلى أن انغرست تنظيمات عدة بأرض سوريا، جميعها كان يدفع إلى انعزال كل منطقة كما يرى الشاب الثلاثيني حينها تقطعت أواصل فريق العمل الذي تزايد أفراده "صار كل فريق في بلده" لكنهم واصلوا المسيرة، وبات ارتباط الفكرة "بالكرفان" أمر حتمي، بعد سكن السوريين للمخيمات وأماكن غير متاحة لممارسة الأنشطة فصار "الكرفان" كأنه رمز للترحال والتنقل الدائم للسوريين.
باللعب والحكايات والعروض المسرحية يتواصل شباب "الكرفان السحري" مع الصغار والكبار، يرتدون أزياء المهرجين تارة، وحلة المعلمين مرة أخرى، يقفون أمام السابور، يشرحون مواد تعلمية، وطالما كان يفاجئ الصغار آل "الكرفان" خاصة حين يعبرون عما بداخلهم بالرسم، ففي إحدى المرات رفع صغير رسمته وقال "هاي الكرفان". رسم بسيط لسيارة ملونة يعلوها لون أخضر وأزرق وشمس بالجوار، تأثر بها الشباب لما يمثله المكان للصغير، فكانت رسمته "لوجو" الكرفان السحري الذي يستقبل الوافدين الجدد للصفحة الإلكترونية على فيسبوك والموقع الخاص به على الانترنت.
اتسعت دائرة الكرفان؛ انتقل لخارج سوريا حال أهله، أضحى في أربع دول –لبنان، ألمانيا، تركيا، فرنسا- تزايد عدد المتطوعين فيه إلى 100 شخص، وتحددت ملامحه تفصيلياً في استراتيجية متفق عليها، تشمل 15 برنامج تعليمي للأطفال ودعم الأسر، يتم تنفيذها بعد بحث حالة أهل المكان وأكثر ما يحتاجونه "في أطفال تحتاج دعم نفسي، في يحتاجوا تعليم"، غير أن الأكيد هو فترة الـ3 أشهر بمعدل 4 ساعات يوميًا التي يكتمل فيها البرنامج مع الصغار ليستقبلوا غيرهم.
في كل بلد يختلف تعامل القائمون على "الكرفان". التجربة أوضحت لهم أن تقبل المشروع خارج سوريا بات يعتمد على القوانين المفروضة في بلد اللجوء حسب قول "البطل"، ففي تركيا يواجه الأطفال السوريون أزمة اللغة، فيما تلاحقهم العزلة في لبنان، لهذا تعتمد أنشطة "الكرفان" على دعمهم كي لا يشعرون بالغربة.
لبنان كانت الوجهة الثانية للكرفان، بالنسبة لـ"البطل" لا تعد بلد لجوء، لأكثر من عشر أعوام يتنقل دارس التصوير الفوتوغرافي والمسرح ما بين سوريا والبلد المجاور، لديه صداقات وعلاقات تربطه بشماله وجنوبه، لذلك حين غادر سوريا أواخر عام 2014 عرف مكانه "أحببت التواجد في لبنان لما لديه من انفتاح يخص الفنون وأنواعها".
من بلاد الشام انتشرت فكرة "الكرفان"، وتجاوزت حدود إفادة السوريين، إذ انفتحت السيارة المتنقلة للاجئين من مختلف الجنسيات، وتوسع وجودها بعد تبرع بعض المتطوعين بأماكن استقبال ثابتة يحصيها "البطل" فما بين 5-10 بيوت.
سنوات عمل فريق "الكرفان" وضع يدهم على احتياجات اللاجئين الماسة، لا يفكر "البطل" كثيرًا قبل أن يقول "لابد يكون في اعتراف حقيقي بهم بإعطائهم أوراق ثبوتية"، يلفت النظر إلى وجود مواليد لسنوات دون هوية، يصف الأمر بالكارثة، فبدون ذلك لا وجود لهؤلاء ولا معرفة حقيقية لحجم احتياجات اللاجئين بالأساس حسب قوله.
عدم الشعور بالأمان أقسى ما واجه شباب "الكرفان"، في ظل إنكار البعض لإمكانية تنفيذ الفكرة، فلا يستطيع "البطل" نسيان كلمات أحد أصدقائه حين قال "هاي الفكرة مجنونة إزاي فيك توصل لألاف التجمعات.. هاي القصة مستحيل تظبط"، فضلاً عن الإمكانيات التي تعتمد على التبرعات العينية والمادية ودونها وُضعوا في مأزق اضطرهم في بعض الأحيان للتوقف لفترة "فتكلفة الكرفان الواحد 4 آلاف دولار والمنح الدولية لها سياسات خلاف الإجراءات الطويلة"، غير أن الأيام أكسبتهم خبرة التكيف؛ فمنذ عام 2015 بات "الكرفان" يصنع يدويًا حتى صار لديهم 5 في سوريا، فيما آثروا أن تكون التبرعات "من شعب إلى شعب" حسب قول "البطل".
داخل أمتار لا تتجاوز 3×4 مترا، هي مساحة "الكرفان" يواجه "البطل" ورفاقه الحرب بكل ما تحمله من فقد ومنع، ويقابلونه بالمنح، فيواصلون المسيرة بعد رحيل قاسم حماد أحد المؤسسين، منتصف عام 2013، إثر قصف طيران دمر أول مكان اجتمعوا فيه لإسعاد الصغار، ويحيون الآمال برؤية أطفال جدد خلاف الذين انقطت بهم السبل "أصعب شيء أن يختفي أطفال اشتغلت معاهم وتابعتهم.. عم نفقدهم لأن العائلات في تهجير دائم أو بسبب القصف.. ما عاد فينا نعرف مين عم يضرب".
يستقبل الكرفان ما بين 75-100 طفل شهريًا، من أعمار 6-15 عامًا، فيما يتوافد نحو 300 طفل على المراكز الثابتة. صغار مختلفي الطباع "اتعاملنا مع أطفال ما يعرفوا شيء بالحياة.. ما راحوا على المدرسة"، غير أن التغيير أصابهم جميعًا حسب قول ابن مدينة دمشق "بقوا مصرين يعملوا حلمهم بعد الحرب.. اللي بدو يكون طبيب واللي بدو يكون صحفي يكتب عن اللي بيصير". ونالت نسائم التغير من مؤسس "الكرفان" ذاته؛ فرغم اعتباره الأمر استكمال لحلمه لكنه صار أكثر إصرارًا على مواصلته "بعد 6 سنين اتأكدت أن فينا نستمر لسه بالطريق".
حلم "الكرفان" لا يتوقف، تنساب أطيافه، في قصص تُروى عبر "ساوند كلاود"، ومعارض في باريس وكندا وألمانيا استقبلت رسوم من صنع أيدي الصغار، وكتيبات على رفوف مكتبات في لبنان تحمل بين طياتها كلمات أطفال سوريا، وخطط لإنشاء كورال وفريق مسرحي، وتحقيق الهدف الأكبر بإخراج الطفل من الحالة النفسية للحروب والنزاعات، وزيادة اهتمامه بنشاطات الفنون، وإعادة المستوى التعليمي للعائلة السورية، ونشر ثقافة التطوع الحقيقي بصرف النظر عن الجنسية، فعندما يتحقق العدالة والتنمية والاستقرار يرى "البطل" أن حينها وفقط تنتهي مهمة الكرفان.
قناة الكرفان السحري على Soundcloud
فيديو قد يعجبك: