لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

شيّالين" معرض الزهور.. الشقاء في موسم الجمال

08:02 م الجمعة 24 مارس 2017

تصوير - علاء القصاص

كتبت- دعاء الفولي وشروق غنيم:

كان الورد يطلّ على زائري حديقة الأورمان، تستقبلهم رائحته الذكية، وألوانه السارّة. بين جنباته يسير المُعجبون، ينتقون ما يُزيّن بيوتهم، لا يعنيهم سوى الاستمتاع بمعرض الزهور الذي يُقام سنويًا. وفيما تنتشر أمارات البهجة؛ انسلخ بعض الرجال عنها، انكفئوا على عربات يدفعونها أمامهم، وجوههم تحمل الهم، وأعينهم زائغة، لا يهتمون سوى بنقل ما يشريه الناس، مقابل حفنة من الجنيهات، ينظرون للمكان بعين الشقاء، ينتظرون انتهاء موسم الزهور، والعودة لمنازلهم بما يسدّ الرمق.

عربة أقل حجمًا من نظيراتها، تُشير إلى عُمر صاحبها؛ وجدي ابن الـ13 عامًا. جاء إلى معرض الزهور هذا العام لأول مرة، للعمل برفقة ابن عمه أحمد، رغم اقتراب موعد امتحاناته.

من خلال ابتسامة وعرض توصيلة لما اغتنمه زوار المعرض، يبدأ وجدي حديثه مع الزبائن. يحمل الزهور والزرع على عربته متجولا بهما إلى أن يصل لمبتغى المُشتري. يشاركه ابن عمه العمل لتخفيف العبأ عليه، لاسيما أنها المرة الأولى للصغير في هذه المهنة.

1

الأمر مختلف بالنسبة لابن العّم، فعلى مدار 7 سنوات كان يتحيّن موعد معرض الزهور "بنيجي نسترزق"، فيما يعمل ببلدته في أسيوط بإحدى المزارع. يقضي الاثنان طيلة اليوم داخل الحديقة؛ في الصباح يتقاسمون العربة، فضلًا عن العمل مساعدة أصحاب المشاتل، وفي المساء يتولون مهمة حماية مشتل كخفر بالاتفاق مع أصحابه.

كالآخرين جاء أحمد سيد من أسيوط ذو الثالثة وعشرين عامًا. ابتغى الشاب طريق العمل منذ كان في العاشرة "اشتغلت كل حاجة وأي حاجة أكل بيها عيش"، بدأت رحلته مع الشقاء حين حصل على وظيفة في المقابر "كنت أفتح الترب وأرش ماية.. مكنتش بخاف عشان مضطر".

يعيش الشاب برفقة والدته المريضة بعدما تُوفي والده منذ 3 سنوات "بقيت أصرف عليها عشان إخواتي متجوزين". يستغل فرصة المعرض السنوي للقدوم بصحبة أصدقائه "بنبقى شاريين كل واحد عربية ونلف نستنى الزباين". لا يفهم سيد في الورود "الحاجات الحلوة دي للناس اللي معاها فلوس إنما أنا أخد اللي يديهولي الزبون وأقول الحمد لله"، ورغم أنه لا يُعارض أي رقم يأخذه، لكنه يتمنّى لو يحصل في كل نقلة على 20 جنيهًا، كي يمتلك غنيمة يعطيها لأهله.

2

خلال الأعوام الماضية عَمِل سيد في مزارع العنب "بنطلع نشتغل من 4 الفجر ونروح خمسة المغرب"، لا يتخلل اليوم الطويل سوى استراحة قصيرة للغداء، فيما يبلغ المقابل المادي حوالي 1500 جنيه شهريًا "لو يبقوا 2000 بس يكون أحسن"، إلا أن النزول لتلك المزارع موسمي أيضًا كمعرض الزهور.

يقضي الشاب الصعيدي ليلته في الحديقة "بنّام جنب السور بتاع الجنينة بس من جوّة"، يتركه الحُراس طالما يُعاملهم بشكل جيد "اللسان الزين بيمّشي كل حاجة"، يُلقي عليهم السلام أحيانًا، ويعرض عليهم شراء طعام الإفطار أو العشاء.

أما أبو فارس، فكان بخلاف بقية العُمال يعرف أنواع الورود. اكتسب الخبرة على مدار سنوات عمله على عربة تحمل اسمه، لكن لم يُصادف أن استعان أحد زوار المعرض بمعلوماته خلال الشراء. وعلى عكس زملائه الذين بدا عليهم الإحباط هذا الموسم، يشعر الرجل الأربعيني بالراحة والرضا تجاه حركة الزبائن.

بين القادمين من أسيوط غرّد جمال خارج السرب "أنا من صفط اللبن، بس عشان جنبنا مشاتل كتير فقلت أجي اشتغل مع صحابها هنا". تلك المرة هي الأولى له داخل حديقة الأورمان، تأخذه قدماه لأي مكان فيه "بيع وشرا".

3

"محدش بيختار شغلانته.. أنا اشتغلت في كل حاجة" يقول جمال. لا يستقر الشاب في الحديقة دائمًا "ساعات بروّح وأوقات بفرش كارتونة وأبات وخلاص"، يُضايقه تعامل بعض زملائه معه "في ناس مش عايزاني أكل عيش عشان مش صاحبهم"، لا يتحدث مع أحد قدر المستطاع "حتى أصحاب المشاتل مليش كلام معاهم"، لا يعرف إذا كان سيعود للمعرض في العام القادم أم لا "كل يوم إحنا في شأن، المهم إن آخر اليوم ربنا بيراضيني وخلاص".

جلباب صعيدي لا تُخطئه عين ووجه مُتعب، يبتسم خالد للمارة، سائلا إياهم إذا رغبوا توصيل ما اشتروه. فيما مضى، كان يهيم العامل الثلاثيني حُبًا بالمهنة التي بدأها منذ الثمانينات، لكن في الآونة الأخيرة نفر منها "لأنها دلوقتي ماتت". لا يشترط ابن أسيوط تسعيرة معينة للنقلة "ده رزق بيبعته ربنا"، بيد أنه لا يتناقش حتى مع الزبائن في الثمن، ويتأرجح المبلغ الذي يتلقاه من أحدهم بين 20 جنيهًا هبوطًا إلى جنيهين.

ضيق الحال دفع ابن العقد الرابع للسفر إلى ليبيا، رغم المخاطر التي تعرض لها "روحت اشتغل في مشاتل هناك"، حتى أنه يعتبر الدخل هُناك من مهنة الورد بات أفضل من هُنا.

4

ورغم الدخل الوفير بالنسبة له ، إلا أن الشوق لأولاده الخمسة دفعه للعودة إلى مدينته أسيوط. ورث عم خالد المهنة من آبائه، لكنه لن يمررها لأبنائه "بعلمهم، مش عاوز اللي حصل معايا يحصلهم"، إذ ترك الرجل الثلاثيني الدراسة بغية العمل لسوء أحوال المعيشة، والآن تراوده فكِرة العودة مُجددًا لليبيا "أي مكان في شغل مش هتأخر عليه، الجوع يعمل أكتر من كدة".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان