في حادث نويبع.. رحلة طالبة من الحِلم لمسجد المواساة
كتبت-دعاء الفولي:
كان برنامج حياة شدوى محمد عبد السلام مُزدحما. بالكاد تجد وقتا بين الدراسة بكلية الصيدلة جامعة الإسكندرية، التدريب في نادي سموحة والتطوع في اتحاد الطلبة. طلب منها والدها مرارا أن تنعم براحة، لكنها آمنت أن الحياة أقصر من أن تُهدر.
اثنان وعشرون عاما وتسعة وعشرون يوما هو عُمر الشابة التي قضت نحبها مع آخرين على متن الحافلة المتوجهة لنويبع في الجمعة الماضية. وبينما مضى على وفاتها أسبوع، مازالت أحلامها ملء سمع وبصر والدها، إذ نسجاها سويا.
"السفر كان في حياة شدوى رمّانة ميزان والرحلات بالنسبة لها شيء أساسي"، لذلك لم يرفض الأب أي رجاء يتعلق بالسفر "السنة اللي فاتت راحت سانت كاترين تبع الكلية"، غير أن موقف عبد السلام من الرحلة الأخيرة اختلف "مكنتش عايزها تطلع وفضلت تتحايل عليا شهر".
وقتها برر الأب الرفض قائلا إن الرحلة شبيهة ببرنامج العام الماضي "بس هي قالتلي أنا منزلتش دهب قبل كدة"، فوافق على مضض.
طابا، دهب وشرم الشيخ ثم رأس شيطان وأخيرا سانت كاترين؛ برنامج الرحلة التي اقتطعها الموت. "كانت بتكلمني كل ما بيتحركوا في حتة"، يذكر الأب ذبذبات صوتها المِرح في الاتصال قبل الأخير، حين أخبرته عن الغطس مع الشعاب المُرجانية "قالتلي أنا دعتلك عشان انت اللي علمتني السباحة وعرفت أنزل من غير لايف جاكت".
بمجرد أن التحقت الفتاة الراحلة بكلية الصيدلة "قررت تبقى متفوقة عشان تاخد منحة لألمانيا" حسبما يقول والدها لمصراوي. حافظت على تقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف لأربع سنوات متتالية في الكلية "والسنة دي كانت وعداني إنها هتجيب امتياز"، غير أن تلك الحالة لم تكن سوى جزء يسير من تفرّدها الرياضي.
"أسرة الكرة الطائرة المصرية ينعون وفاة المغفور لها بإذن الله شدوى محمد .. لاعبة نادي سموحه للآنسات للكرة الطائرة".. بتلك الكلمات قدّم الاتحاد المصري للكرة الطائرة العزاء لعائلة الطالبة، التي انضمت للنادي منذ أكثر من عشرة أعوام.
الكرة الطائرة، السباحة، والجري؛ 3 رياضات لعبتها الفتاة بالتوازي "فريقها في نادي سموحة متصنّف تالت على الجمهورية وبسبب اللعبة خدت 3% منحة تفوق رياضي في ثانوية عامة"، فيما احتلت المركز الأول لعامين متتالين في ماراثون الجامعة.
ظهر الجمعة الماضية اتصلت شدوى بوالدها تُخبره عن تحركهم إلى رأس الشيطان "ووعدتني هتتصل بيا لما يوصلوا". بعد ساعات قليلة تلقى مكالمة من زميل لها يقول له بصوت مرتعش "الأوتوبيس عمل حادثة وشدوى اتعورت". دون تفكير تحرك الوالد لشرم الشيخ، غير عالم أن زملاءها لم يقولوا الحقيقة، لكن موقع فيسبوك فعل "لقيت صحابها كاتبين إن شدوى ماتت".
كانت الطالبة ضمن أكثر من خمسين آخرين انقلبت بهم الحافلة في منطقة الصاعدة على طريق نويبع، وفيما تُوفي 9، توزع الآخرون على عدة مستشفيات بين حالات خطرة ومستقرة.
بأقدام مرتعشة وصل عبد السلام لمستشفى شرم الشيخ، تعرف على جثمان فقيدته، علم أنها ظلت تنزف قبل الوفاة لساعات بسبب نقلها في سيارة إسعاف من مكان الحادث، كظم الأب غيظه وحزنه، اقترح عليه البعض التحرك بالجثامين للجامعة لإقامة صلاة عليهم "بس انا كنت عايز أكرمها بأسرع وقت بإنها تندفن"، جرجر المهندس جسده، ونعش الابنة، عائدا بها للمثوى الأخير.
انفتحت دائرة الروايات عن سبب الحادث، لكن الأب يعزل نفسه عمّا يُقال "فيه تحقيق شغال وعلى أساسه هنعرف"، وبمجرد أن يتيقن مما جرى "هنجيب حق شدوى" حسبما يضيف.
فيما هو بطريق العودة للإسكندرية باغته شريط حياة الفتاة؛ كيف تخطت وفاة والدتها بأعجوبة منذ 7 سنوات، إصرارها على تنظيم حفلات لإحياء يوم اليتيم، تدريبها في الصيدليات لأجل المهنة، اهتمامها بأعياد ميلاد أصحابها، حرصها على الإفضاء لوالدها بتفاصيل حياتها، خططها التي كانت تبدأ مع ساعات الإجازة الأولى، نشاطها المستمر في اتحاد الطلبة حتى أن والدها كان يتندر قائلا: "انتي عضوة في كل حاجة في الدنيا يا شدوى".
صباح السبت اُقيمت صلاة الجنازة على الطالبة في مسجد المواساة بالإسكندرية. ودّعت العائلة شدوى، ودخل الأب المنزل للمرة الأولى دون أن يجدها. ممتلكاتها مازالت موجودة حيث تركتها؛ الزي الرياضي، الكمبيوتر الشخصي، وبريدها الإلكتروني الذي أرسلت منه سيرتها الذاتية لجامعات ألمانيا، فيما حسابها على موقع فيسبوك يذخر بحكايات عنها ومعها، وصورة أخيرة لها مع الدفعة احتفالا بإنهاء 70% من مشوار الدراسة، المبتور بفعل الحادث الأليم.
فيديو قد يعجبك: